نساء يتحدين الواقع

 

مع تداعيات تطبيق المملكة العربية السعودية قرار رسوم المقابل المالي على العمالة المهاجرة منذ بداية عام 2018م والذي يبدأ من 200 إلى 300 ريال سعودي شهرياً بحسب الأعداد الوافدة مقابل العمالة الوطنية مع زيادة سنوية تصل إلى 200 ريال سعودي على كل عامل مهاجر، بالإضافة إلى رسوم ما يسمى بمرافقي المقيم؛ اضطر العديد من العمال المهاجرين العودة مع عائلاتهم إلى بلدانهم مهما كان حالها ليبدؤوا حياة جديدة لا تثقلهم فيها الغرامات والرسوم المالية.

بحسب الأرقام التي أوردتها الهيئة العامة للإحصاء السعودي بين الربع الرابع من العام 2017م أي قبل تطبيق قرار الرسوم والربع الثالث من العام 2019م فقد انخفض عدد العمالة بإجمالي 590.199 عامل وافد من الجنسين.

وصل عدد العمالة اليمنية العائدة منها بحسب المنظمة الدولية للهجرة في اليمن عام 2019م حوالي 50.065 يمني، هذا الرقم يعني عودة آلاف الأسر اليمنية لبلد غير مستقر يعاني ويلات حرب بدأت في مارس 2015م ولم تنتهي حتى اللحظة.

وعلى الرغم من مشاركة المملكة في هذه الحرب المأساوية بقيادتها لما يسمى بالتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إلا أنها لم تستثني العمالة اليمنية من الرسوم التي فرضتها على الوافدين لديها بل عاملتهم كغيرهم من العمالة المهاجرة، مما اجبرهم على الرحيل إلى مصير مجهول في بلد وصلت نسبة الفقر فيه ما بين 71% و78% وفقدان أكثر من 40% من الأسر اليمنية مصدر دخلها الأساسي بحسب مجموعة البنك الدولي.

 

تجارب نسائية عائدة

مع هذا الكم السوداوي من المؤشرات الدولية عن الأوضاع الاقتصادية والانسانية في اليمن، إلا أن العديد من الأسر العائدة حاولت التكيف مع محيطها الجديد

بدأت هذه الأسر حياتها بمشاريع صغيرة وبرأس مال جمعته من سنوات غربتها، ومن ضمن العائدين ثلاث سيدات اضطررن العودة مع عائلاتهن إلى مدينة عدن جنوبي اليمن والبدء بمشاريع خاصة بهن لمساعدة أزواجهن في الحياة ولتحقيق ما لم يستطعن تحقيقه في الغربة.


عبير عزعزي (37سنة) أم لثلاثة أطفال، وزينب فاروق (35سنة) أم لخمسة أطفال، إضافة إلى رانيا محمد (35سنة) أم لطفلين، فتيات عائدات من المملكة العربية السعودية إلى اليمن وأنشأن مشاريع صغيرة في عدن

عبير عزعزي (37سنة) وأم لثلاثة أطفال عادت مع أسرتها إلى مدينة عدن بسبب “التضييق على العمالة الأجنبية في المملكة بالإضافة إلى زيادة الرسوم المطلوبة منا للإقامة هناك”، وقبل عودتها من مدينة الرياض بدأت مع صديقتها فاتن الدوسري (37 سنة) التخطيط لمشروع صغير يتمثل بالتنسيق للمناسبات والأفراح، اخترن هذا المشروع كما تقول عبير “لشغفهن في أمور التنسيق ولأن له اقبال في السوق المحلية” وتضيف عبير “انطلق المشروع برأس مال بسيط وبدأنا من المنزل مستفيدين من منصات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس أب والانستجرام للتعريف والترويج لمشروعنا، وللوصول لأكبر عدد ممكن من العملاء في مدينة عدن والمدن القريبة منها”.

أما زينب فاروق (35سنة) أم لخمسة أطفال فتعمل بعد عودتها مع زوجها من مدينة جدة خبيرة تجميل أو ما يسمى حالياً (ميك أب ارتست) في مدينة عدن، تقول زينب “كنت أعمل في إحدى الصالونات كميك أب ارتست، ولكن بسبب قرار الرسوم المفروضة وعدم وجود كفيل جديد لزوجي، اضطررنا العودة رغم ظروف الحرب”.


بسبب الأحوال السيئة في البلد وعدم وجود وظائف حكومية وندرة الخاصة منها، قررت أن أساعد زوجي في المعيشة وبدأت بمالي الخاص مشروع ميك ارتست متنقل، حيث أذهب بعدتي إلى بيوت العرائس أو المدعوات لتزيينهم للأفراح ..زينب فاروق

وتشارك رانيا محمد (35سنة) أم لطفلين مواطناتها بأسباب العودة إلى مدينة عدن، ولكنها تختلف بنوعية مشروعها الطبي، فرانيا خريجة كلية الصيدلة جامعة عدن غادرت بعد تخرجها مع زوجها إلى مدينة الرياض ولم تمارس مهنتها هنالك إلى أن عادت إلى مدينتها تقول رانيا “جاءت فكرة مشروع فتح صيدلية بعد فرض القوانين الخاصة بالعمالة الوافدة، بدأت المشروع بمالي الخاص مع شريك آخر لأمارس بذلك تخصصي الذي درسته، وأوفر لنفسي وعائلتي مصدر دخل كافي”.

 

تحديات تواجه مشاريعهن

ومع تنوع واختلاف نماذج المشاريع الثلاثة السابقة إلا أن أصحابها يشتركون جميعا بنفس التحديات التي تواجه مشاريعهن الصغيرة، ومن أهمها عدم استقرار سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي والذي وصل فيه الدولار الواحد إلى 645 ريال يمني وفق آخر تحديث للعملة، مما يعني ارتفاع أسعار المواد الرئيسية لعملهن، أما إذا لجأن كما تشير عبير “إلى الشراء بسعر أقل من الخارج فإننا نصطدم بأسعار الشحن المرتفعة جدا”، وتأتي مشكلة الانطفاءات المتكررة للكهرباء من المشكلات التي تعرقل زينب “من اتمام العمل في موعده للزبائن” واضطرار الأخريات لتحمل تكاليف شراء الشاحن أو المولد الكهربائي وبالتالي شراء البنزين لتشغيله، مما يجبرهن على رفع الأسعار لتغطية التكاليف.


ضعف شبكتي الانترنت والاتصالات في اليمن يعرقل عملنا الذي يعتمد عليهما بكامل الاعتماد، فلو انقطعا ليوم واحد لا نستطيع انجاز أعمالنا وهذا يسبب لنا صدام مع العميل ..فاتن الدوسري

وتظل الثلاث النماذج السابقة وغيرهن من النساء اليمنيات العائدات بروح ايجابية وأمل في المشاركة والعيش بكرامة أمثلة يحتذى بها، فهن مثال حي للمواطن اليمني الذي لا يجد أمامه سوى تحدي الواقع المرير والمضي نحو الحياة في وطن وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنه “يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم”.

التعليقات مغلقة.