“أوروبا تترقب شتاء قاسٍ بدون كهرباء” هذا عنوان إعلامي بارز تم تناقله عبر وسائل الإعلام بطرق مختلفة. هل كان استخدامه مناسبًا لأغراض توعوية بالاستهلاك الرشيد للطاقة، أم كان بدافع سلبي له أهدافه؟

لعل هذا الأمر يقودنا للتساؤل: هل يقتصر دول وسائل الإعلام فيما يتعلق بأمن الطاقة على النشر الإخباري وعرض وجهات النظر المختلفة، أم أن هناك أدوارًا يجب القيام بها؟
لعلنا ندرك الأهمية البالغة لدول منطقة الخليج العربي فيما يتعلق بأمن الطاقة، إنها أكبر منتج للطاقة الأحفورية عالميًا، وإليها تلتفت الأنظار الساعية لتأمين كفايتها من الطاقة، ومع ذلك تواجه صعوبات وتحديات متعددة، منها ما يتعلق بطريق التجارة البحري التي تحاول دول السيطرة عليه من أجل ممارسة ضغوط على دول مجلس التعاون الخليجي، أو تحديات سياسية تفاقمت مع الحرب الروسية على أوكرانيا والتي هددت دولًا بأمنها في مجال الطاقة، ولعل أبرز هذه التحديات ما يتعلق بانتشار المعلومات المضللة.
وبصفتي أعمل في حق الإعلام، أرى أن هناك مجالات تعاون عديدة يمكن لوسائل الإعلام القيام بها فيما يتعلق بأمن الطاقة، لعل أبرزها مواجهة الحملات المنظمة التي تستهدف تشويه سمعة وأنشطة قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي. فالمعلومات المضللة والمنافسة تلعب أدوارًا مهمة خلال سلسلة الهجمات التي تستهدف ناقلات النفط في طريقها البحري مثلا، حيث تساهم في تأجيج التوتر الإقليمي، ولا غرابة بعد ذلك أن يُحدد المنتدى الاقتصادي العالمي المعلومات المضللة كخطر متفاقم على الأمن الدولي.
ومن وجهة نظر قطاع الطاقة، تتوفر لدى المعلومات المضللة المنافسة إمكانية تشويه الأسعار والتوفر والقدرة على تحمل الكلفة وعرقلة إمكانية الوصول في الأسواق الإقليمية وأسواق الطاقة. ولعل الأسوأ من ذلك، يترتب على استخدام المعلومات المضللة تداعيات أمنية محتملة على قطاعات أساسية أخرى، لا سيما السياحة. وببساطة، كلما اعتمدت المجتمعات والبُنى التحتية الحيوية على شبكات التواصل الاجتماعي لأغراض العمل، تزداد إمكانية تعرضها لمخاطر المعلومات المضللة المنافسة.
ونتيجة لتواجد شبكات التواصل الاجتماعي، يُمكن لمصدر معلومات زائفة، يُسلط القادة الوطنيون أو المؤثرون في الإعلام الاجتماعي عليها الضوء، أن تنتشر بسرعة فائقة، وتتسبب بانهيار أسواق الطاقة خلال ثوان قليلة. ولعل ما هو أسوأ من ذلك يكمن في أنه، بمجرد أن يصدّق الناس تلك المعلومات، يُصبح من الصعب إزالتها أو مواجهتها بالحقائق. ومن هنا، فقد أصبحت المعلومات المضللة المنافسة سمّة تميز الاستراتيجيات الناعمة أو الهجينة والمُصممة للإضرار بالمصلحة الوطنية وأمن الدول والهيئات المعادية ونسف صدقيتها.
وبناء على ذلك، قد يتبادر سؤال بكيف يُمكن للدول التصرف حيال التأثيرات الأمنية المتصاعدة للمعلومات المضللة المنافسة؟
خلال الفترة الماضية، وضعت هذا التساؤل على عدد من الإعلاميين لاستطلاع رأيهم وقد خرجت بعدة وجهات نظر في هذا الصدد، أبرزها أن هناك حاجة لتبني استراتيجيات إعلامية تكون فاعلة لمواجهة انتشار المعلومات المضللة خلال المراحل الأولى من انتشارها، وتعزيز نشر المعلومات الصحيحة عبر أوسع القنوات على شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن هناك من يرى إنه لا يجب تحميل وسائل الإعلام أكبر من قدرتها، وعلى الرغم من أن دورها أحيانًا يأتي في سياق تغيير السياسات المختلفة، ومنها سياسات مواجهة الأنباء المضللة، إلا أنها بالمجمل تمارس دورًا إعلاميًا توعويًا يسهم باتجاه صناعة رأي عام مساند لقضية ما، وليست أدوات للصراع.
وهناك من يرى أنه يجب أن يتم اتخاذ خطوات عاجلة تتمثل في إنشاء فرق للاستجابة السريعة من أجل نشر المعلومات الصحيحة ذات الصلة بقطاع الطاقة المستهدف، وبصورة استباقية. ومن الضروري عدم الانتظار لحين حدوث الهجوم من أجل صياغة استراتيجية للاستجابة. ونظراً للكلفة والوقت اللذين يتطلبهما إطفاء حرائق شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه من الضروري إنشاء هيئات أو لجنات جاهزة لتزويد الجمهور العام بالمعرفة الضرورية للتصدي للمعلومات المضللة حول الصناعات والقطاعات الحيوية. ويجب أن تُزود هذه المؤسسات بالقدرة على توقع ومواجهة أنشطة المعلومات المضللة والاستجابة لها بمجرد ظهورها.
كما يتوجب عمل سياسات إعلامية لإدارة والحدّ من تأثير المعلومات المضللة المنافسة على العمليات والأنشطة المختلفة. ومع الأخذ بعين الاعتبار حجم وتعقيد والضرر المحتمل على سمعة الدول المستهدفة والمنتجة للطاقة، ومن الضروري تطوير أنظمة إدارة معلومات مترابطة وشاملة، قادرة على الحدّ من انتشار المعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي. ويُمكن لاستراتيجيات وخطط إدارة المخاطر الشاملة مساعدة شركة ما في تقليص تعرضها لهكذا حملات، وإدارة تداعيات المعلومات المضللة المنافسة.
من واجبنا خلق وعي جمعي بالقضايا الوطنية
إن الجهود الممارسة باتجاه أمن الطاقة ليست نخبوية فحسب بل أيضًا يجب أن يكون هناك جهود مجتمعية مساندة للخطط والسياسات المختلفة وتعمل وفق منهج الديمقراطية التشاركية لتساهم في صناعة قرار متخصص، هذا الدور الحيوي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام التي من مهامها ليس فقط خلق ثقافة ووعي جمعي لدى العامة في قضية ما، بل اقتراح الحلول لمعالجة الظواهر أو المشاكل المختلفة، وأحد أبرز هذه المشاكل التي بإمكان الإعلام التصدي لها هي المعلومات المضللة.
ودور وسائل الإعلام لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي قد يخلق فرصًا أكبر من المعتاد لمواجهة الحملات التي تستهدف أمن الطاقة، فأحد المشاهير الكويتيين تمكّن من جمع تبرعات بقيمة مليون دولار من خلال بث مباشر، ذهبت لمساعدة اللاجئين، بالتالي يمكن لآخرين أن يقوموا بدور مشابه يصب في مصلحة مواجهة المعلومات المضللة.
إن وسائل الإعلام تلعب دوراً رئيسياً في خلق وعي جمعي لدى العامة حول القضايا المختلفة، لاسيما إن كانت توجّه رسائل مكررة، يمكن من خلالها مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه طريق التجارة العالمي والذي يعاني من تهديدات بحرية أدت لازدياد رسوم تأمين السفن بأكثر من عشرة أضعاف، يمكن إنشاء إعلام أمني أو غرفة عمليات في مجال الطاقة، ذلك سيكون له دور بالغ الأهمية في المجتمع، وهو ركيزة أساسية في مواجه المعلومات المضللة، وهو ما يجعل الأمن مسؤولية تضامنية يسعى الإعلام إلى تحقيقه.
ولم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل المعلومات والأفكار، بل تحوّل ليسهم في تكوين شخصية الفرد وتوجهاته واهتماماته في الجوانب الحياة المختلفة، كما أصبح يسهم في إعادة التشكيل الثقافي ووعي الأفراد من خلال الأوعية الإعلامية المتنوعة والتقنيات المتطورة، التي فرضت سطوتها وأثبتت قدرتها على التأثير، لاسيما في الجوانب الفكرية.