النسوية.. معركة من أجل الوجود

منذ العام 2011، بدأت الثورات الإلكترونية للمرأة العربية، ولعل أكتوبر/تشرين الأول 2012 احتضن أول ثورة للنساء تخطت حاجز الحدود من خلال استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أعلنت 3 نساء من فلسطين ومصر ولبنان، تأسيس أول نواة للثورة الإلكترونية من خلال انتفاضة المرأة في العالم العربي، تحت شعار: “معًا من أجل نساء ينعمن بالحرية، الاستقلالية، والأمان في العالم العربي”.

لقد ساهمت احتجاجات “الربيع العربي” في تهيئة بيئة مناسبة للنساء لأن يقُدن أدوارهن في الحشد من أجل الانتصار لحقوقهن

في معرض حديثها عن دور المرأة في الثورات العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تقول “هيباق عثمان” وهي رئيس منظمة كرامة التي تتخذ من العاصمة المصرية القاهرة مقرًا لها، أن الثورات التي اندلعت في البلدان العربية: “فتحت أفق إمكانيات جديدة عديدة للمرأة. ومنذ فترة من الزمن قبل اندلاع الثورات كانت للنساء تجارب في أشكال متنوعة من الاحتجاج وأصبحن عارفات بالطريقة التي يطرحن بها مطالبهن. فكفاحهن مستمر بشكل أطول من كفاح المجتمع عامة”.

ويبدو أن “الربيع العربي” مكّن النساء من الانخراط في “عملية التغيير” عبر استخدام ذات الموارد التي استخدمها الشباب في احتجاجاتهم السلمية، وكما شهدت الاحتجاجات المجتمعية ردود فعل مؤيدة ومُعارضة، كذلك تشهد مطالب النساء ذات ردود الفعل، ولكن هذه المرة تتوسع هذه الردود لتتحول إلى معارك فكرية يقودها الوعي.

الربيع العربي فتح آفاق جديدة عديدة للمرأة وأصبحن عارفات بالطريقة التي يطرحن بها مطالبهن

        هيباق عثمان

الحركة النسوية:

وفي خضم هذه المعارك، تم إعادة إحياء “النسوية” وهو المصطلح الذي يُشير إلى عدد من المعاني المتصلة بمتبنيه، فالنسوية الأولى كانت تُشير إلى كونها: “حقوق المرأة على أساس المساواة بين الجنسين”، فيما تفكّك المصطلح لاحقًا إلى عدة نسويات تزامنًا مع ما تشهده الظروف السياسية والاقتصادية والفلسفية والأيدلوجية للبلدان، حتى وصل إلينا اليوم مصطلح النسوية الإسلامية.

ولقد كتبت “ماري وولستونكرافت” في كتابها “دفاعاً عن حقوق المرأة” الصادر عام 1792 عبارتها التدشينية للنسوية عندما قالت: “أتوق بشدة لأن أرى التمييز على أساس الجنس قد تلاشى تماماً، عدا ما يتعلق بالحب”، ومن المتفق عليه أن وولستونكرافت لم تستخدم اصطلاح “نسوي Feminism” الذي استخدمته الموجة النسوية الأولى خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، للإشارة إلى حقوق المرأة على أساس المساواة بين الجنسين. “TRT عربي“

ومهما تبنّى الأشخاص من فكرة مُحددة عن النسوية، إلا أن المجتمعات قد واجهت فكرة النسوية على مر القدم، وليست المواجهة محصورة، اليوم، على منصات التواصل الاجتماعي، بل حتى على الصعيد السياسي والاقتصادي والديني والمجتمعي.

هل النسوية تقليد للغرب؟

ثمة من يواجه النسوية بشدة متهمًا إياها بكونها تنتمي إلى “تيارات متطرفة جاءت من الغرب” متهمين إياها بأنها تساهم في تفكيك المجتمعات المحافظة لأنها تنادي بتحرير المرأة وهو ما يتناقض مع الدين الإسلامي.

ولعل الدكتور سعد البازعي قد فنّد هذه المفاهيم في 11 نوفمبر 2019 خلال محاضرة بعنوان: “النسوية بين العرب والغرب” قدم خلالها ورقة بعنوان: “النسوية هجرة المفاهيم وتعدد السياقات”.

قال إن النسوية “حقلًا للدراسات” وحقوق المرأة ليست حكراً على “ثقافة أو مجتمع” وإنما هي ظاهرة عرفتها الثقافات والمجتمعات الأخرى، منها البلاد العربية، وأشار إلى أن المرأة العربية طالبت بحقوقها منذ أمد طويل كوضع إنساني تقتضيه الظروف ويصنعه التطور.

على الجانب الآخر وتحديدًا في نيو اورلينز بالولايات المتحدة الاميركية وخلال المؤتمر السنوي الـ٥٣ لجمعية دراسات الشرق الأوسط والتي تعد أكبر وأقدم جمعية أميركية أكاديمية غير ربحية تجمع المفكرين وتبحث في شؤون الشرق الأوسط؛ ألقى الدكتور بدر موسى السيف، محاضرة بعنوان: “الأديان ليست حصرا على الرجال وحدهم” قال خلالها أن الرجل قد هيمن على إنتاج المعرفة في الإسلام منذ صدر الإسلام، إلا أن ذلك لم يمنع بروز دعوات إلى تمكين المرأة بشكل أفضل وأوسع، وهو ما سمح بظهور بذرة ما يمكن أن نسميه النسوية الإسلامية.

النسوية الإسلامية لها استراتيجية أساسية تتمثل في منافسة ومزاحمة هيمنة الرجل، والمناضلة من أجل المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، والحركة النسوية الإسلامية أصبحت تشهد ازدهارا واضحا في شبه الجزيرة العربية، وتتميز بتعددية في التأويلات والتفسيرات الخاصة بوضع المرأة في الإسلام

إن السجالات المتعددة حول النسوية ستبقى مثارًا للجدل حتى تأخذ وقتها، مثل كل القضايا التي تُستجد على الساحات.