التعددية الدينية في العالم العربي بين الماضي والمستقبل
سنناقش التعددية الدينية وحرية العقيدة لما يحمله هذا المفهوم من تعقيد وحساسيات، بعض منها نابع من سوسيلوجية المنطقة وخصوصياتها، وبعضها مستورد خارجي عن مجتمعاتنا لكن تأثيرها لا يمكن نفيه.
حرية الاعتقاد واحدة من أهم مبادئ الحقوق والحريات العامة. يُعد غيابها أو انتقاصها خرقًا لمبادئ والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. لا يمكننا في عصرنا الحالي مناقشة قضية الحرية من دون أن يعني ذلك حرية التفكير النقد والاختيار. ولحرية الاعتقاد خصوصية تميزها عن غيرها من مسائل الحرية،فهناك ارتباط وثيق بين مفهوم الاعتقاد، وضمير الإنسان، ووجدانه، وفكره.
الاعتقاد، لا يعني الاعتقاد الديني فقط، إنما تنوع أنماط الاعتقاد، بغض النظر عن طبيعتها الدينية أو اللا دينية أو العلمية.
التعددية الدينية هي الحوار القائم على التنوع الديني
إقرأ أيضًا: دليل الوعي بالتنوع الديني
مفهوم العقيدة لغة واصطلاحا
لغةً؛
الاعتقاد في اللغة العربية: وزن افتعالَ، مصدر. العَقِيدَةُ: الحكمُ الذي لا يُقبلُ الشكُّ فيه، لا يخص كلمة الاعتقاد بالدين وحده، بل تشمل أيضا عدم الايمان بدين
اصطلاحًا؛
الاعتقاد اصطلاحا هو العقيدة الفكرية التي يؤمن بها إنسان ما، بغض النظر عن طبيعة هذه العقيدة دينية أكانت أم غير دينية. هي مجموع المبادئ الأخلاقية المتحكمة بوجدان الفرد ضميره وتصرفاته.
إقرأ أيضًا عن التعددية الدينية
مع حرية الفكر كانت البداية
كانت حرية الاعتقاد دافع رئيس لتطور الفكر الإنساني عند الإغريق والرومان، لا سيما في مجالات الفلسفة والسياسية. سقراط وأفلاطون وأرسطو مثلا لم يكونوا ليتمكنوا من مناقشة أفكارهم الجريئة لولا ما عرف عن الإغريق من حرية الفكر. ذلك على الرغم من النهاية المأساوية التي واجهها سقراط بسبب عدم تراجعه عن أفكاره. ويسجل للإمبراطورية الرومانية، أيضًا، تسامحها الديني، إذ لم يكن الإلحاد أو الزندقة ذنبًا يعاقب عليه.
بدأت حرية الاعتقاد بالتراجع مع بداية المواجهة بين المسيحية والإمبراطورية الرومانية حيث حاولت الإمبراطورية الرومانية احتواء والحد من انتشار المسيحية. وكما نعلم فشلت القوانين الرومانية في احتواء انتشار المسيحية كعقيدة.
بعدما هيمنة الكنيسة لعصور ومع بديات انقساماتها وضعف مركزتيها المتمثلة بسلطة البابا في روما بدأت القيود الكنسية على حرية الاعتقاد بالانحسار والاندثار تدريجيا.
تأثر الفكر الأوربي بنظرية ابن رشد – الحق المزدوج” التي حاول فيها تجنب الصدام مع السلطات الدينية الإسلامية. نادى بالتمييز بين حقيقتين مستقلتين متناقضتين في هذا الوجود: حقيقة دينية وحقيقة فلسفية. على الرغم من تحريم البابا لنظرية ابن الرشد، إلا أن فلسفة ابن رشد وجدت طريقها للانتشار في أوروبا.
بدأت أفكار التسامح وحرية العقيدة بالظهور مع بزوغ عصر النهضة Renaissance في إيطاليا في القرن الثالث عشر.
في القرن الخامس عشر، وقعت الأطراف المتنازعة في الحرب الدينية في أوروبا ما عرف بصلحُ وستڤاليا. حيث صدر في كل من فرنسا وإنكلترا دساتير تجيز ولو في نطاق معين، اعتناق أيًا من المذاهب المسيحية.
وفي 1789 مع الثورة الفرنسية، عرفت البشرية أول إعلان رسمي مكتوب يكرس حرية الاعتقاد والفكر، هذا الإعلان مهد لتغييرات جدرية في التشريعات الأوربية والمعاهدات الدولية في مجال الحريات والحقوق العامة. مرورًا بالثورة الصناعية والقرن التاسع عشر، ثم نحو الحرب العالمية الأولى ثم اتفاقات جنيف فالحرب الثانية. وصولًا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، الذي يعدّ أول وثيقة دولية غير ملزمة تنص على احترام حرية الاعتقاد والفكر.
إقرأ أيضًا: التعاطف وشرعية الترحم على غير المسلم
التعددية الدينية هي خطوة متقدمة، واستجابة واعية ومستنيرة، تُقدِّم طريقة إحتواء آمن وعادل للتنوع الديني
دور القانون الفرنسي في تطور القانون الدولي
تطورت فكرة حرية الاعتقاد عبر كثير من المراحل التاريخية، وسنركز على التجربة الفرنسية. لما لهذه التجربة من أثر كبير على صياغة المفاهيم الدولية المعاصرة لحقوق الإنسان.
تنص المادة الثانية من الدستور الفرنسي الحالي الذي صدر في العام 1958 على:
“فرنسا جمهورية غير قابلة للتجزئة وعلمانية وديمقراطية واجتماعية، وتؤكد مساواة جميع المواطنين أمام القانون من دون أي تمييز في الأصل أو العرق أو الدين، كما أنها تحترم المعتقدات جميعها…”
وتنص مقدمة هذا الدستور على أن:
“يعلن الشعب الفرنسي رسميًا عن تمسكه بحقوق الإنسان ومبادئ السيادة الوطنية وفقًا لتعريفها في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في عام 1789، الذي تم تأكيده واستكماله في مقدمة دستور عام 1946”.
ويشير الإعلان في المادة العاشرة منه إلى أنه:
“لا يجب محاسبة أحد بسبب آرائه، حتى الدينية منها، شريطة ألا يخل التعبير عنها بالنظام العام الذي حدده القانون“.
لا يميز الدستور الفرنسي بين حرية الوجدان أو الضمير (Liberté de Conscience) وحرية الاعتقاد الديني (Liberté Religieuse). وهو يعدهما مكفولتين بالقانون دون أدنى تمييز بينهما بدرجة الأهمية أو القداسة.
دوليًا، تمت الإشارة لأول مرة إلى حرية الاعتقاد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948:
“لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، …إلخ”.
ثم في المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966. كانت جملة الدول العربية قد وقعت عليه، حيث ورد في الفقرة الأولى:
“…ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، …إلخ”.
في 1981 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار غير ملزم. تضمن إعلانًا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. أكد في مادته الأولى على ما ورد في العهد الدولي الخاص السابق الذكر.
تحفظت جل الدول العربية والإسلامية على هذا القرار بحجة تعارض تنفيذه مع قوانينها الداخلية. أثنت بعض الدول العربية مع إيران على التحفظ الجماعي الذي تقدم به العراق نيابة عن منظمة المؤتمر الإسلامي بخصوص تطبيق أي بند أو نص في الإعلان من شأنه أن يخالف الشريعة الإسلامية أو أي تشريعات أو لوائح أساسها الشريعة الإسلامية (المعلومات المنشورة على موقع مكتبة حقوق الإنسان في جامعة مينيسوتا).
كما أنه بطلب من دول أوروبا الشرقية أقرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه لا بدّ من أن تُفسر حرية الدين أو العقيدة على نطاق واسع، حيث إن الهدف منها هو حماية الأفراد الذين يعتنقون ديانات مختلفة ويمارسون الديانات التقليدية، وغير التقليدية، والديانات الحديثة، والإلحاد. طلب دول أوروبا الشرقية كان يهدفه لحماية الحق في عدم اعتناق عقيدة أساسًا.
يقصد بحق حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية
التعددية الدينية هي خطوة متقدمة، واستجابة واعية واستنيرة، تُقدِّم طريقة إحتواء آمن وعادل للتنوع الديني
المنظومة العربية والإسلامة ما قبل حقبة الاستعمار العربي
عرفت المجتمعات القديمة في شبه الجزيرة العربية، قبل الإسلام، التعددية الثقافية والحريات الدينية. كانت القبائل في شبه الجزيرة العربية ترتبط بعلاقات تجارية واجتماعية متنوعة يقال انها وصلت إلى بلاد السند والهند. على الرغم من تنوع واختلاف عقائدها الدينية، بما في ذلك العقائد السماوية؛ لم يخلق هذا الاختلاف أي شكل يُذكر من الطعن بمبدأ التسامح الديني.
المواطنة
مع الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام، اقتصرت حرية الاعتقاد، بشكل مشروط، على الأديان السماوية. بينما حُرمت جميع أشكال الوثنية أو الإلحاد.
الواقع أن فكرة المواطنة آن ذاك كانت تستند إلى الإسلام بحد ذاته. من كان يؤمن بغير الإسلام لم ينظر إليه على أنه مواطن يتمتع بجميع حقوق المسلمين.
تعاملت الدولة الإسلامية وقتها مع غير المسلمين على أنهم رعايا أجانب تحت مسمى (أهل الذمة). كان عليهم دفع (الجزية) في مقابل ضمان حرية المعتقد.
رغم ارتباط الدين بالسلطة، والاستناد الشديد للإسلام في تحديد المواطنة، لا يمكن إنكار المساهمات الفلسفية الكبيرة للمفكرين المسلمين والعرب في التأثير بمفاهيم الدولة، والحق، والعلاقة مع الدين.
الحق لا يناقض الحق
أدت التوسعات الإسلامية دورًا حاسمًا في تعرف المفكرين العرب على فلسفة أثينا والهند قبل الغرب. لكن من المؤسف، أن القبضة السياسية والدينية وتحالفهما كان لها دور عميق في الحد من انتشار الأفكار الفلسفية التي تناولت العقيدة. تم اضطهاد معظم دعاتها في تلك العصور كما يلي:
عاش الكندي بين 805 – 873م وترجم أهم الكتب الفلسفية اليونانية إلى العربية.
ابن سينا عاش في القرن الحادي عشر ميلادي. وضع ما عرف بالخلاصات الفلسفية وأبرزها كتاب الشفاء.
ابن رشد في القرن الثالث عشر ميلادي، الغرب يعترف بدوره المهم ويقدسه كالأب المؤسس للفكر العلماني في أوروبا. أشهر كتبه “فصل المقال” تتلخص فلسفته في أن الشريعة الإسلامية حق وأن البراهين العقلية حق أيضًا، والحق لا يُناقض الحق، فلا تضاد بين الفلسفة والشرع، والمرجع الأساس له هو العقل. وبهذا شكلت فلسفة ابن رشد دعوة مفتوحة وطارئة لفصل الدين عن الدولة لما شعر وتنبأ به من تعقيدات مشاكل وتحديات ستواجه المجتمعات العربية والإسلامية ان لم يتم الإصلاح.
وكما يشهد التاريخ رغم مكانة ابن الرشد علمه واشتغاله بالقضاء وعلم الدين لكن أفكاره جُوبهت برفض شديد. اتهم بالكفر والإلحاد، أحرقت مؤلفاته، حُكم عليه بالنفي للمغرب.
ابن خلدون 1332 – 1406م من أهم مؤلفاته المقدمة، التي تحوي معلومات تاريخية عن سوسيولوجيا المغرب العربي، قبائله، مكوناته، تعدديته…الخ. عرف عنه دعوته إلى العقلانية والفصل بين الدين والعلم، كما أنه أول عالم عربي من وصف التاريخ على أنه علمًا أبستمولوجيا مُستقلًا عن العلوم الدينية.
الاستناد للشريعة الإسلامية في تبرير الشرعية
في العام 1516 بدأ توسع السلطنة العثمانية جنوبًا باتجاه الشام العراق ثم باقي العالم العربي. استمر الوجود العثماني بعدها نحو أربعة قرون، كان لها أثر كبير في مفهوم حرية الفكر في المجتمعات العربية.
اتبع العثمانيون في العالم العربي سياسات شديدة الاستبداد كما نعلم، واستند العثمانيون في حكمهم إلى أحكام الشريعة الإسلامية في تبرير شرعيتهم.
وكما نعلم أيضا الدولة العثمانية كانت قبل كل شيء، دولة إسلامية سنية. وكان مفهوم المواطنة عندهم مبني على الانتماء للجماعة الإسلامية السنية، دون غيرهم ذلك بصرف النظر عن العرق أو اللغة. بينما كان التعامل مع بعض الأقليات العرقية والدينية وحتى مع بعض المسلمين مثل المسلمين الشيعة باستهانة واستعلاء لأسباب سياسية تتعلق بالصراع حينها بين شاه إيران والسلطان العثماني.
كما كانت هناك أقليات أخرى اعتبرها العثمانيين مهمة لكن بعيدة عن مركز السلطة، فتساهلت السلطة العثمانية معهم في ممارسة شعائرهم على نطاق ضيق ومغلق في مقابل دفع الضرائب والولاء للسلطنة. ويبين أن الحال لم يكن كذلك بالنسبة إلى المسيحين واليهود، إذ تمتعت هذه الديانات باعتراف رسمي بارز، دون أن يعني ذلك المساواة مع حقوق المسلمين السنة.
النهضة التركية مرحلة الإصلاح التشريعي
حافظ العثمانيون على المركز القانوني لغير المسلمين في الإمبراطورية العثمانية، بوصفهم رعايا غير مواطنين، وملزمون بدفع الجزية لقاء كفالة خصوصيتهم في العبادة وقضايا الأحوال المدنية. لكنه مع ولادة الحركة النهضوية الثقافية التركية، بفعل التعرف على ما وصلت إليه أوروبا من خلال البعثات الدراسية، وبسبب ضعف السلطة العثمانية حيث عاد الغرب يسميها “الرجل المريض”، ومع تعاظم الدور السياسي الأوربي، وتأثيره على السياسات الداخلية للعثمانيين والدول العربية أيضا كما سنتطرق له لاحقا، انطلقت مرحلة الإصلاح التشريعي في محاولة للحاق بركب الحضارة الغربية وانقاذ الإمبراطورية العثمانية حيث صار واضحا أن ضيق آفاق التعددية حرية العقيدة والمذهب مع اتساع جغرافية السلطة العثمانية والتنوع العرقي والديني الذي كانت تعرفه الإمبراطورية سيكون الباب الذي سيدخل منه الغرب لتمزيق وتقسيم وتوزيع الإمبراطورية العثمانية أو الرجل المريض.
التنظيمات العثمانية
في العام 1839 صدر ما عرف بالتنظيمات العثمانية، التي تضمنت إعادة صياغ نظام الملل. فنصت على “تأكيد المساواة بين جميع قاطني الدولة العثمانية أمام القانون، وبوجه خاص، تحقيق المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، بهدف القضاء على حواجز الملل وتوفير الإخاء بين كل الرعايا العثمانيين”. لتجنب الانشقاقات والثورة على الحكم العثماني. ثم في العام 1856 صدر تعديل آخر أضاف أحكام أخرى مثل، إلغاء نظام الالتزام، وتطبيق الخدمة العسكرية على المسلمين وغير المسلمين، وعدم تطبيق عقوبة الإعدام على المرتدين عن الإسلام الخ…،”. في العام 1869 صدر قانون الجنسية العثماني الذي نص في مادته الثامنة على أن “يطلق لقب عثماني على كل فرد من التابعية العثمانية بلا استثناء، من أي دين أو مذهب”، ثم المادة العاشرة “حرية الشخص مصونة”. في العام 1876 صدر القانون الأساس العثماني أو المشروطية الأولي (الدستور العثماني)، الذي عُلق تنفيذه حتى العام 1908، وهو ما عُرف بالمشروطية الثانية.
وكما نعلم أتت هده الإصلاحات بعد فوات الأوان وبعد تكريس الفكر المتعصب في الهوية العربية والتي ورثناها بدون نقاش ولا مجال للإصلاح.
ب. تعزيز الوحدة القومية العربية بين الطوائف المختلفة
شكلت حملة نابليون بونابرت على مصر 1802، بالنسبة إلى العالم العربي، أول احتكاك بالفكر الأوربي المتشبع بأفكار الفلاسفة الاغريق وأحفادهم مفكري عصر النهضة الأوروبية إضافة الى أفكار سبينوزا وغيرهم من المفكرين والفلاسفة الغربيين. انتجت هذه الحملة لدى مواطني الدولة العثمانية صدمة ووعي بالفارق الحضاري بينهم وبين المجتمع الغربي.
صدمة العرب
بعد فشل حملة البونابرتي وخروج فرنسا، تولى محمد علي باشا الحكم وسعى إلى تأسيس دولة وهوية قوية. فبادر قبل غيره في العلم العربي بإرسال البعثات التعليمية إلى فرنسا للتعرف على الحضارة الأوربية والتعلم منها. كما نادى رفاعة الطهطاوي بالإصلاح الديني، وبحرية المجتمع، وبحقوق الفرد، وبمبادئ العدالة، والمساواة.
فيما بعد تصاعدات دعوات الإصلاح الديني وتحرير العقل وتحكيمه، والابتعاد عن البدع مع الشيخين الأفغاني ومحد عبده، اللذين دعيا إلى مواجهة سلطة الخديوي في مصر والتخلص من الاحتكار والاستعمار الفكري والسياسي. خلال المرحلة التاريخية ذاتها، برز عبد الرحمن الكواكبي في سورية، أحد أهم دعاة التحرر والإصلاح الديني في الشام والعالم العربي بصفة عامة.
إقرأ أيضًا: الدول العربية الأكثر قدرة على احتواء التنوع الديني
النهضة العربية
اتفقت أكثرية مفكري عصر النهضة على أن النهوض بالأمة يجب أن يستند إلى الإصلاح الديني، وأن أهم أسباب الحضارة الغربية الحديثة هي التزامها بالتعليم والمبادئ التي أمر بها الإسلام، والكل يذكر مقولة الشيخ محمد عبده بعد زيارته إلى لندن أنه قد رأى “إسلاما بلا مسلمين” في حين أن قومه “مسلمون بلا إسلام”.
في القرن العشرين قدم عميد الفكر العربي المعاصر الدكتور طه حسين رؤيته الفريدة والجديدة عن العالم العربي بتبني المذهب الديكارتي النقدي. لاقت أفكاره مقاومة شرسة من المؤسسة الدينية في مصر والعالم العربي بصفة عامة.
لم تتوقف الانتقادات عند حدودها الفكرية، بل تجاوزت ذلك لتكون حملات تشهير وتكفير بحقه. وكما قيل عنه:
“يرى العميد أن العقل الإنساني واحد، ليس شرقيًا ولا غربيًا، وأن المنهج النقدي الديكارتي والتنوير العقلاني يصلحان لكل الشعوب، لأن الإنسان هو الإنسان في كل مكان وزمان، وما الاختلافات التي نراها إلا نتيجة الأوضاع المختلفة التي خضعت لها المجتمعات.”
كما كان لجداتنا من النساء العربيات دور مهم في النهوض بالهوية العربية والمطالبة بالحرية والتعددية كما جاء في مذكرات السيدة الفاضلة هدى شعراوي في مذكراتها:
“كان صوت النهضة النسائية الصاعدة في مصر قد بدأ يحقق صدى طيبًا بالنسبة للمرأة العربية في كل البلدان الأخرى، وكان من مظاهر ذلك أن قام المجمع النسائي العربي في بيروت، الذي يضم نساء لبنان وسورية وفلسطين، بعقد اجتماع في أكتوبر ١٩٢٩ قرر فيه عقد مؤتمر نسوي عام في الربيع المقبل بمدينة دمشق، وذلك للنظر في حالة المرأة، وإحياء آداب اللغة العربية، وترويج المصنوعات الوطنية، وتعزيز الوحدة القومية بين نساء الطوائف المختلفة، وتعليم الفتيات وتهذيبهن لرفع مستواهن“
من مذكرات هدى شعراوي الفصل الثاني والأربعون, لربما كانت السيدة هدى شعراوي رائدة القوميين العرب والنهضة العربية المعاصرة دون ان تعلم.
وللأسف لا يتيح الوقت المخصص لهذه المداخلة الإشارة إلى مفكري عصر النهضة جميعهم نساء ورجال، ولا تناول مراحلها التاريخية كلها. وإذ تناولت عمدا بعضًا من المفكرين، فإن الهدف هو تبيان أبرز التيارات الفكرية بخصوص قضية حرية العقيدة التعددية التي ليست بجديدة على المنطقة العربية بصفة خاصة العالم الاسلامي بصفة عامة لكوننا نسيج من القوميات العرقية والمذهبية.
خلاصة:
هذا فيما يخص القوانين وتاريخ مفهوم حرية المعتقد والعقيدة لو كان هناك مجال لتطرقنا لها بعمق لكن لفهم الوضع الحالي كان من اللازم العودة لتاريخ المفهوم وتطوره في مجتمعاتنا العربية ومدى تأثير العوامل الخارجية على الشأن العربي وخاصة في مفهوم حساس مثل حرية العقيدة وكما سردنا التأثيرات لربما كانت إيجابية كما تم استعراضنا للتيارات الفلسفية الثورة الفرنسية الفلاسفة العرب والمسلمين و القوانين العثمانية في نهاية السلطنة العثمانية التي أتت بعد فوات الأوان والقانون الفرنسي وحركة القوميين العرب او النهضة العربية….الخ للأسف هناك ايضا تطورات سلبية مثل القوانيين العثمانية في بداية عهد السلطة العثمانية في المنطقة العربية والتطورات الأخيرة من تطرف دمر كل شيء جميل في الدول العربية والاسلامية من تطرف طائفية مقيتة بل ترك وجه المنظومة العربية كوجه الجميلة المشوه بوسمة عار.
بروز تيارات خلفت ما عاد يسمى بعهد داعش والغبراء تركنا كمجتمعات نعاني من صدمة تاريخية من الصعب تجاوزها ويبقى السؤال كيف حصل ذلك وهل من الممكن ان نواجه تطرفا وحشي مماثل يلغي كل تعددية وتنوع في المنطقة العربية.
ويطرح ذلك سؤالاً حاسماً لكم انتم كصحفيين مؤثرين على الراي العام: من الذي يمكن القيام به كمسؤولية تاريخية امام اجدادنا واحفادنا لمقاومة التطرف الديني المنطقة وتعزيز حرية الاعتقاد والعقيدة؟
خاتمة
وختامه مسك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا اكراه في الدين.
وللأسف وكما عاصرنا وشاهدنا بأعيننا بطش داعش والغبراء بالأقليات الدينية والعرقية من يزيدين مسيحيين أكراد كاكائيين..
بالعراق والشام باسم الإسلام والمسلمين والعرب وكما نعلم جمهور المثقفين خاصة الشباب من أمثالكم: الإسلام والمسلمين بريئين من تلك الجرائم في حق الإنسانية جرائم شوهت الهوية العربية والإسلامية وأضحت وسمة عار يصعب أو يستحال التخلص منها.
بل ان العرب والمسلمين كانوا من أول ضحايا تلك التيارات الجهادية النابعة من عمق ظلام التخلف الانغلاق التطرف ورفض التعددية.
كما أننا مثلكم نلاحظ أنه في الوقت الحالي، الدول نفسها الإسلامية الرائدة التي تسعى إلى الإصلاح الديني لا تتصدى بكفاية للتشويه المتأصل لصورة الطوائف وهذا بحد ذاته فشل وغياب ملحوظ للمناقشة حول آثار الطائفية ومساهمتها في التطرف العنيف وتكتيف حرية العقيدة وغياب التعددية.
ولا يغيب عنكم ان أغلب الجهاديين العابرين للحدود الوطنية، حيث إنّ أعمالهم العنيفة غير المتناهية وتجاوزاتهم في حق الانسانية تنمو وسط هذه المجموعات المتطرفة التي صارت تسيطر على المشهد الديني من مشارق الوطن العربي لمغاربه. فالمؤسسات الدينية في جل الدول الاسلامية تتجاهل الواقع المعاصر سعيا للحفاظ على سيطرتها حيث أن سلطتها المؤسسية وصلاحياتها مستمدة إلى حد كبير من استمرار احتكار تفسير أحكام الشريعة وكم يذكر اليوم بالأمس وبحكاية الرجل المريض لو تذكرون هذا التوجه والتجمد أضر بالمجتمعات الإسلامية أكثر ما ساعدها على التقدم والتعايش مع بعضها ومع العالم الخارجي.
وكما يشهد التاريخ فشل الإصلاح الديني مشكلة عانت منها المجتمعات العربية والإسلامية عبر العصور. وإلى جانب افتقاد الاخوة في العالم العربي والاسلامي هناك عجز ملحوظ ومستمر في تقدّم مجال حقوق الإنسان في معظم الدول العربية والاسلامية وهو في حد ذاته عامل أساسي يساهم في التطرف الطائفية ونتيجته فشل تعزيز حرية العقيدة والتعددية.
خلاصته وكب والتعددية الدينية والعقائدية والإصلاح نهج طويل الأمد بالعالم العربي والاسلامي لما استعرضناه من عوامل تاريخية اجتماعية الخ….
التوصيات
- تشجيع الوعي المدني والتعددية الدينية
- تعزيز مفهوم المواطنة
- دعم المزيد من الفكر الديني المعتدل
- دعم المرأة والفات المهمشة
- السمو بالوعي الفكري والنقدي
- فتح المجال للحوار المتمدن مع احترام خصوصية الجميع
- مواصلة التفاعل مع المؤسسة الدينية بطريقة بناءة لإدخال الإصلاحات
- دعم النداءات الناشئة التي تدعو إلى الاعتدال الديني داخل المجتمع المدني بتعزيز التسامح فيما بين الأديان، المذاهب، روح الاخوة..
وليتنا نسموا لمستويات طه حسين، هدى شعراوي، ابن الرشد، ابن خلدون، ابن بطوطة، وما شبه من أجدادنا من بادروا بالانفتاح. من جعلونا نفتخر بعروبتنا وانتمائن.
وأعانكم الله عز وجل في مسؤوليتكم النبيلة بنشر العلم والثقافة بكل صدق وأمانة لما فيه خير أمتنا.
أنتم شباب اليوم ورواد المستقبل.
شكرا
أمل حميدالله
مؤسسة الخليج
04-08-2021
..
كانت هذه المداخلة عن التعددية الدينية، خلال برنامج تدريبي للمنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني.
للمزيد عن التعددية الدينية يمكن الاطلاع على الفرق بين التنوع الديني والتعددية الدينية من خلال النقر هنا.
التعليقات مغلقة.