كيف سقطت اليمن في أيدي المليشيا؟

تعدد أشكال الحرب في اليمن

 

كيف سقطت اليمن في أيدي المليشيا؟

السؤال الذي طالما واجهني عندما يعرف من يجلس أمامي بأني يمني، وهو ما جعلني أُجيب على هذا التساؤل من وجهة نظر صحفي دفعته الأحداث إلى مغادرة اليمن بعد تحوّل الصحفيين إلى أهداف قتالية.  

 

بعيدًأ عمّا أنتجته الحرب في اليمن من تضرر المدنيين وأماكن اقامتهم والمنشئات الحيوية الأخرى الواقعة ضمن مناطق الاستهداف، فيما الجبهات التي عملت أطراف النزاع على فتحها أدّت إلى تضرّر المجتمع بأسره ومؤسساته الرسمية والتعليمية وأماكن العبادة وحتى العلاقات المجتمعية التي تضررّت وبلغت ذروتها حد التحريض على الآخرين وانتشار العنف اللفظي وخطابات الكراهية والتمييز على أساس الانتماء الجغرافي والفكري.

وفي ظل النزاع المُحتدم والمفتوح، فقد لجأت الأطراف المتنازعة إلى فتح جبهات حرب إعلامية وثانية بالتعليم وأخرى بالاقتصاد. أدّت حرب الاقتصاد إلى انتشار المجاعة بين اليمنيين وانتشار الفقر والأوبئة المُتعدّدة والتسرّب من التعليم، فيما أدت الحرب بالتعليم إلى تجنيد الأطفال وغرس أفكار طائفية سواء عبر تقديم مناهج جديدة لطلاب المدارس الصيفية أو عبر المُعلمين الذين تم اخضاعهم لدورات تثقيفية وأصبحوا مسئولين عن تحفيز الطلاب للمشاركة في جبهات القتال الميدانية وكانوا في أحايين أخرى مسئولين بالفعل عن ارسالهم إلى القتال، وأدت الحرب الإعلامية إلى ضبابية المشهد وتبادل الاتهامات بشأن المُتسبّبين بالأزمة الإنسانية.


الحوثيون.. القبول والانتشار:

 

منذ ما قبل 2011 بكثير، يُلفت انتباه زائري محافظة صعدة “معقل الحوثيين” تلك الجدران والدواوين ووسائل المواصلات، التي يحتدم فيها النقاش عن بني أميه وعمرو ابن العاص وموقعة الجمل، ثم تشعر أنك عُدتَ إلى الماضي، ثم تنسى هم الجمهورية وإصلاح فساد الدولة والانتصار للحقوق الإنسانية، لتكتشف لاحقًا أن ذلك الجدل العقيم أسقط البلد في اتون حرب شنعاء، أنتجت مجاعة مخيفة، وحرمت اليمنيين من حقوقهم الأساسية والحياة الكريمة والآمنة.

أثناء احتجاجات 2011 التي شهدتها اليمن، دخل الحوثيون العاصمة صنعاء وانخرطوا في المجتمع داخل الساحات المناوئة لنظام حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، كانوا يتحدثون باسم مظلوميتهم، رافعين قضيتهم، وعدد من القضايا الوطنية الأخرى، خرجوا من صعدة نتيجة للحرب التي تُقاد عليهم لأسباب مذهبية كانت قد بدأت في 2004 أيام تُعرف ب: «الحروب الستة» التي قادتها الحكومة لقمع الحوثيين، متهمة إياهم ب: ((إعادة الحكم للإمامة الزيدية والقضاء على الجمهورية)) هذه التهمة التي نفاها الحوثيون.

 

أثناء احتجاجات 2011 التي شهدتها اليمن، دخل الحوثيون العاصمة صنعاء وانخرطوا في المجتمع داخل الساحات المناوئة لنظام حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، كانوا يتحدثون باسم مظلوميتهم، رافعين لقضيتهم، وعدد من القضايا الوطنية الأخرى، خرجوا من صعدة نتيجة للحرب التي تُقاد عليهم لأسباب مذهبية كانت قد بدأت في 2004 أيام تُعرف ب: «الحروب الستة» التي قادتها الحكومة لقمع الحوثيين بتهمة: «إعادة الحكم للإمامة الزيدية والقضاء على الجمهورية» هذه التهمة التي نفاها الحوثيون.

في 2011 دخل الحوثيون صنعاء واندمجوا مع أبناء المدينة، جاء أبناء الريف بقلوبهم الرحيمة واستطاعوا أن يكسبوا تعاطف كبير حتى من أحزاب اليسار التي تؤمن بمظلومية قضيتهم. دخل أبناء صعدة وحملوا معهم “الرُمان الصَعدي” اللذيذ بعد أن أغلقت الحكومة اليمنية عليهم تصديره للخارج وأحرمتهم من إيرادات الزراعة التي يستفيدون منها ماليا، كما حملوا معهم «القات» الصعدي الرخيص الذي اشتراه الكثير من أصحاب الطبقات الاقتصادية المتدنية واستمتعوا به أيضًا كونه: «حالي ورخيص».

دخل أبناء الريف واستطاعوا أن يقدموا أنفسهم بشكل ايجابي، تقبّلهم المجتمع المدني ولم يتعامل معهم ك: “قبيلي” أي بمعنى رجل غير مثقف ينتمي للقبيلة أكثر من انتماءه لليمن ويُمجّد الشيخ أكثر من تمجيده لدستور بلاده وعلى استعداد للحرب من أجل أبناء قبيلته حتى لو كان سيحارب الدولة.

الصورة النمطية التي تغيّرت عن أبناء صعدة كانت نقطة قوة، ساعدت على انتشارهم داخل المجتمع، استقطبوا حينها المنتمين لذات الطائفة لهم وأخضعوهم لدورات تثقيفية عن «المسيرة القرآنية» يدرسون خلالها ملازم حسين بدر الدين الحوثي ويطلقون عليها: «ملازم السيد». هو مؤسس الحركة ويعتبره الحوثيين «قرآن ناطق» هو قائد حرب صعده الأولى التي انتهت بمقتله ولجوء أخيه عبدالملك إلى الجبال لإعادة ترتيب صفوفهم فقضيتهم لم تنتهي بمقتل قائدهم، ولكنها بداية لحروب انتقامية أخرى للثأر من القاتل وكل من ساعده في ذلك.

مات القائد وجاء أخيه ناقمًا مُتحمّلًا لخمس حروب أخرى تحوّلت إلى قضية رأي عام دولية وتدخلّت فيها دول جوار، وهكذا تحوّل هذا الصراع العقائدي إلى حرب بالوكالة، فاقم من معاناة اليمنيين الذين كانوا بالأساس يعانون من فساد مالي وعبث بمقدرات البلاد ونهب للثروات وبيعها في أسواق سوداء وجميع أنواع البطالة اضافة إلى الفقر وعدم تطبيق القوانين على أرض الواقع وقمع للحريات العامة وحرمان للحقوق الأساسية.

الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في 2011 كانت كغيرها من البلدان قد خضعت لحلول سياسية، اهتمت بتوزيع وزارات الدولة ومؤسساتها للجهات السياسية، ومنحت صلاحيات لكافة القوى بهدف إدارة البلاد وعدم احتكارها لدى طرف وحيد أو تسخيرها لطرف على حساب آخر، وقد مكّن هذا الحل من تخفيف حدّة التوتير بين جميع الأطراف لاسيما المعارضين لحكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذين رفدوا الساحات بأتباعهم وتمكّنوا من أن يُسيطرون على مطالب المجتمع الذي كان يأمل في تغيير واقعهم وبناء دولة مؤسسات، بيد أن هذه الحلول فاقمت من مُعاناة المجتمع الذي شعر بإحباط شديد وتدمرت آمالهم وأحلامهم، لدرجة تحوّلها إلى أحقاد شخصية تجاه الذين كانوا سببًا في هذا الفشل.

كان الطرف الذي تحمّل هذه الخسارة هو حزب التجمع اليمني للإصلاح «الجناح الإخواني في اليمن» التصقت به صفة الفشل في إدارة البلاد وتحمّلها وحيدًا، ولم يكن هذا الاتهام فارغًا لكنه في حقيقة الأمر نتج بسبب الطريقة الاقصائية في إدارته للوضع حيث فرض التوجّه الخاص به عوضًا عن الاتفاق الجماعي وعمل مرارا للهيمنة على سلطة القرار وموارد البلاد وفرض نفسه كدولة وليس كشريك في إدارتها، استغل الوظيفة العامة، وبدأ -كما فعل الآخرون- في توزيع الوظائف على أتباعه كغنائم وليس كاستحقاق مجتمعي.

لم تكن هذه الإدارة -إضافة إلى الانفلات الأمني وتحوّل الدولة إلى هشة- إلا لتعمل على تقوية الحضور المجتمعي لعلي عبدالله صالح، هذه القوّة مكّنته من البقاء على الساحة كواحد من اللاعبين السياسيين المهمين في البلاد والذي شكّل لحكومة الوفاق الوطني قلقًا بالغًا وألصقوا به كل فشلهم وسوئهم في إدارة البلاد، على الرغم من قيام الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي بإقالة عدد من المقربين له واغلاق وسيلته التلفزيونية «اليمن اليوم» كحرب غير مباشرة كان قد أعلنها ضده.

استثمر الحوثيين هذه المسائل، وبدأوا في حروبهم الفكرية الخاصة فحاصروا دار الحديث في دماج وأخرجوها من المنطقة انتقامًا لمظلوميتهم السابقة أو كما يقولون “محاربة التكفيريين”، ثم تقدموا باتجاه محافظة عمران “خصمهم الجغرافي والفكري والداعم عسكريًا ضدهم” وهي المنطقة التي تُعد مُتركز لأكبر قبائل اليمن وينحدر منها أولئك المُمسكين بزمام أغلب مفاصل الدولة خصوصًا العسكرية.

كان الحوثيون قد نشروا بين المجتمع أن خصومهم هم تكفيريين وليسوا بصدد محاربة الدولة أو خوض قتال مع المجتمع، ونظرًا “للثأر السياسي” فقد وقف شيوخ القبائل المؤيدين لحزب الرئيس صالح، مُحايدين في هذا الصراع، ما سهّل للحوثيين من إسقاط عمران ومعسكرها الأبرز في اليمن اللواء 310 مدرع والاقتراب من العاصمة.

يعد اللواء 310 مدرع أول لواء عسكري في الجيش اليمني وأحد أهمها على الاطلاق، وبعد دخولهم اللواء العسكري نهبوا معداته وقتلوا قائده حميد القشيبي كمقدمة للحرب الأهلية في اليمن.

قضى الحوثيون على منابر أعداءهم الفكريين وفجّروا مدارسهم الخاصة بالقرآن ومساجدهم التي يُعتقد أنها كانت تُحرّض ضدهم أو ترفد دار الحديث بالدارسين أو لها ارتباط مُباشر بحزب الإصلاح، وتمكّنوا من الدخول إلى صنعاء ومحاصرة مراكز القوى ومؤسساتها ثم السيطرة عليها لاحقًا، اعتمدوا على لجان شعبية لتعزيز تواجدهم وعلى مشرفين ليقوموا بمهام إدارة الوزارات على غرار الوزراء، كانوا يحتفظون بأختام الوزارات لديهم ويراقبون المصروفات ويضبطونها ويحافظون على النفقات باعتبارها مال عام.

كانت السياسة الميدانية التي تقودها جماعة الحوثي تعتمد على قضاء حاجات الناس والبت في مشاكلهم، عملوا على الفصل في الكثير من المظالم المجتمعية وإعادة الحقوق إلى أصحابها وضبط الانفلات الأمني والامساك بمرتكبي الجرائم على غير عادة الحكومتين السابقتين، كانت هذه التحركات تؤدي إلى قبولهم أكثر داخل المجتمع واستقطاب الشباب نحو الدورات الثقافية التي تستمر إلى ثلاثة أشهر ثم إعادتهم كلجان شعبة تمارس دورها في المجتمع.

أسقط الحوثيون الدولة وتحوّلوا من قادة مليشيا إلى رجال دولة، منحوا أنفسهم الرُتب العسكرية وسيطروا على الوظائف العامة وقاموا بفرض مدراء جُدد ليسوا بالضرورة على استحقاق لهذه المناصب سوى أنهم ينتمون لذات السلالة، وتمكنوّا من الاطاحة بغريمهم العقائدي اللدود “حزب الإصلاح”.

لم يتبقى في الداخل أي قوى بإمكانها تهديد تواجد الحوثيين سوى علي عبدالله صالح، كانت وسائل الإعلام قد اتهمت صالح بالتورط في دعم الحوثيين، ولم تكن هناك أي اشارات شراكة بين الطرفين سوى أن الحوثيين مرّوا بدون اعتراض أنصار المؤتمر الشعبي العام وبدون أي معارضة على تواجدهم بل على العكس، كان هناك ترحيب بهم نكاية بعدوهم السياسي حزب الإصلاح، وعلى الرغم من الرغبة للانتقام الذي يكنّه الحوثيين لصالح لمقتل مؤسس الحركة، إلا أن ذلك لم يدفعهم لفتح جبهة حرب جديدة في الوقت الذي لم يتمكنّوا بعد من تثبيت أقدامهم بقوة والقضاء على المقاومة التي تشكلّت ضدهم، لكن الرغبة في ذلك كانت حاضرة على الدوام فقد أشار محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لأنصار الله في برنامج على قناة السعيدة في مايو 2015 أن هناك طرفين داخل الحركة إحداها تؤيد الاتفاق مع صالح والعمل معه والأخرى ناقمة على الحروب الست ومقتل مؤسس الحركة وترفض أي عمل مباشر معه.

عمومًا اتفق الطرفين لاحقا في يونيو 2016 على توقيع شراكة سياسية مشتركة وتشكيل مكتب سياسي لإدارة البلاد مكوّن من عشرة أفراد نصفهم من المؤتمر والنصف الآخر من الحوثيين ويرأسه ممثل الحوثيين بينما ينوب عنه ممثل المؤتمر ثم أعلنوا عن تشكيل حكومة الانقاذ الوطني، وفي ذات الوقت كان الحوثيون يقومون بإقالة أنصار صالح من المناصب العسكرية والمدنية وتعيين موالين لهم كإعلان حرب تصفية وقص أكبر عدد ممكن من أجنحة صالح أو ترويضهم، ثم اندلعت بينهما معركة عسكرية في ديسمبر 2017 انتهت بمقتل صالح وانقسام ولاءات قيادات المؤتمر فمنهم من يوالي الحوثيين ومنهم من يوالي التحالف وآخرين مازالوا يرفضون الاعتراف بشرعية الطرفين.

الانتشار الذي حققه الحوثيين مكّنهم من السيطرة الميدانية على الأرض واسقاط المعسكرات والسيطرة على الأسلحة والمعدّات العسكرية والانتصار في المعارك الداخلية واسقاط محافظات عِدّة وبسهولة تامة، أغلبها لم ترفع أي مقاومة أو اعتراض على وجودهم بل وأعلنت لهم الولاء التام.

 


الحرب بالاقتصاد:

بعد دخول العاصمة وسقوطها عسكريًا، استولى الحوثيون على مفاصل الدولة وسيطروا على إدارتها، كان الكثير من رؤوس الأموال المحسوبين على التجمع اليمني للإصلاح قد غادروا البلاد مع أموالهم خوفًا من نهبها، كانت ممتلكاتهم قد غنمها الحوثيين الذين تحّولوا فيما بعد إلى «أنصار الله» كمصطلح عام وشامل يحاول الابتعاد عن الانتماء الفكري لمؤسس الحركة الذي أطلق عليها سابقًا «الشباب المؤمن» وتحوّلت بعد مقتله إلى “الحوثيين” نسبة إليه، غادرت رؤوس الأموال وغادرت معهم أرصدتهم في البنوك، كانت البلاد قد استنزفت الكثير من رصيدها المالي نتيجة للإدارة الخاطئة والفساد الكبير لحكومة الوفاق.

ظلت الأمور تمشي بتباطؤ تام حتى قررت الحكومة الشرعية نقل بنكها المركزي إلى عدن، متهمة الحوثيين بتسخير الخزينة العامة لتمويل جبهات الحرب فيما يُعرف ب: «المجهود الحربي»، كانت عدن قد تم تحريرها من قبضة الحوثيين وتحويلها إلى عاصمة مؤقتة بعد إعلان عاصفة الحزم، إعلان جاء ليُشتّت الكثير من قيادات الحوثيين الذين اشتروا العملة الأجنبية بشكل مهول حتى اختفت من الأسواق حينها، ثم تورطوا بعمليات تجارة تهريبها إلى الخارج وبناء استثمارات خاصة في عدد من دول العالم وكانوا قد سطو على الصناديق السيادية ونهبو أموالها، إضافة إلى نقل مبالغ مالية في البنك المركزي إلى خزائنهم الخاصة.

السوق الاقتصادية واجهت حينها زيادة على طلب العملة الأجنبية وبدأ مسلسل انهيار الريال اليمني، كان الدولار الواحد حينها يساوي 225 ريال وارتفع حاليا إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، لم تكن الحكومة الشرعية تُجري أي مبادرات جادة لتحسين الوضع الاقتصادي وصرف رواتب الموظفين التي توقفت تمامًا بعد نقل البنك المركزي، كان البنك المركزي الجديد لا يملك أي سيولة مالية لكونها تتواجد في صنعاء، فلجأت إلى طباعة عملة جديدة في خطوة كانت تعتقد أنها أهون من عدم حصول اليمنيين على مرتباتهم، لكن تأثيرها عم كل اليمنيين.

رافق طباعة العملة عمليات فساد مالي في الداخل والخارج وندرة الإيرادات المالية وصرف رواتب مهولة لموظفي الشرعية الذين يُقيمون في الخارج ويتسلمون رواتبهم العالية بالدولار، ما أدى إلى استمرار تهاوي الريال وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل متكرر وزيادة تفاقم الحالة الإنسانية في اليمن.

استخدمت الحكومة الشرعية اليمنية الاقتصاد اليمني كجبهة حرب أخرى تخوضها ضد الحوثيين دون مُراعاة أوضاع الناس المعيشية، كان قرار نقل البنك المركزي إلى عدن هو أكبر خطوة ساهمت في سقوط المجتمع نحو المجاعة، كانت تراهن على استنزاف ايرادات خصومهم حتى لا يتمكنّوا من تمويل جبهاتهم وتعطيل دورهم كسلطة ووضعهم في مواجهة في المجتمع، لكن المجتمع لم يواجه سوى انتشار الفقر والمجاعة. ومع فشل الرهان على المجتمع الذي واجه قبضة حديدية تعتقل أي صوت وتنهي أي تحرك لاسيما بعد مقتل صالح، فقد استمرت الحكومة الشرعية في جبهتها الاقتصادية، لكن هذه المرة كانت المعركة في الساحل الغربي، معركة السيطرة على ميناء الحديدة وايراداته.

كانت الحكومة الشرعية تتحدث كثيرا عن معركة صنعاء واقترابها، ولأنها لم تقترب وبقيت المعركة على بعد 40 كم شرق صنعاء فيما يُعرف ب: «جبهة نهم» المتعثرة، فقد وجّهت الأنظار نحو الساحل الغربي للسيطرة على ميناء الحديدة، بهدف قطع الامدادات المالية للحوثيين وتأمين الخط الساحلي من تهديدات الحوثيين باستهداف حركة الملاحة الدولية.

بالنسبة لليمن فميناء الحديدة يُعد شريان الحياة، فمن خلاله تصل أكثر من 70 بالمائة من استيراداتها لمختلف المواد، ومن الميناء يتم نقلها إلى المخازن الرئيسة في المحافظات الأخرى ثم توزيعها على بقية المناطق، هو ميناء حيوي تتدفق من خلاله ايرادات مالية ضخمة تكفي لصرف رواتب موظفي الدولة بالكامل، تتجاوز ايرادته الشهرية نسبة 80 بالمائة من اجمالي الايرادات العامة وتقدر ايراداته الشهرية بأكثر من اثنين مليار ريال.

ومع هذه الإيرادات الضخمة إلّا أن الحوثيون لم يقوموا بتسليم رواتب الموظفين ضمن مناطق السيطرة الخاصة بهم، وتم الكشف عن عمليات فساد مالي ضخم يستفيد منها عدد من القيادات الحوثية التي تم تعيينها بعد سيطرة الحوثيين على الدولة.

فقد اليمنيون رواتبهم، تم تسريح الكثير منهم من أعمالهم لاسيما في القطاع الخاص والكثير منهم لم يحصل على بدل انهاء الخدمة كما يحدث في الوضع الطبيعي. توقّفت الكثير من الأعمال في المشاريع الصغيرة خصوصا تلك المرتبطة بتوفّر المشتقات النفطية من وسائل مواصلات وصيد وزراعة. انتشر التسوّل الإلكتروني والميداني، وانتشرت مظاهر السرقة والسطو المسلح والسرقة بالإكراه كما انتشرت ظاهرة الإعلان عن بيع الأعضاء البشرية بشكل ملفت.

انعدمت الخيارات الاقتصادية أمام الكثير لتأمين لقمة العيش لاسيما بعد انخفاض سعر الريال وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية إلى ما يُقارب ثلاثة أضعاف أو أكثر.

دخلت اليمن لأول مرة ضمن الدول التي تعاني من مجاعة مثيرة للقلق بحسب مؤشر الجوع العالمي وقالت منظمات الأمم المتحدة أنها تخسر حربها ضد الجوع في اليمن.

لا تملك الحكومة الشرعية التي مازالت تسيطر على قرارها قوى اليمين المتمثلة بالتجمع اليمني للإصلاح؛ حلولًا اقتصادية حقيقية لتخفيف المجاعة ومحاصرة انتشار الفقر بين المجتمع وممارسة دورها كمسئول رئيس، فيما تتوجّه اهتمامات الحوثيين نحو دعم جبهاتهم الحربية وتمويل معاركهم والاستفادة من أي إيرادات لضمان بقائهم فترة أطول وتحسين وضعهم المالي بشكل شخصي والسيطرة على الاقتصاد المحلي واسكات أي أصوات تنادي بتحسين الوضع واتهامها بكونها عميلة ومرتهنة للخارج.

وعلى الرغم من أن “تهامة” التي تُعرف بسلة غذاء اليمن نظرًا لما تملكه من أراضٍ شاسعة يمكن أن تُكفي اليمن بل وتُصدّر للخارج حيث يقول المثل الشعبي: “إذا زرعت تهامة شبع الناس إلى يوم القيامة” إلّا أنها واحدة من أبرز قصص المآسي في اليمن، حيث هجمت المجاعة عليها وانتشرت صور لأولئك الأطفال شديدو النحافة الذين يعانون من سوء تغذية حاد، لم تكن هذه التغذية السيئة من نصيب تهامة فحسب لكنها تواجدت في مناطق أخرى كثيرة حتى انتشرت مقاطع لأناس لا يجدون ما يأكلون سوى أوراق الشجر لاسيما في المناطق التي تحد تهامة وصعده.

ولطالما كانت تهامة الساحلية محط طمع لدى القوى التي تسكن في الجبل أو ما يُطلق عليها «الجبالية»، عملت هذه القوى على اضعافهم واقصائهم وتهميشهم، بعد أن سيطروا على أراضيهم واستفادوا من المحصول المتنوع وقاموا بتصديره للخارج قبل الداخل وتمتعوا بالموارد لصالحهم، فيما استفادوا من ثروتها الحيوانية والسمكية بذات الطريقة، أصبح المجتمع المحلي مجرد عاملين بالأجر اليومي، سواء أكانوا يعملون لصالح أنفسهم أو لصالح تُجار آخرين.

يعتمد الكثير من أبناء تهامة على العمل في الدراجات النارية التي تُستخدم هناك كوسيلة مواصلات رئيسة، فيما اعتمدوا على قوارب الصيد والزراعة وكلها بحاجة إلى وقود، ومع انعدام الوقود وارتفاع سعره الرسمي وتوفره في السوق السوداء بأضعاف السعر، فقد توقّف أبناء تهامة عن العمل وأصبحوا عاطلين.

ومنذ احتجاجات 2011 اضطربت المشتقات النفطية وارتفعت أسعارها، أدت هذه الاضطرابات إلى عرقلة المزارعين وتكبيد الكثير منهم لخسائر مالية متراكمة أثرت عليهم ماليا، فيما تعرّض العاملين في مجال الصيد والدراجات النارية إلى توقّف أعمالهم وبالتالي دخلهم اليومي، أُنهك أبناء تهامة من هذه التعقيدات ثم انهكوا أكثر بعد أن احتضنت منطقتهم الهاربين من الحرب الأهلية في تعز ومعركة التحرير في عدن أثناء ما كانت الحديدة منطقة آمنة قبل معركة الساحل الغربي، هذا الاحتضان أدى إلى نفاذ محصولهم الغذائي في المحافظة وارتفاع سعره نظرا لغزارة الطلب عليه.

 


الحرب بالجغرافيا:

الحرب في اليمن كان لها تبعات مجتمعية عانى ويعاني منها الكثير، نصب الحوثيون نقاط تفتيش دقيقة على مداخل المحافظات وخارجها، وبالمثل فعلت الأطراف الأخرى والمليشيا المنخرطة ضمن المقاومة الشعبية، وتم اعتقال الكثير من المسافرين بسبب ألقابهم الأخيرة في الوثائق الشخصية أو بسبب مكان اصدار الهوية أو المواليد. كما تم منع عوائل من الدخول إلى عدن أو منعها من ترك الحديدة والبقاء فيها رغم الحرب المشتعلة مؤخرًا.

أصبح الحديث عن التنقّل الداخلي بمثابة مُعاناة شديدة، حيث ثمة صعوبة لنقل المرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج وقد يضطرّون لقطع مسافة قد تزيد عن 600 كليو متر ويخضعون لكل عمليات التفتيش ومزاجية القائمين على النقاط، وسواء المرضى أو الطلاب الدارسين في الخارج أو من يريد الخروج من اليمن لأي غرض، عليه أن يدفع مبالغ كبيرة كرسوم تنقل داخلي وخارجي أو كرسوم للحصول على جواز سفر صادر من أماكن تُسيطر عليها الحكومة الشرعية، كما عملت هذه الحرب على حرمان أرباب أُسر من رواتبهم وأصبحوا عاجزين عن توفير ايجارات المنازل ورغيف الخبز وماء الشرب

 


الحرب بالتعليم:

لم يكن التعليم في اليمن بمنأى عن الصراع، ولكن تم اقحامه في المعركة، فغدت المدارس ثكنات عسكرية ومراكز للتدريبات القتالية ومخازن للأسلحة وسجون خاصة استخدمتها قوى تنتمي إلى حزب الإصلاح بكونها تُحارب تحت لواء “الشرعية اليمنية”، فيما تعرَضت عدد من المدارس للقصف وقذائف الهاون من قبل الأطراف المُتعدّدة.

ومنذ القدم، كانت وزارة التربية والتعليم واحدة من المؤسسات المُتصارع عليها والتي سيطر عليها فعليًا حزب التجمع اليمني للإصلاح، وما أن انقلب الحوثيين على الدولة اهتموا بذات الوزارة وقاموا بتعيين يحيى بدر الدين الحوثي وزيرًا للتربية والتعليم وهو شقيق قائد الحركة عبدالملك الحوثي.

كما تورّط الاصلاحيون باستقطاب الطلاب من المدارس وتحويلهم إلى مجندين في صفوفهم، فقد عمل الحوثيون على ذات النهج وعملوا على تحفيز الطلاب من أجل المشاركة في جبهات القتال. كان المدرسين في السابق يقصّون على الطلاب قصص من المعارك الإسلامية القديمة/الفتوحات، لكن الذي تغيّر الآن أن المدرسين يقصّون قصص أبطال الجبهات والأمجاد التي يقومون بتحقيقها.

قبل اسقاط صنعاء، قام الحوثيون بطباعة منهج مدرسي للمدارس الصيفية، وتم تدريسه في المساجد التي تتبع توجّههم الفكري، ففي كتاب الرياضيات يتم تدريس الطالب عمليات حسابية تُعزز لديه سلوك عنف، يقول أحد الأسئلة: “إشترى يحيى بندقية بمبلغ 120 ألف ريال، واشترى مالك رصاصاً بمبلغ 26700 ريال، أما عمار فقد اشترى له والده حزاماً من الرصاص بمبلغ 8750 ريال، أكتب بالأرقام ما اشترى كل واحد منهم” وآخر يطلب حساب “عملية استشهادية” نفذها أحد المجاهدين واستهدفت عدداً من الصهاينة. أما في المادة الإسلامية فإن درس تعليم الوضوء ودرس تعليم الصلاة فقد وردت الحركات المُختلفة على هيئة صور حية لطفل تم تصويره يؤدي الحركات، ومن كتفه يتدلى السلاح، لا يتخلى عنه سوى عند الصلاة، وفي كتاب القراءة فإنه يطلب من الدارسين قراءة الجملة المُقابلة وإعادة كتابتها، وترد في الجملة “شعار الحركة”.

تزامن ذلك مع تهيئة مدرسين ينتمون لذات الفكر ويسكنون أو يعملون في مناطق بعيدة من سيطرتهم العسكرية، وخصوصاً أبناء العائلات التي كانت تعمل ضمن “خدمة الإمامة”، تم تدرسيهم وتهيئتهم في صعدة، ثم قاموا بفرضهم كمدراء مدراس في المحافظات التي أصبحت تحت سيطرة الجماعة، وتم إقصاء المدرسين التابعين لحزب الاصلاح وفي نفس الوقت تم إرسال مدرسين إلى صعدة من أجل أن يخضعوا لدورة تثقيفية ودراسة أخلاق المسيرة القرآنية قبل أن تتم إعادتهم إلى مدارسهم في بداية العام الدراسي الجديد.

وكانت وزارة التربية والتعليم في حكومة صنعاء قد أصدرت تعميماً يُلغي تدريس كتاب “نهج القراءة المبكرة – قرأ وأتعلم”، وهو الكتاب الذي يُساعد الطلاب في تخطي مسألة عدم القدرة على القراءة، كانت الجماعة قد قالت إن الكتاب أمريكي لأنه ممول من “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، ثم رفضت تدريسه، لكن معلمين ظلّوا يُدرسوّنه للطلاب ما أدى إلى تهديهم وإحراق المخزون من الكتب.

كتاب التربية الإسلامية، ناله الإلغاء أيضاً. الدكتور عبد الله لملس، وزير التربية والتعليم في الحكومة الشرعية، قال إن وزير التربية والتعليم في حكومة صنعاء وجّه بسحب كتب التربية الإسلامية من المدارس، وكذلك إيقاف طباعتها، ويُعد كتاب الإسلامية الذي تم سحبه أحد الكُتب التي تم نقلها من المعاهد العلمية إلى المدارس الحكومية عقب قرار إلغاء المعاهد التي كان يُسيطر عليها حزب الاصلاح.

يعمل الحوثيون على استقطاب الطلاب كمقاتلين في الجبهات المختلفة. في عمران قام مدير التربية بزيارة المدارس، وحرّض الطلاب على المشاركة في القتال، وتم تسجيل حالات تجنيد لطلاب أطفال ذهبوا للنشاط العسكري دون معرفة والديهم كما تم تسجيل حالات دُرّس فيها قصص بطولات المقاتلين في الجبهات وانتصاراتهم، الطلاب الذين شاركوا في الجبهات كانوا قد حصلوا على وعود باعتمادهم كخريجين من الكُلّية الحربية ومنحهم سلاح كلاشينكوف في حال قضوا معهم فترة التجنيد العسكرية (أسبوعان – علمًا أن فترة التجنيد العسكرية هي شهر ونصف)، وبعد استقطابهم تم إرسالهم إلى جبهات الحدود. عاد بعضهم إلى والديهم بعد صفقات مالية ووساطات مُختلفة، بينما عاد البعض الآخر ليُمارس مُهمة قص الحكايا وتحفيز أصدقائهم للانضمام إلى الجبهات.

في ذمار، قام مدير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة في مايو 2015 بإصدار تعميم رسمي، موجّه إلى مدير عام مديرية الحدا ومدير مكتب التربية والتعليم فيها، أخبرهما أنه يجب مُخاطبة مدراء المدراس التابعة لهم إدارياً، وإبلاغ الطلاب بضرورة ترديد الهتافات، كشعار “الموت لأمريكا”. في البدء، تحدث التعميم بلغة وطنية عما يحدث لليمن من “عدوان خارجي”، ثم قال: “هذا التدخل السافر على بلادنا يجعل الجهاد، والدفاع عن بلادنا، فرضاً واجباً على كل من يستطيع حمل السلاح، للدفاع عن كرامة وعزة هذه البلاد”. ثم جاء فيه: “يتم عمل تعميم لمدراء المدراس بتوحيد كل الإذاعات المدرسية والوقفات الطلابية حول لفظ ومواجهة دخول القوّات الأمريكية إلى اليمن، ورفع الطلاب لكل الشعارات والهتافات الوطنية المناهضة لأمريكا والمُعمّقة لروح الولاء والوطنية لدى الطلاب، وكذلك الهتافات المُناهضة لأمريكا، وعدم السماح بتسييس هذه الشعارات أو جعلها خاصة بفئة مُعينة، فمن الواجب على كل إنسان يمني أن يصرخ أمام أمريكا وعدوانها، واحتلالها لبلدنا، ونهب ثرواتنا ومقدراتنا”، ثم ضرورة قراءة هذا البيان في كل الإذاعات المدرسية والوقفات الطلابية.

وفي ذات المديرية شهدت إحدى مدارسها مقتل طالب في حوش المدرسة، مشعل محمد صالح (12 عاماً)، على أيدي أحد الحوثيين حين فتح السلاح وأطلق النار بشكل عشوائي على الطلاب، كانوا قد دخلوا المدرسة بالقوّة وفرضوا عليها الاحتفال بالمولد النبوي، وافقت إدارة المدرسة على ذلك ولكن عند اختتام الحفل طلب أحد الحوثيين من الطلاب ترديد الصرخة، وحين رفض الطلاب ترديدها أطلق عدد منهم وابلاً من الرصاص باتجاه الطلاب، فقتلوا طالباً وأصيب آخرون.

يعمد الحوثيون على ترسيخ شعارهم في طابور الصباح والوقفات الطلابية المُختلفة، عمران كانت أولى المحافظات التي تشهد عملية ترديد الصرخة في طابور الصباح بدلاً من ترديد شعار “الله، الوطن، الثورة، تحيا الجمهورية اليمنية”، والتي أنتجت ردود فعل عكسية من الطلاب الذين ألقوا أحذيتهم في وجه مدير التربية، كما حدث ذلك في صنعاء وذمار.

في الحديدة كان الحوثيون قد أطلقوا “الحملة الوطنية: معلّمون وطلّاب في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي”، تم تدشين الحملة بحضور رسمي لافت على مسرح مدرسة خولة بنت الأزور بمديرية الحوك بمدينة الحديدة. إنطلقت الحملة بخطة سير اعتمدتها الإدارة التعليمية والنشاط المدرسي، وكلّفت أشخاصاً بالجلوس مع مدراء المدارس وإبلاغهم بتنظيم فعاليات تستهدف طلاب المدارس. تم تنفيذ الفعاليات المختلفة؛ وقفات احتجاجية يُصاحبها برنامج إذاعي وعمل مسرحي وأعمال أخرى، كلها تتحدث عن “العدوان السعودي”، وتعمل هذه الفعاليات على التغيير الفكري وبرمجة الطلاب، وخاصة الأطفال. وخلال الفعاليات يتم عرض أنشطة الطلاب، لكن الأنشطة لم تعُد تهتم برسم “الجدول الدوري الحديث” أو “نظرية الانفجار العظيم”، لكنها تهتم برسم الدماء وكتابة الكلمات والشعارات المُتعددة مثل: “معاً ضد العدوان، صامدون رغم القتل والحصار”.

وفي المناطق الخاضعة للقوّات التي تُحارب تحت لواء الحكومة الشرعية، ليس الأمر أكثر تعقيداً فقد أقدمت الجماعات المُسلحة على تحويل المدارس إلى سجون وأماكن تدريب ومراكز للعمليات العسكرية وأماكن للتعبئة المُتطرّفة، ناهيك عن إغلاق مدارس بدون أي مُبرّرات وحرمان الطلاب من حقهم في التعليم كما أنها وبصورة غريبة اقتحمت عدد من أماكن التعليم ومنعت الطلاب من الاختلاط.

 

 

الحرب بالإعلام.. ضبابية المشهد:

في اليمن -بشكل عام- يكاد العمل الاستقصائي الإعلامي يغيب، وقلّما يوجد عمل إعلامي منظّم يواكب تطورات الحرب في كافة الميادين ويقوم باحصاء الخسائر البشرية والبنية التحتية، إضافة إلى عدم وجود صحفيين يمنين يعملون على أخذ المعلومة بشكل مباشر من الميدان مما يعمل على تدنّي المهنية والحياد في نقل الحقائق للرأي العام والتي قد تشّكل فارقًا كبيرًا في حرب اليمن لدى المتابعين الدوليين.

كانت أطراف الحرب حريصة على استقطاب الإعلاميين لصفوفها، عملت الحكومة الشرعية على نقل عدد من الإعلاميين إلى الخارج ليقوموا بمهمة الحرب الإعلامية ضد الحوثيين، فيما أعلن قائد حركة الحوثيين عن “الجبهة الإعلامية” وبناء عليه تم تأسيس عدد من مواقع الأخبار وتنظيم عدد من الفعاليات تندرج ضمن فعاليات الجبهة الإعلامية.

كان الحوثيون قد استولوا على المؤسسات الإعلامية ومنحوا أتباعهم كل الصلاحيات لإدارتها، فيما أغلقوا أو حرّضوا بشكل مباشر على عدد من الصحف ومواقع الأخبار التي لا تُعبّر عن الحركة، فيما تورّطوا باعتقال صحفيين ووضعهم في أماكن عسكرية يتوقع استهدافها من قبل مقاتلات التحالف العربي، وتم مضايقة الصحفيين الأجانب والعاملين في المنظمات المحلية والدولية في مهمة تبدو وأنها “التحكّم بمصدر المعلومة ونوعها”.

في ظل هذا التحكّم بمصدر المعلومة، تبقى المعلومة مُظلّلة، ويبقى المشهد ضبابيًا في جميع الأحوال، وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى نشر أخبار مغلوطة يتم نقضها من طرفي الحرب وتؤدي إلى عدم مصداقة لدى المتابعين الدوليين والمهتمتين بالحرب اليمنية.

التعليقات مغلقة.