الحرية الدينية في السودان.. الحل في بناء الإنسان

السودان: محمد أحمد جميل

تعزيز الحريات الدينية في السودان.. الحل في بناء الإنسان

 

مجموعة من القوانين الجديدة الخاصة بتعزيز الحرية الدينية في السودان تساهم في خروجه من قائمة الدول “المنتهكة للحريات الدينية” في عام 2019، والقائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب في العام 2020. هذه القوانين شكلت بداية جديدة للحريات الدينية في البلد الذي عانى من صراعات وحروب عدة كان ظاهرها دينيا وباطنها سياسيا، أودت بحياة الكثير من السودانيين من مختلف الطوائف والعراق. وجرى تصنيف السودان كدولة ترتكب “الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية” أو تتسامح معها منذ العام 1999، وفقًا لقانون “الحرية الدينية الدولية” الأميركي الصادر عام 1998.

الحرية الدينية في السودان: سودانيون في قلب الثورة – الصورة: middle east online

 


بعد سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، قامت السلطات المدنية الجديدة بمجموعة إجراءات ساهمت في تعزيز التنوع ومناخ الحريات الدينية، أبرزها: تضمين الإعلان الدستوري المّوقع في آب /أغسطس 2019، أحكاماً عدة تحمي الحق في حرية المعتقد الديني والعبادة “وفقًا لمتطلبات القانون والنظام العام”.

كما اتخذت مجموعة من القرارات مثل إلغاء مادة القانون التي جعلت “الردة” جريمة تخضع لعقوبة الإعدام، وإلغاء القوانين التي يمكن للسلطات بموجبها اعتقال الأفراد لارتداء ملابس غير محتشمة وغيرها من الأسباب التي تعتبر ضارة بالشرف والسمعة والأخلاق العامة إضافة إلى إلغاء جميع اللجان الكنسية التي كانت قد فُرضت في عهد حكومة البشير.

خلال هذا الحراك الحكومي، بدا أن هناك أسئلة عدة ما تزال مطروحة، أبرزها: هل ساهمت هذه القرارات في التأثير ايجابيا على المجموعات الدينية الصغيرة؟ ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لتعزيز التنوع الديني؟ وهل يملك السودان المقومات التي تجعله نموذجا للتنوع الديني؟


 

ممارسات تمييزية

تميز السودان بحكم موقعه الجغرافي “الأفريقي-العربي” بكونه بلداً متعدد الأعراق واللغات والديانات والنشاطات الاقتصادية.. بالتالي فإن ثقافته مركبة أي أنها ثقافة هجينية ذات سمات وملامح أفريقية وأخرى عربية إسلامية ومسيحية.

ورغم التنوع الديني، إلا أن السودان شهد العديد من الحروب والصراعات العرقية والدينية.. أبرزها الصراع في إقليم دارفور وفي جنوب السودان. وهناك عدد من الشكاوى للأقليات المسيحية ضد تصرفات السلطات السودانية تجاهها، أبرزها إصدار حكومة ولاية الخرطوم قراراً بإزالة 27 كنيسة عام 2018 في مناطق متفرقة من العاصمة بذريعة المخالفات في بنائها.

وقد عمدت بالفعل إلى إزالة عدد من الكنائس، وهو ما أدى إلى انتقادات داخلية ودولية. ردّت الخرطوم بأنّ الخطوة لم تقتصر على الكنائس، بل طالت عمليات الإزالة مساجد وخلايا ومدارس مخالفة أيضاً.

 في السياق، ‏يقول الأب فيلو ثاوس فرج كاهن الكنيسة القبطية وأول رئيس لحوار الأديان في العام 1992 إن “المواطن السوداني بطبعه يحب التعايش، والحكومة الجديدة تحاول الفصل بين الدين والدولة، وهذا شيء إيجابي، مقارنة مع النظام السابق”. 

ويلفت الأب فرج إلى أن ممارسات هدم الكنائس خلال الحقبة السابقة.. يقع فيها اللوم على شرف الدين بانقا وزير التخطيط العمراني والبنية التحتية في حكومة الإنقاذ، وكانت الحجج واهية وترتبط بأن المناطق التي تتواجد فيها الكنائس بعيدة عن المدينة.

ويوضح أنه إلى الآن لم يتم التصديق على قرار بناء أي كنيسة جديدة، مع أن القرارات السابقة تم إلغاؤها. والدليل على ذلك ما أكده رأفت سمير، رئيس الطائفة الإنجيلية المشيخية في السودان خلال لقاء مع “بي بي سي”.. إذ تقدمت الكنيسة للجنة “إزالة التمكين” ولوزارة الإرشاد لرفع الضرر والظلم الواقع على الكنيسة الإنجيلية المشيخية.


 

الأقليات الأخرى تعاني!

لم تقتصر المعاناة على المسيحيين فحسب، إذ يؤكد المتحدث باسم الطائفة البهائية في السودان الدكتور حامد.. أنه على رغم وجود هذه الديانة في السودان منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. إلا أن نظام “الإنقاذ” برئاسة عمر البشير عمل على تهجير أتباعها، مستدلا بحادثة إغلاق المركز البهائي في الخرطوم عام 2014. وتم مصادرة المكان مع العلم أن المركز موجود منذ الستينات. وقد باءت محاولات استرداد المركز كلها بالفشل، وكانت الجهات التي أصدرت هذا القرار مجهولة.

في العام 2018، تم اعلام الطائفة البهائية بمصادرة المركز، بناء على فتوى من “مجمع الفقه الإسلامي” وقتها، بعد موافقة البشير.. مع العلم أن المركز كان يقدم خدمات منها عقود الزواج والأوراق الرسمية لأبناء الطائفة. 

ويضيف حامد “بعد سقوط نظام البشير، ذهبنا إلى لجنة “إزالة التمكين” لإسترداد المركز، لكن لم نتلق منهم رداً. ثم توجهنا إلى وزير الشؤون الدينية وفشلنا بمقابلته”.

ويوضح “تفاعلنا اليوم في المجتمع يعتمد على ممارسة شعائرنا في العلن، وهذا لا يمكن أن يتم دون وجود مركز ديني للطائفة، يعبر عن هويتنا كبهائيين”.


 

الحرية الدينية في السودان.. حلول ممكنة

 ‏في المقابل، يرى المخرج السينمائي إبراهيم شداد أن لدى الشخصية السودانية القدرة على التعايش مع كافة أطياف المجتمع.. وما حدث من مشكلة ثقافية خلال فترة حكم البشير من فرض الثقافة السياسية الإسلامية على المجتمع.. أنتج تعصبا ونزعةً طائفية مقيتة، إذ تسبب هذا السلوك بطرد المواطنين الأقباط واليهود، بالرغم من كونهم عامودا أساسيا في الاقتصاد”.

ويكمن الحل بالتعمق في الثقافة السودانية.. والتعرف على التراث بصورة كاملة.. والتعمق في بناء الانسان في الولايات والقبائل من أجل خلق هوية تعزز التنوع. وعلى الرغم من تعديل القوانين لتعزيز التنوع، يؤخر بعض الموظفين تنفيذ هذه القرارات. وفي هذه الحالة لا يمكن أن يقع اللوم على الحكومة.. حيث ينبغي على المواطنين مساعدتها من أجل النهوض بمجتمع معافى وسليم.

وهنا لا بد من التأكيد على دور الحكومات الجديدة في وضع اللبنة الأساسية لفكرة التسامح الديني.. وهذه المرحلة توجب على السودانيين العمل كجماعة لتأطير فكرة “التعايش الديني” ونشر الوعي بالحقوق المجتمعية والدينية وحرية المعتقد.

 


اقرأ أيضًا: حرب السودان، مخطط لاغتيال الحالة الثورية

التعليقات مغلقة.