فكرة إنشاء محطة خدمات للمارة، تراود أيمن حمزة منذ 2010. لكن العائق أمامه دائمًا هو النفقات التشغيلية التي لا تتوفر مع شاب عصامي .. يتكئ على نفسه فقط، محافظًا على كرامته شامخة دون أن يطلب أي أموال من علاقاته الاجتماعية المرموقة التي يعرفها.
هذا هو أيمن حمزة، بطل قصتنا اليوم.
من هو أيمن حمزة
أيمن حمزة هو شاب ثلاثيني، بقوام معتدل وألوان متناسقة يضعها على جسده الرياضي. مرح وأنيق ومهذّب. لديه الكثير من العلاقات الاجتماعية المرموقة التي تقضي بجواره أوقاتًا سعيدة.
في غمرة اللحظات السعيدة التي تقضيها مع أيمن، يتحوّل فجأة إلى جاد وغريب الأطوار، هكذا بدون مقدمات يصبح شخصًا آخر. إذا حاولت معرفة السبب، فلا تهلع: أيمن يفكّر في مشروعه!
في مقاهي الانترنت المنشرة في صنعاء والتي يرتاد أيمن بعضها. لن تجده ناشطًا على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا متابًعا للأعمال الدرامية. في ملفه الشخصي على فيس بوك وانستجرام، لن تجد له صوره شخصية، وإن فعل، يقوم بإزالتها لاحقًا. لا يهتم بالحياة الافتراضية كثيرًا لأن حياته مليئة بالصداقات والحكايات التي لا تنتهي.
لكنه حين يبدأ باستخدام الانترنت، تجده يبحث عن موارد وأفكار إبداعية لتطوير مشروعه الذي لم يكف يومًا عن الحديث عنه.
إعلان دعم مشاريع الشباب الاقتصادية
في منتصف 2013 وجد إعلانًا لإحدى الجهات تقوم بتنظيم مسابقة لأفكار الشباب الاستثمارية في القاهرة. من بين أكثر من 500 مشاركًا، انتزع أيمن مقعدًا للحضور بمعية 30 شاب عربي آخر، منهم يمني. المؤسف أن لغة الفعالية كانت إنجليزية. أحرمه ذلك فرصة تقديم مشروعه وحجز أموال الشركاء والمساهمين المنفذين للفعالية.
عاد إلى اليمن وهو يحمل خيباته، والكثير من الأسف. إذ كيف يمكن لشاب عمره 23 عامًا لا يستطيع أن يتحدّث الإنجليزية؟
نسبة المتحدثين باللغة الإنجليزية في اليمن يعادل 9 بالمية من اجمالي السكان
المشاريع الصغيرة هي المستقبل الذي يجب أن يسعى له كل يمني ريادي.. أيمن حمزة
عاد من القاهرة وهدفه انتزاع لغة. حتى ابريل 2014؛ ادّخر المبالغ التي حصل عليها وطار إلى الهند لتعلّم اللغة
كانت الخطة هي دراسة اللغة والبحث عن فرصة جديدة لتحقيق حلمه. لكن الأحداث تعقدّت أكثر بعد سقوط صنعاء. كان موعد وصوله قد تحدد في مارس 2015، لكن اندلاع عمليات عاصفة الحزم، غيّرت حياته، بقي عالقًا في مطار مومباي يومين، ثم اضطر للسفر إلى ماليزيا بسبب انتهاء اقامته في الهند، ظل عالقاً هناك ويستدين، حتى تراكمت عليه الديون.
عاد إلى صنعاء مطلع 2016. لكن الطريق سهلة على شاب لا يملك مصادر دخل، بل الكثير من الديون، والكثير من الهموم والأثقال التي مزقت تفكيره.
في طفولة أيمن، كان يعشق لعب الكرة، انخرط في صفوف نادي وحدة صنعاء. ولعل أبرز ما تعلمه هو: (أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم) لذلك قرّر أن يستدين مبالغ جديدة ويبدأ في تنفيذ مشروعه، لتحقيق حلمه، ولتسديد كل الديون التي تحاصره.
ايميليو استيشن .. مطعم وجبات سريعة متنقل
قرّر أيمن المضي قدمًا في تنفيذ مشروعه، ولكن البداية من تنفيذ مشروع أصغر، يؤدي إلى تحقيق الحلم
مشروع أيمن عبارة عن محطة خدمات للمارة، لكن تكلفته باهضة. لذلك قرر أن يبدأ بفكرة صغيرة تكبر وتصبح محطة.. قرر افتتاح مطعمًا للوجبات السريعة المتنقلة، صمم المشروع بنفسه وبدأ في صناعته.
تصميم المطعم تم عن طريق بناء أرضية من الحديد. ثبت عليها جدارًا من الألمنيوم، وعليه فتحة شباك جانبية يتم من خلالها تسليم الطلبات للزبائن
اختصارًا لنفقات بناء المطعم، قرّر أيمن أن يقوم بصناعته بنفسه، بدأ بتنفيذه على الورق، ثم على مُجسّم صغير باستخدام أوراق النخيل، لينتهي به الأمر عند محلات الخردة لشراء الأدوات المستخدمة.
المهندس مبخوت حمزة، هو والد أيمن، كان قبل أن تتنقل روحه إلى السماء، يحتفظ بمعداته الهندسية في مخزن البيت، معدات متكاملة من أدوات الخراطة.
ومع الخبرة التي اكتسبها من والده، وتعاون أخويه عمار وأسامة الذين أجبرتهما ظروف الحرب على البقاء في المنزل بعد تسريحهما من وظائفهما اللتين كانا يعملان بها.
اشتروا الأدوات، حولوها إلى جدران وأسقف وأرضية، واستكملوا بناء المطعم الذي قُدّرت خسارته بمليون ريال يمني.
باتت أحلام أيمن قريبة. بات يرى أمامه اسم مشروعه وقد تحوّل إلى براند عالمي، Emilio Station اسم متقرن باسمه، فكل أصدقاء أيمن، ينادونه ايميليو.
في 20 ابريل 2020، دشّن أيمن مطعمه، خلاصة ثمان سنوات من التخطيط والادخار والعمل المتواصل، أصبح أمام عينيه، والهم الذي يحمله تجاه الديون المتراكمة عليه، يبدو أنها ستصبح مُجرّد ذكرى.
حُلم أيمن حمزة .. صدمة أخرى
حان وقت إطلاق المطعم.
سيادتي سادتي
نرجو ربط الأحزمة، لأن حلم أيمن سوف يطير خلال لحظات!
لكن الطيران كان عكسيًا
استعد الجميع من أصدقاء أيمن لهذا الحلم الذي نمى معهم، لكنها كورونا، تفشّت وأوقفت أيمن من الاستمرار في مشروعه بعد أن تم تدشينه.
ثلاثة أيام فقط عمل بها أيمن، ثم قام بإغلاقه التزامًا بالتعليمات الصادرة من اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة بصنعاء، ليُراكم ذلك همومه، وليشعره بالإحباط الشديد.
ليس فقط فيروس كورونا من لا يرحم، أيضًا حكومة صنعاء
عادت الحياة للعودة بشكلها الطبيعي.
فتح أيمن مطعمه؛ لكنه فوجئ هذه المرة بمنعه من أمانة العاصمة صنعاء، تحت مُبرّر: “لا يوجد ترخيص لمشروعك”.
كان أيمن قد حصل على موافقة رسمية بالعمل ولكن بشكل غير متنقل.
يقول: “كلما وقفت في منطقة يتم مطالبتي بالتحرّك من قبل المجلس المحلي. حين سمحوا لي أن أتوقف في شارع هايل، أبلغوني بأني ممنوع من الوقوف هنا.” يضيف: “إذا كان الوقوف ممنوعًا في الميدان، فإنه غير ممنوع هنا في خيالي، سأظل أحلم بتحقيق حُلمي، وسأظل أواصل العمل من أجله، بدون استسلام”.
النهاية
قصه ايمن حكايه تستحق مناشده المجلس المحلي بايجاد حل يتماشي مع القانون وبنفس الوقت نعطي لمثل هولاء فرصه للوقوف ومواجه التحديات في ظل الظروف التي تواجه البلد ..لقلمك عبدالرزاق كل التقدير