يُعتبر تشابي ألونسو من المدربين القلائل الذين اختاروا أصعب طريق ممكن في مسيرتهم التدريبية، حين فضّل تدريب ريال مدريد على عروض أخرى أسهل وأكثر أمانًا. لو اختار ألونسو أي نادٍ آخر، لكانت مهمته أبسط بكثير، لكن شجاعته دفعته للقدوم إلى البيت الأبيض، حيث التوقعات لا ترحم والنجاح هو الخيار الوحيد.
لماذا ريال مدريد هو التحدي الأصعب؟
ألونسو خطط مسبقًا لتدريب ريال مدريد، لكنه أرجأ المهمة بعد تتويج أنشيلوتي بدوري الأبطال والدوري، ونجاحه هو نفسه بموسم استثنائي مع باير ليفركوزن. كانت أمامه عروض قوية من أندية مثل ليفربول وبايرن ميونخ، لكن حسم تلك الأندية للدوري مع مدربين جدد أغلق الطريق أمامه، وتركه مع خيار واحد: العودة إلى مدريد.
هناك من يعتقد أن تدريب فرق أقل شعبية مع طموحات منخفضة هو الخيار الأمثل للمدرب الشاب، لكن ألونسو لم يعد يرى نفسه شابًا صاعدًا، بل مدربًا جاهزًا لقيادة فريقٍ بحجم ريال مدريد، النادي الذي صنع معه أمجادًا لاعبا، ولطالما عبّر عن عشقه له، وهو يركض في نهائي العاشرة بعد رأسية راموس الشهيرة.
المهمة شبه المستحيلة بعد أنشيلوتي
ألونسو جاء بعد موسم كارثي لريال مدريد على كل الأصعدة: النتائج، الأداء، الانضباط، وحتى الشخصية داخل الملعب. الفريق كان الأقل جريًا، والأضعف تكتيكيًا، والأقل حدة في الالتحامات، مقارنة بفريق ليفركوزن الذي تركه ألونسو وهو يتصدّر أوروبا في الإحصائيات البدنية والتكتيكية.
مهمة ألونسو ليست مجرد تدريب فريق، بل بناء هوية جديدة بالكامل لريال مدريد، وهذا تحدٍّ يأخذ سنوات لدى أغلب الأندية، كما رأينا مع أرتيتا في أرسنال، الذي استغرق ستة مواسم ليخلق فريقًا قويًا بإدارة واثقة وصبورة. أو باريس سان جيرمان مع لويس إنريكي، الذي استطاع في عامه الثاني تحقيق دوري الأبطال وصناعة فريق متجانس له أسلوب وهوية واضحة، بعد سنوات من الفوضى.
لكن جماهير ريال مدريد تختلف، فهي لا تحتمل الانتظار طويلاً، وتطالب بالألقاب سريعًا، حتى لو كانت ظروف الفريق صعبة، وهم معتادون على الفوز حتى في أسوأ الظروف، ويعتبرون الكؤوس هي المقياس الأهم.
ما الذي يقدمه ألونسو؟
ألونسو ليس مدرب طوارئ، بل قائد مشروع طويل الأمد، يملك شخصية قوية ويثق بنفسه كثيرًا. تصرفاته وصفقاته النوعية منذ اللحظة الأولى دليل على ذلك، وكأنه يوجه رسالة إلى بيريز والإدارة: “لا أعذار.. أنا هنا للفوز”.
ألونسو يعرف صعوبة مهمته في تغيير عقلية النجوم الكبار داخل غرفة ملابس الريال، ممن اعتادوا الفوز بموهبتهم الفردية دون الالتزام بأدوار تكتيكية أو جهد بدني مضاعف، وهنا تكمن عبقرية ألونسو في قدرته على الإقناع، لا الفرض، وهي نقطة جوهرية نجح فيها بمؤتمره الصحفي الأول حين قال
“نريد أن نجعل الجماهير فخورة وسعيدة. نريد أن يأتي الناس إلى الملعب ليستمتعوا. إذا أشعلنا هذه الروح، سنصبح قوة لا تُقهر.”
دعم الكاستيا وتطوير الوسط.. بداية قوية
أول خطوات ألونسو كانت ذكية، حين استدعى ستة لاعبين من الكاستيا للمشاركة في كأس العالم للأندية، ليضمن بناء جيل جديد للفريق الأول، كما فعل تشافي مع برشلونة حين اعتمد على شباب اللاماسيا، فأنقذ فريقه من الانهيار وأعطاه هوية جديدة.
يركز ألونسو بشكل خاص على خط الوسط، الذي يعتبره مركز بناء القوة والهوية، وسيكون مفتاح نجاحه في توظيف طاقات فالفيردي، بيلينغهام، غولير، وتطوير تشواميني، كامافينغا، وسيبايوس لصناعة دكة قوية ومتنوعة.
أما الهجوم، فيعرف ألونسو أن مهارة لاعبي الخط الأمامي في مدريد هي الفيصل، لكنه سيعمل على خلق منظومة جماعية تقلل الفوضى الفردية، مع ترك هامش للإبداع، ليظهر الفريق بشكل ممتع وفعّال في نفس الوقت.
ختامًا.. مدرب حقبة جديدة
ألونسو ليس مدربًا عابرًا أو رجل طوارئ، بل قائد حقبة قادمة، وعلى جماهير الريال الصبر قليلاً إذا أرادت مشاهدة كرة قدم جميلة وأفكار حديثة على أرض الملعب. نجاحه في مدريد قد يجعله أحد عظماء المدربين عبر التاريخ، وليس مجرد تلميذ تتلمذ على أيديهم.