مناهج اليمن الدراسية تبني نساء بلا شخصية

 

تقرير عن مناهج اليمن أصيل سارية


اتسمت العملية التعليمية في اليمن بالمدارس الدينية لفئات اجتماعية محددة أو بالتعليم غير النظامي الذي كان يطلق عليه الكتاتيب. كان هذا النظام يسعى لتزويد الطلاب بعلوم العقيدة والشريعة الإسلامية واللغة العربية. وفي شطري البلاد لم يكن هناك نظام تعليمي معتمد حتى ستينيات القرن الماضي بعد اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 التي أطاحت بحكم المملكة المتوكلية الهاشمية وأعلنت قيام الجمهورية العربية اليمنية، وتزامن معها استقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني عام 1963

 


 

 

صورة المرأة في مناهج اليمن الدراسية

 

 


 

عقب قيام الجمهورية، حكم اليمن الشمالي خليط من القبائل والقوى القومية والإخوان المسلمين، انعكست خلفياتهم الدينية على محتوى المناهج الدراسية.. لاسيما المواد الإسلامية والتاريخية والوطنية، وقد كان جناح الإخوان المسلمين في اليمن مهتمًا بوزارة التربية والتعليم.. حيث أسس معاهد علمية إلى جانب إشرافه على محتوى بالمواد الدينية.

كل هذه العوامل كانت بالتأكيد ليست في صالح المرأة، إذ مورس بحقها دور تنميطي سلبي، حيث اختزل نشاطها بتربية الأولاد.. والعناية بالمنزل، والتبعية للرجل.. ولم تشير المناهج الدراسية إلى الأدوار والمسؤوليات المجتمعية التي لعبتها وتلعبها المرأة.. بل قامت بتنشئة جيل من الذكور قاموا بالفعل بتهميش وتحجيم دور المرأة من كافة نواحي الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية.


مساهمة علماء الدين في تنميط صورة المرأة

ترى الحقوقية ليزا الحسني بأن علماء الدين ساهموا رسم صورة نمطية سلبية للمرأة.. لاسيما أنه كان لديهم صلاحيات في تضمين اجتهاداتهم في المناهج الدراسية. وقالت إن الدين الإسلامي لم يحصر المرأة في قالب “ربة البيت والعمل في المنزل فقط.. إذ: “لا يوجد في القرآن أو السنة النبوية ما يدعم الاجتهادات القاصرة عن دور المرأة، بل على العكس شاركت النساء مع الرسول في بناء المجتمع الإسلامي وبناء الدولة التي أسسها النبي محمد منذ انطلاق الدعوة”.

وأشارت إلى أن تضمين صورة نمطية سلبية بحق المرأة في مناهج الدراسة جعلت المرأة فقط تخدم الآخرين، مشيرة إلى أن هذا توجّه خطير يتم غرسه في عقول صغارنا ليكون الناتج جيلا غير واع، يرى أن هناك أدوارا محددة للمرأة.


يشير الباحث في مجال التعليم مالك سعيد إلى أن المناهج الدراسية تصمم وتكتب بناء على هوية المجتمع ودينه ومبادئه وتطلعاته، والتحدي في هذه الحالة دائما يأتي من سببين، الأول وهو وجود قوة أو سلطة حاكمة أو مؤثرة لها هوية أو أيديولوجيا تختلف عن أيديولوجية الشعب، وهذا ما حدث للمناهج حاليًا في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله “الحوثيين”.

أما السبب الآخر فيكمن في التحيز في اختيار المواضيع، وهو عند قيام السلطة باختيار مواضيع دينية أو ثقافية تبني عليها أفكارها وتقوم بحذف مواضيع أخرى.

ويضيف سعيد أن المناهج ماهي إلا عملية بناء اجتماعي، وقد أثرت عقلية المجتمع في تقديم المرأة بشكل فاعل، وهو ما أثر على قدرة المرأة في اتخاذ القرارات المختلفة، فالمرأة مثلًا ترى نفسها في دروس الزكاة بأنها لا تستحق ما يستحقه الذكر، وفي دروس اللغة العربية هي فقط محبوبة أو أم أو أخت ولم تكن المحور الرئيسي في كثير من الدروس، فيما تعزز المناهج أحقية الرجل أن يتزوج أربع نساء دون إبداء أي اعتراض من المرأة، وهكذا رأت المرأة نفسها بدون شخصية وتأقلمت معها.

هذا التأثير على شخصية المرأة طال أيضًا النساء في جنوب اليمن الذي بدوره تحرر من الاستعمار البريطاني عام 1967.


اختلاف المناهج بعد الوحدة

كان جنوب اليمن قد خضع لحكم الجبهة القومية ومن ثم الحزب الاشتراكي اليمني الذي أسس نظاماً ماركسياً علمانياً، وهو ما ساهم في وضع مناهج مختلفة تمامًا عما كان في شمال البلاد، وحتى قيام الوحدة اليمنية عام 1990، كانت المناهج التعليمية قد شكلت ثورة على الموروث الاجتماعي بحسب الموجه التربوي محمد عولقي.

يضيف عولقي إن المناهج دعمت بشكل خاص مجال تعليم الفتاة على كافة المستويات، كما أنه ربط تعليم الفتاة بحقها في المشاركة بالعمل، فحفظ مكانتها الاجتماعية كشريك فاعل في التنمية، ما أدى إلى رفد الساحة بأول قاضية، وأول طيارة، وأول مذيعة؛ لكن تلك المكاسب انهارت بعد قيام الوحدة اليمنية بحسب عولقي.

ظهر ذلك جليًا في الفرق الشاسع بين مستوى الأم والبنت، فالأم التي أتيحت لها فرصة التعليم قبل الوحدة مع اليمن مستواها أفضل من البنت التي درست مناهج الوحدة اليمنية والتي من المفترض أنها تطورت مع مواكبة العصر إلى الأفضل وليس العكس، حيث نجد الأم تتحدث أكثر من لغة، بينما البنت لم يتم الاهتمام بتأهيلها بالجوانب الحياتية والمهاراتية بقدر الاهتمام بتأهيلها في الجوانب الدينية.

القضاء على الصورة النمطية السلبية تجاه المرأة في المناهج التعليمية هو محور اهتمام دولي في سياق القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وكانت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” والتي تعد المعايير الدولية لحقوق المرأة، قد أشارت في الفقرة من المادة 10 على (القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم”.


مناهج اليمن الدراسة ملغومة

لكن وبحسب الصحفي والحقوقي عبدالرزاق العزعزي فإن اليمن التي وقّعت وصدّقت على الاتفاقية تقاعست في تنفيذ التزاماتها. يقول: “نجد أن المناهج اليمنية ملغمة بتكريس صورة نمطية سلبية تجاه المرأة واختزال أدوارها بشكل تقليدي”.

ويؤكد إن مادة الثقافة الإسلامية التي يقوم طلاب التعليم العالي بدراستها، تقوم بتقييد المرأة، وتحجيم نشاطها. كما يؤكد إنها تختزل مهمتها في صورة سلبية تكرس مفهوم التبعية للرجل، والالتزام التام بتوجيهاته، وتنفيذ كل أوامره.. وترى -بحسب العزعزي- إن أي نشاط للمرأة خارج هذا السياق ما هو إلا استجابة لما تصفه (بالنظام الغربي ودعوة المستشرقين).. وهو ما تقول إنه (يحاول إخراج المرأة من دورها الرئيسي تجاه أبنائها وزوجها وبيتها).. وتعتقد إن هذا يتعارض مع المنظور الديني لدور المرأة.


توصيات للقضاء على التنميط السلبي للمرأة

يرى العزعزي إلى إن أعمال بنود الاتفاقية، خاصة الفقرة “ج” المادة 10 هو ما يجب إنفاذه في الوقت الراهن. ويؤكد: “وليس المزيد من تنميط صورة المرأة”.

فيما يرى مالك سعيد إن الحلول المتاحة متواجدة خارج نطاق المدرسة. مشيرًا إلى وجوب أن يبدأ الفاعلين بتغيير السلوك المجتمعي ومعتقداته وهو ما يعدّه اندفاعه تؤدي إلى تعزيز دور المرأة.

يضيف سعيد: “نظرا للظروف الحالية فإن ما نستطيع فعله هو أن نستهدف المدرس والمدرسة قبل الكتاب.. لأننا نستطيع الوصول والتغيير فيهم بسهولة أكثر من الكتاب”.

التعليقات مغلقة.