تعز وعطش السياسة: كيف ترك ترامب المدينة تغرق في الجفاف؟

أزمة المياه في تعز

تحليل خاص عن أزمة المياه في تعز: كيف ساهم توقف الدعم الدولي وقرارات إدارة ترامب في تعميق العطش في المدينة؟ أرقام، شهادات، وتحليل لأكبر كارثة إنسانية مائية في اليمن منذ 2015.


كتب: ريدان أمين


تحليل يتناول أزمة المياه في مدينة تعز من منظور اقتصادي–سياسي، يركّز على الآثار المترتبة على تراجع التمويل الدولي لمشاريع المياه، خاصة بعد قرارات إدارة ترامب عام 2025 التي أوقفت جزءًا كبيرًا من دعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). كما يفكك هذا التحليل العلاقة بين الانقطاع المفاجئ للمساعدات، وفشل الحكومة اليمنية في تقديم بدائل فعالة لضمان استمرار خدمات المياه.

يُقارن التقرير بين مراحل التمويل الدولي (منذ 2015 وحتى 2024)، والمرحلة التي تلت انسحاب عدد من الجهات المانحة، كاشفًا عن عجز الحكومة في ملء هذا الفراغ، واستغلال أطراف النزاع لانهيار الخدمات الأساسية.

كما يناقش الخطاب الرسمي الذي يستخدم “التغير المناخي” كتبرير غير مدعوم ببيانات، مقابل غياب أي رؤية جادة لإدارة الموارد أو إعادة تأهيل البنية التحتية.

أزمة المياه في تعز
أزمة المياه في تعز

سنوات من أزمة المياه في تعز

تدهورت البنية التحتية بشكل متسارع، وعجزت الجهات الحكومية والمحلية عن الاستجابة، وأجبر السكان على مواجهة العطش وحدهم.

منذ اندلاع الحرب في اليمن كانت محافظة تعز واحدة من أكثر المناطق تأثراً بالحرب والازمة الإنسانية. في مقدمتها أزمة المياه التي عمّقت معاناة السكان في ظل النزاع المستمر.

على مدار السنوات العشر الماضية، مرت المشاريع المائية في تعز بفصول متغيرة بين دعم دولي متزايد الى انكماش مفاجئ. الأمر الذي ترك المدينة وسكانها بمفردهم يواجهون العطش في ظل الفشل الحكومي المنعكس على كل نواحي الحياة في كل المناطق المحررة.


تدخلات دولية أنقذت الموقف مؤقتًا

يختلف العام 2025 عن العام 2015. فمنذ الأيام الأولى للحرب كان الوضع المائي في تعز على وشك الانهيار. تعود الأسباب إلى توقف الخدمات الحكومية وتعطل شبكات المياه التي تغذي مئات الآلاف. في تلك الفترة، تدخلت وكالات الإغاثة الدولية، وكان أبرزها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID”.

عام 2015 تم تخصيص ما يقارب 120 مليون دولار لدعم قطاع المياه والصرف الصحي في اليمن. منها نحو 40 مليون دولار خصصت لمحافظة تعز تحديداً لإعادة تشغيل محطات ضخ المياه.. وتأمين الإمدادات الأساسية لمئات الآلاف من السكان.

أما منظمة اليونيسف، فكانت تتابع عن كثب الوضع في تعز. خصصت خلال الفترة من 2015 إلى 2017 ما يزيد عن 35 مليون دولار لمشاريع المياه والصرف الصحي في المحافظة. وهو ما ساهم في تشغيل آبار وصيانة شبكات مائية بديلة لمواجهة الانهيار.

كان الدعم آنذاك بمثابة شريان الحياة الوحيد الذي يمد السكان بالماء، ويفك الحصار عن المناطق المحاصرة من نقص المياه. مثلاً كانت محطات المياه في تعز تضخ ما يقارب 1,200 متر مكعب يومياً. تغطي أكثر من نصف مليون نسمة. هذا الدعم المادي والفني شكل تحسناً ملموساً في وصول المياه، رغم استمرار الحرب والدمار.

لكن خلف هذا الدعم، كانت الجهات المسؤولة عن المياه في تعز تواجه تحديات هائلة لم تكن سهلة:

  • ضعف التمويل الحكومي بل انقطاعه التام عن المدينة.
  • النقص الحاد في الكادر الفني المؤهل الذي يجعل صيانة المحطات وتشغيلها أمراً معقداً.
  • انعدام الأمن في الكثير من المناطق أدى إلى تعطيل تنفيذ مشاريع الصيانة أو التوسعة، وهذا أثر بشكل مباشر على قدرة تلك الجهات في المحافظة على استمرارية الخدمة.

كما أن استمرار الانقسام السياسي داخل البلاد، ووجود أكثر من سلطة تدير مناطق مختلفة؛ أضعف من قدرة المؤسسات الرسمية في تعز على تأمين خدمة مياه مستقرة لسكانها.


تراجع التمويل بعد 2017: بداية الانهيار

منذ عام 2018، بدأت USAID بتقليص ميزانية مشاريع المياه، حيث خفّضت دعمها إلى 90 مليون دولار، منها 25 مليون فقط لتعز

بعد 2017، بدأت المؤشرات المالية تشير إلى تراجع تدريجي في تمويل هذه المشاريع الحيوية. بحلول 2018، خفضت USAID ميزانية مشاريع المياه في اليمن إلى حوالي 90 مليون دولار، منها نحو 25 مليون دولار فقط لتغطية احتياجات تعز، في ظل تصاعد التحديات اللوجستية والأمنية.

اليونيسف في ذات الوقت قلصت تمويلها إلى نحو 20 مليون دولار خلال الفترة من 2018 وحتى 2021. انعكس هذا سلباً على قدرة المدينة في صيانة مضخات المياه وتوفير الوقود.. خاصة مع ارتفاع أسعار المحروقات والتي بلغت في بعض الفترات أكثر من 300 دولار للبرميل.

تضاعفت كلفة تشغيل المضخات، وتوقف العديد منها عن العمل. هذا أدى إلى انخفاض كمية المياه المخّصصة إلى أقل من 700 متر مكعب يومياً، وخروج أجزاء كبيرة من شبكات المياه عن الخدمة، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية.

كارثة 2022: دعم هزيل وأسعار مياه فلكية وانخفاض تمويل اليونيسف إلى حدود 15 مليون دولار

في 2022، كانت التمويلات الدولية تتراجع بشكل متسارع. خصصت USAID ما يقارب 55 مليون دولار فقط لمشاريع المياه في اليمن. -أي أقل من نصف حجم التمويل في العام 2015- نصيب محافظة تعز من المبلغ أقل من 15 مليون دولار. فيما شهدت مشاريع اليونيسف تمويلاً لا يتجاوز 15 مليون دولار.

وبسبب انعدام التمويل الكافي: تأثرت شبكات المياه بشكل كبير.. وارتفعت أسعار المياه في السوق السوداء إلى أكثر من 40,000 ريال يمني للصهريج الواحد الذي لا يتجاوز سعته 1,000 لتر. وهو ما دفع عشرات الآلاف من السكان إلى تحمل عبء مالي كبير في سبيل الحصول على مياه الشرب.


يناير 2025: ترامب يعلّق المساعدات الخارجية

مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في يناير 2025، أصدر أمرًا تنفيذيًا بتجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا. وتبعته وزارة الخارجية الأمريكية بإيقاف التعاون مع المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن. ثم إيقاف عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID”.

نتج عن هذا إلغاء 83% من برامج USAID في اليمن، وكان قطاع المياه الأكثر تضررًا.

انخفض تمويل مشاريع المياه في تعز إلى أقل من 10 ملايين دولار، وتوقفت نحو 75% من المحطات، ولم تُضخ سوى 3,000 متر مكعب يوميًا – وهو أقل من 30% من الاحتياج الفعلي.


تصريحات رسمية تؤكد عمق الكارثة

قال وثيق الأغبري، مدير مؤسسة المياه في تعز، في مقابلة حديثة، إن الإنتاج اليومي للمياه لا يغطي سوى 10% من الاحتياجات، بعد أن كان الإنتاج سابقًا يتجاوز 21,000 متر مكعب يوميًا.

وأشار إلى سيطرة جماعات مسلحة على الحقول الرئيسية وجفاف آبار “الضباب” كمسببات رئيسية.


الحكومة تلقي اللوم على المناخ.. لكن الأرقام تكذبها

في مواجهة الأزمة، اختارت الحكومة اليمنية تعليق أسبابها على “شماعة” التغيير المناخي، مشيرة إلى انخفاض معدلات الأمطار.

لكن بيانات من تقارير الأمم المتحدة ومراكز أرصاد إقليمية تؤكد أن معدلات هطول الأمطار لم تشهد انخفاضًا حادًا مقارنة بالأعوام السابقة منذ بدء الحرب.

هذا يثير أسئلة جوهرية:

  • هل تغير المناخ هو من أوقف تمويل الوقود والصيانة؟

  • هل الجفاف وحده عرقل تشغيل المضخات ومنع توزيع المسؤوليات بين السلطات؟

الواقع يشير إلى أن السبب الحقيقي هو الإدارة الفاشلة والانقسام السياسي، حيث تم تقاسم المؤسسات في تعز بين أطراف متنازعة كغنائم حرب، دون أي اعتبار للمصلحة العامة.


أزمة المياه في تعز أزمة سياسية أولًا

أزمة الماء في تعز

اليوم، أكثر من نصف مليون نسمة في تعز مهددون بالعطش. لقد اختفت معظم موارد التمويل، بينما عجزت الحكومة المحلية عن سد الفجوة، ما فاقم المعاناة اليومية للأطفال والنساء والأسر الفقيرة.

إن قصة تعز ليست قصة فنية أو تمويلية فقط، بل هي مرآة لصراعات السياسة، والتخبط الحكومي، والإهمال الدولي. ومهما تغيرت السياسات في واشنطن، فإن أثرها يصل بشكل مباشر إلى صنبور الماء في أحد أحياء تعز.


المصادر:

مصادر USAID

look! USAID Office of Inspector General – Oversight Report (Feb 2025)

تقرير يكشف عن تعليق أنشطة مكتب المساعدات الإنسانية (BHA) بسبب وقف تمويل في يناير 2025، وتأثير ذلك على برامج مياه وصحة عالمية مستمرة، بمبالغ إجمالية تقدر بمليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية

USAID OIG Semiannual Report to Congress (Fall 2023)
هذا التقرير يشير إلى أن برامج BHA الإنسانية وصلت إلى نحو 1.4 مليار دولار بحلول مارس 2024، مع جزء كبير موجه إلى المياه والصرف الصحي عالمياً

USAID OIG Audit – Water, Sanitation & Hygiene Projects (Q2 2024)
تقرير مراجعة عن مدى فاعلية برامج المياه والصرف الصحي مدعومة من USAID في مناطق الأزمات، مع تفاصيل الميزانيات المخصصة

مصادر اليونيسف (UNICEF)

UNICEF Yemen Humanitarian Situation Report No.2 (30 June 2024)
التقرير يذكر مشاركة اليونيسف في مكافحة وباء الكوليرا وتشمل دعمًا لمشاريع WASH (مياه، صرف صحي، صحة)، دون تحديد مبلغ دقيق، ولكنه جزء من خطة تغطية موزعة بقيمة مئات الملايين عبر البلاد
UNICEF Yemen HAC Plan 2024
وثيقة يرجى فيها اليونيسف مبلغ 142 مليون دولار لتمويل جهود المياه والصرف الصحي خلال عام 2024 في اليمن

UNICEF Yemen Water, Sanitation and Hygiene
الصفحة الرسمية توضح استراتيجية اليونيسف في تعزيز الأمن المائي والصحي للأطفال في اليمن، موثّقة بالإجراءات والتمويل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

2 تعليقات
  1. محمد الصبري يقول

    بصراحة موضوع متميز أبدع الاستاذ ريدان بكتابته

    1. EHOM يقول

      نشكرك أيها الشاعر الكبير