إنها الأمومة يا سادة

قصة ولادة متعسّرة، نجت منها الأم والطفلة باعجوبة

في العيد الثالث لميلاد ريفا، كانت البالونات المنفوخة بالهيليوم تزين المنزل بالكامل، حيث تحجب تراقص الأنوار التي لا تُرى سوى في زوايا المكان وحين تنعكس من الدموع التي تنهمر من عينيها.

هل يجب أن تبكي في كل عام وفي نفس التاريخ؟
لما لا نستطيع أحيانًا أن نتخلص من ذكريات الماضي المؤلمة؟

كانت فاطمة قد وضعت ابنتها في إحدى مستشفيات الكويت، في الخامسة من عصر الجمعة 12 مايو 2017، ولم تتمكن من رؤيتها إلّا مساء اليوم التالي عندما حملت جراحها وألمها وتوجّهت نحو العناية المركزة لرؤيتها، ذلك المنظر لم يغب يومًا عنها، تتذكره دومًا، ويبدأ دمعها بالتجيّش على حافة العينين.

خمسة عشر يومًا ظلت ابنتها تحت الملاحظة، كانت “فاطمة” تجر أقدامها كل صباح بثقل واهتزاز كي تذهب إلى المستشفى لزيارة ابنتها، تتناسى آلام الحمل والولادة وأن عليها أن تًبقي جسدها يرتاح لفترة، كل ذلك لا يُهم الآن، ما يُهم حقًا هو رؤية ابنتها وعدم تركها وحيدة مع أناس غُرباء لم تعتد عليهم سابقًا!

تقول الأم: كُلّما أتذكّر ما حدث، لا يمكنني سوى أن أبكِ بغزارة

في طريق العبور نحو سيارة الأجرة التي تنتظر كل صباح أمام المنزل، تتكئ على ذلك الجدار الفخم أمام المنزل والذي طالما تساءلت عن قيمته، لكنها هذه المرة لا تهتم، فقط تتقدم بتثاقل وتعب، حتى أن الأبراج العالية المحيطة بها لم تعد تشد نظرها، كل ما يشد نظرها الآن هو رؤية ابنتها فقط.

في غرفة العناية المركزية، لا تسمع إلّا أصوات الأجهزة، صوت مزعج ما زال صداه يُسمع حتى الآن، لكنه ضروريًا، فهو يُساعد ريفا في عملية التنفس، والقيام بالوظائف الأخرى التي تحتاج إليها لتبقى حية، فرأسها متورم ويعاني من تجمّع دموي ونزيف داخلي في إحدى طبقات القشرة، وكليتها تنزف داخليًا، وتعاني من جرح يمتد من أسفل العين اليسرى مرورًا من تحت الأذن وحتى خلف رقبتها.

قال الأطباء أن مسألة حياتها متعلّق بين يديها فقط، ولا يمكنهم عمل شيء

أطباء القضاء والقدر

هو اختبار أول في الحياة خاضته ريفا، اسمها اللاتيني الذي يستخدمه الأرمن ويُشير إلى أن صاحبته بإمكانها أن تستعيد قوتها، كان مفتاح الصبر لوالدتها التي لم تتمكن من احتضان ابنتها بعد الولادة، وحتى اليوم الخامس عشر، واعتمادًا على ما يُقدّمه الاسم من معانٍ لا يُشعر به سوى الأم، انتظرت ابنتها لتستعيد قوتها وتبدأ حياتها، لكن الأطباء يُصرّون على الحديث بطريقة لا علمية ولا دقيقة.

 

قال الاطباء أن ما حدث في الولادة لم يكن بأيديهم، ولكن هو من عند الله!

 

في 12 مايو من كل عام، وعقب الانتهاء من الاحتفاء بعيد ميلاد الطفلة، تبدأ الأم بسرد واقعة الولادة، بألم، وخوف، ودموع متكرّرة، ثم ينتهي المطاف بأن تحضن ابنتها بشدة.

لماذا عملت الحياة على اسقبال ابنتي بهذه الجروح ولماذا كان عليّ أن أمر بعملية ولادة مؤلمة؟

فاطمة صلاح والدة الطفلة

 

الوساطة قوّة

في غرفة العناية المُركّزية،ترقد الطفلة تحت حصار أصوات الآلات، وبقع الدم التي تتواجد على جسدها والوسادة الدائرية الموضوعة أسفل رأسها.

الأطباء والمسئولين عن التمريض يفتقدون للجانب الإنساني عمومًا، فتعاملهم قاسٍ، رُبما يعتبرون أنفسهم مُجرّد موظفين، أو ربما بسبب زيادة الحالات التي تصلهم والتي أفقدتهم التعاطف مع الآخرين، ولا تحتاج إلى الذكاء لمعرفة ذلك، فهم يتعاملون مع الوالدين بتساهل وتجاهل شديدين، ويجب أن تركض خلفهم حتى تحصل على معلومة.

لكن ذلك تغيّر لاحقًا، كل شيء أصبح مختلفًا منذ أن قام وزير الصحة الكويتي بالتواصل مع مدير المستشفى وسؤاله عن حالة الطفلة، وماذا حدث لها، وطلب تقريرًا عن الحالة، ومن تلك اللحظة، أصبح الأطباء يتعاملون بشكل لائق يتحدثون بعمق في المسائل الدينية!.

اختفت بقع الدم… تم فصل أجهزة التنفس ونقل الطفلة إلى قسم الملاحظة الخاصة


هكذا هم الغرباء عن وطنهم، يعيشون لوحدهم، يواجهون آلامهم منفردين، ويقاومون ما يحدث بصمت

بعد مضي هذه المدة، ما تزال “فاطمة” تستذكر تفاصيل ما حدث، كل لحظة بلحظة، وكل دمعة بدمعة، وفي كل المناسبات السعيدة، تستقبلها بدموع غريب عن وطنه وأهله.


الملاك الحارس

د. منال منصور بوحيمد

يعتقد الكثير أن هناك كائنات روحية مهمتها مساعدة الناس وحمايتهم، وسواء كان ايمانك قويًا بوجود “الملاك الحارس” حولك أم ضعيفًا، فإن ريفا كان لها ملاكًا حارسًا، لكنه لم يكن كائنًا روحيًا، لكنه هذه المرة كان كائنًا بشريًا يسكن في جسد امرأة هي الدكتورة منال أبوحيمد، تلك المرأة التي تحمل روحًا محبة في مساعدة الآخرين ولا تتوانى عن مد يد العون لهم.

هي طبيبة كويتية متخصصة في أخلاقيات المهن الطبية، تعمل كأستاذ مساعد في كلية الطب جامعة الكويت في مجال طب العيون السريري، وتشغر نائب رئيس رابطة موظفي جامعة الكويت، وعضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان. 

التعليقات مغلقة.