بيع الاعضاء البشرية في اليمن، مشروع رأس ماله الفقر

أمام وضعه المالي السيء، وقف سليم يفكّر في خيارين، إما أن ينتحر أو أن يبيع إحدى كليتيه، لكنه اختار الانتحار!

منذ مارس 2015 قُتل وشُرّد الكثير من اليمنيين.. أصبحوا يواجهون الموت والفقر والمجاعة.. لاسيما بعد أن أوقفت جماعة الحوثي تسليم مرتبات العاملين في القطاع الحكومي منذ أغسطس 2016.

انعدمت الخيارات الاقتصادية أمام الكثير ولم يعد أمامهم من خيارات سوى أسوأها.

وجد تجّار الاعضاء البشرية أرضية خصبة لاستغلال حاجة الناس.. قاموا بالترويج لعمليات بيع الأعضاء البشرية.. تكفّلوا بتذاكر البائع إلى مصر ومصاريفه الشخصية واستقباله في مطار القاهرة ووضعه في شقق عليها حراسة مدنية.. وجد الكثير أنفسهم محاطين بعصابة تمنعهم حتى من التجوّل أو التراجع عن عملية البيع.. فيما تعرّض آخرين لعمليات نصب.. إذ فوجئ بأنه تم استغلاله ونهب الاعضاء البشرية دون حتى أن يوفي الطرف الآخر بالالتزامات المالية.

لم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى أقسام الشرطة لتقديم شكاوى.

انتبهت الحكومة المصرية لما يحدث.. اشترطت على اليمنيين الدخول إلى مصر عن طريق تقرير طبي يفيد بحالته.. لكن ذلك لم يمنع من عمليات التحايل التي كانت جاهزة.

استمرت عمليات نقل اليمنيين إلى مصر لبيع أعضائهم البشرية، لاسيما كلاهم.

أصبحت خيارات توفير الأموال في اليمن شبه معدومة.. تضرر اليمنيون من الحرب وبدأوا في توفير بدائل قاسية عليهم.

إنها لحظة كارثية دفعت باتجاه إنعاش تجارة الأعضاء البشرية مُقابل الحصول على المال لتسديد نفقات المعيشة!

سليم.. أنتحر أم أبيع الاعضاء البشرية ؟

قرر سليم أن ينتحر، إذ لم يجد أمامه خيار لتوفير مصادر دخل.. كان سليم قد لجأ – في ديسمبر 2019 – إلى عرض كليته للبيع.

في حديث خاص قال سليم “تلقيتُ رسالة من حوثي يُهددني بالقتل بسبب آرائي الفكرية، غادرت مصر خوفًا على حياتي ومازالت ديون السفرية تُطاردني”.

عقب تلقيه التهديد في يوليو 2015 وهي الفترة التي شهدت اضطرابات متعددة بعد سقوط صنعاء في أيدي المليشيا.. وإعلان السعودية عن تحالف عربي لمواجهتهم.. أخذ سليم إجازة مفتوحة من عمله واستدان المال وسافر إلى مصر للبحث عن خيار آخر للحياة.. تقدم بطلب لجوء لكنه لم يتمكن من الحصول على صفة ملتمس لجوء.. ومع استمراره بالتغريد حول العقيدة.. فوجئ بأن هناك أفراداً من جنسيات أفريقية سألوا حارس المبنى عن رقم شقته متحججين بأنهم على معرفة به.. كان الحارس قد اتصل عليه ليسأله، لكن هذا الأمر الذي تزامن مع رسالة تهديد تلقاها عبر “تويتر”.

دفعه ذلك للعودة إلى اليمن وإغلاق حسابه.

عاد بعد أن استنفذ رصيده المالي. كانت جهة العمل قد منحته وعدداً كبيراً من الموظفين إجازات مفتوحة بدون مرتب، نظرًا للأوضاع الاقتصادية المتردية. لم يعُد يملك أي مصدر دخل، ليس سوى انتظار لحظة اغتياله، وديون مالية متراكمة.

ازدادت الظروف المعيشية تعقيدًا، وازداد معها الخوف من الجوع.

لم يتمكن من توفير متطلبات الحياة: الإيجارات تراكمت، الديون ازدادت، ومُطالبات مُتعددة بالإيفاء بوعوده. هذا الإحراج المُتكرر دفعه لتناول عقارير خاصة بالانتحار، كانت زوجته قد اشتركت معه في هذه اللحظة الأخيرة، هي أيضًا بدون راتب، وتُعاني من تمييز وظيفي ومضايقات أسرية بأن تترك زوجها الذي يكتب في الشأن الديني بشكل يستفز أسرتها، فضّلت الانتحار مع زوجها، لا سيما بعد فشل مشروعهما الصغير لبيع الخضروات. يشير سليم إلى “(إننا) نُعاني من اكتئاب ونتناول عقاقير مُحددة، وعندما لا نتناوله، نجد أنفسنا سجناء المنزل نحاول الموت، عاجزين عن فعل أي شيء، فاقدين الأمل والجدوى من كل شيء، ونحمل هم سداد الإيجار كي لا نجد أنفسنا في الشارع”.

الجرعة المفرطة من العقاقير أدخلتهما في مشاكل صحية، ولم تؤدي الهدف من تناولها إذ كانت الزوجة قد هددت أسرتها بالانتحار، وحين لم تكن ترد على اتصالاتهم، دفعهم ذلك لاقتحام المنزل، واسعافهما سويًا.

بعد فشل عملية الانتحار، انتهت علاقته بزوجته، ولم يعد أمامه سوى بيع كليته، أعلن عن ذلك عبر حسابه على الفيس بوك، ولاحقًا وجد مشترٍ لها.

الاعضاء البشرية للبيع على فيس بوك..

تحوّل موقع فيس بوك إلى سوق مفتوحة لتجارة الاعضاء البشرية، يُعلن عبرها اليمنيون عن بيع كلاهم، بعضهم خوفًا من الجوع والنوم في الشارع، والبعض الآخر ليتمكن من علاج نفسه بعد أن تخلّت عنهم الجهات التي دفعتهم للحرب. الجريح فتحي الفقيه أعلن عن بيع كليته، بعد الإصابة التي تعرّض لها في حرب تعز.

يقول فتحي في حديث خاص “خرجتُ أدافع عن (الدين) والعرِض والأرض وتعرّضتُ لإصابة قبل سنة وأشهر، خرجت من اليمن للعلاج ولم يقدموا لي شيئًا، لا سكن ولا علاج ولا تغذية، زادت ديوني وهمومي فشعرتُ بالإحباط، لذلك قررت بيع إحدى الكليتين”.

في حسابه على “فيس بوك” أعلن عن بيع كليته

ذات الجهة التي أقحمت فتحي في الحرب، أهملت كذلك الجريح أحمد السبأي، كان أحمد برفقه أخيه يتعالج في الهند ومع غياب الموارد المالية أعلن أخوه عن بيع كليته ليتمكن من معالجته وتمت العملية بالفعل.

هناك أيضاً، كان يتواجد هيثم المُعافر، الجريح من أحداث 2011، ذهب للعلاج ولكن تم التخلي عنه. لجأ في بداية ديسمبر لقرار بيع كليته.

قال المعافر في حسابه على الفيس بوك: “أرسلتُ الرسائل، والمناشدات للقائمين على صندوق رعاية الجرحى، لقد تركوني بلا رحمة أصارع الحياة، ومنذ بداية 2015 وحتى اللحظة وأنا صديق الشوارع في الهند وأرصفتها”.

1040 حالة بيع الاعضاء البشرية:

في العادة، تتم عملية بيع الكلى عبر تجّار أعضاء بشرية، يتوزّعون في الأردن ومصر التي تُعد مقراً لأكبر شبكة دولية تتاجر بالأعضاء البشرية. مؤخرًا، تم إلقاء القبض على عدد من أفرادها وتقديمهم للمحاكمة. الأمر نفسه حدث في اليمن، وتم القبض على شبكة تتاجر بالأعضاء البشرية، ولكن تم الإفراج عنهم لاحقاً بسبب عدم وجود نص قانوني يُعاقبهم.

يفيد نبيل فاضل، رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر، بأن “هناك مشروع يتعلق بالإتجار بالبشر، لكنه محبوس في أدراج مجلس النواب منذ 2013، لم يتم طرحه أو مناقشته”.

ويؤكد أن عدد حالات بيع الكلى التي تم تسجيلها للفترة من 2009 حتى 2014 وصلت إلى 1040 جالة، أي بواقع حالة كل يومين، و15 حالة في الشهر الواحد، فيما ينبه إلى أن النسبة أعلى بكثير مما تم رصده، فلا توجد إحصائية دقيقة ترصد الظاهرة، ويؤكد أن حالات بيع الكلى ازدادت بشكل لافت بعد العام 2014.