موصيًا باللا انقسام.. هكذا يموت الرجال

رفض عرض من الجنرال علي محسن حتى لا يكون أداة يتم تسخيرها للانتقام من الآخرين

في يناير 2015، غادرتنا روح طاهرة بعد أن صارعت المرض طويلًا، صارعته وحيدة، منتقلة بين مستشفيات صنعاء والقاهرة، كانت قد سكنت في جسد “محمد غالب غزوان” أحد الرجال الذين عملوا في السلك الصحفي كرئيس تحرير صحيفة التيار الوحدوي، وواحد من الناس الذين مارسوا العمل السياسي كرئيس اللجنة القيادية لتيار فتاح – أحد تجنحات الحزب الاشتراكي اليمني.

ولد في “عدن” حي “نجوى مكاوي” وهو من أصل حضرمي، ولقد جمع في صفاته بين كرم الحضارم وجمال روح عدن

غزوان عاش حياته مناضلًا، وبسبب ذلك، زُج به في زنزانة السجن المركزي بصنعاء لسبع سنوات بعد تهمة كاذبة، حُبكت من أيادٍ ملطخة بالجرم، فقد اعتقله جهاز الأمن السياسي في مطار صنعاء وهو عائد إلى أرض الوطن من رحلة خارجية.

أحيل إلى القضاء وأستقر حكم القضاء في الاستئناف بأن يدفع مبلغ “مليون وستمائة ألف ريال يمني” بعد أن قضى الحكم الابتدائي ببراءته ولم يصدر في حقه أمرًا بالسجن حتى ساعة واحدة، لكنه ظل مسجونًا لسبع سنوات.

رفض عرض من الجنرال علي محسن حتى لا يكون أداة يتم تسخيرها للانتقام من الآخرين

بعد خروجه من المعتقل، وكنوع من محاولة استئجار رخيصة، استدعاه الجنرال علي محسن الأحمر وعرض عليه أن يفتح له صحيفة لتكون إحدى الأبواق المعارضة للنظام، لكنه رفض ذلك، وقال إذا كنتم تريديون فتح صحيفة لي فافعلوا، لكن لا تتدخلوا في المحتوى.

سبع سنوات في السجن لم تقم بتجييش مشاعره لمعاداة نظام بلد حرمه سبع سنوات من عمره دون أي وجه حق

أجبّر الكثير، ليس على احترامه فحسب، ولكن على مودته أيضًا. فعلى الرغم من محدودية دخله المادي، إلا أنه لم يكن أبدًا يتخلى عن الآخرين، لاسيما الطلاب، فقد استضاف لديه عددًا من الطلاب وقاسمهم ما لديه من نقود.

أمر مثير بالمناسبة أن تجد شخصا بهذه الصفات، أن يقاسمك ما لديه، ويخبرك عن قصصه الصحفية ليمنحك خبرة ميدانية من شخص عاش نضالًا طويلًا في الوسطين الصحفي والسياسي.

كان يعمل حينها في صحيفة الوسط عندما التقيته لأول مرة، جسده النحيل يمنحه الطاقة للتحرك الميداني واستقصاء معلومات كان يُراهن عليها.

..المحرر

أُمّي اليمن.. لا للتجزئة والأقلمة.. أُمّي اليمن وليخسأ أصحاب المهمات القذرة

محمد غزوان الكلمات الأخيرة

 

بيته كان مليء بالأشجار، هو مقر مؤسسة “إراف” على كل حال التي أسسها في خضم ثورة 2011 بمعية المحامي علي حزام، استمرارًا لنضاله من أجل الحقوق والحريات ولكن هذه المرة عن طريق العمل المدني.

تم تأسيس المؤسسة بهدف دعم الأجندة العالمية لحقوق الإنسان ورفد المجتمع بدراسات مجتمعية كان يعمل عليها أثناء عمله الصحفي الاستقصائي.

في هذا المكان، احتضن الطلبة وأعانهم وشجعهم على استكمال دراستهم الجامعية وعلى العمل بمهنية والنضال من أجل وحدة الوطن وسلامته.

لا يُمكن لأحد أن يُنكر وطنيته وحبه لتراب الوطن من شماله إلى جنوبه، لكنه لم يكن أبدًا متعصبًا مع الجنوب، بل مع اليمن ضد قوى الفساد القبلية والبدوية، نضاله من أجل وحدة اليمن كان يجعله حزينًا لما يحدث من مطالبات لفك ارتباط جنوب البلاد عن شماله، يقول: “شوية مراهقين يريدوا يدمروا نضالنا الطويل من أجل الوحدة”.

 

قبل الرحيل..

قبل مغادرة روحه المحبة لتراب البلد ووحدته، كان يجلس بجواره أحد الطلاب الذين استضافهم لديه، هو بالمناسبة من أبناء الضالع، التفت إليه وأخبره بأن الموت أهون عليه من رؤيته لليمن وهي تتمزق، موصيًا بالوحدة واللا انقسام، ثم انطفئ ضوءه، وغادرت روحه من جسده المُتعب، ليُصيبنا بالألم والحسرة برحيله.

الوداع محمد غزوان

التعليقات مغلقة.