خلافاً لما يأمل المثاليون فالأصل على ما يبدو في الحروب والنزاعات المسلحة المعاصرة هو استهداف المدنيين بشكل متعمد.
ما يعانيه العالم من نزاعات مسلحة أثبتت أن استهداف المدنيين في كثير من الأحيان يشكل أحد عناصر الحرب واستراتيجياتها.
القصف الممنهج بالأسلحة المتطورة أدى إلى ازدياد أعداد الضحايا المدنيين وخاصة الأطفال والنساء وهذا ما رأيناه في النزاعات المسلحة. رغم ذلك نرى العالم بأسره يقف موقف المتفرج والمؤيد في كثير من الأحيان بحجة القضاء على الإرهاب.
الجهود الدولية في حماية الأطفال في النزاعات المسلحة:
أنشأت اتفاقية حقوق الطفل آلية دولية هي لجنة حقوق الطفل لتقوم برصد تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل من جانب الدول الأطراف.
ترصد أيضًا تنفيذ بروتوكولين اختياريين للاتفاقية متعلقين بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة وببيع وبغاء واستغلال الأطفال في المواد الإباحية.
في 19 كانون الأول/ديسمبر 2011، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكول اختياري ثالث متعلق بإجراء تقديم البلاغات. يسمح البروتوكول بتقديم شكاوى بخصوص انتهاكات معينة لحقوق الأطفال المقررة بموجب الاتفاقية وبروتوكوليها الاختياريين الأولين. دخل البروتوكول حيز النفاذ في نيسان/أبريل 2014.
الدول الأعضاء في البروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في المنازعات المسلحة.. مُلزمة بتقديم تقارير دورية إلى لجنة حقوق الطفل بشأن كيفية تنفيذ المعاهدة. وتتولى اللجنة تدارس كل تقرير وتوجه شواغلها وتوصياتها إلى الدولة المعنية.
جهود دولية أخرى
- الاستعراض الدوري الشامل وهو عملية استعراض لسجلات حقوق الإنسان بالنسبة لأعضاء الأمم المتحدة كافة كل أربع سنوات. يقدم مكتب الأطفال والنزاع المسلح بصورة منتظمة مدخلات تتصل بحالة الأطفال من أجل هذا الاستعراض في بلدان شتى.
- الإجراءات الخاصة -أي المقرّرين الخاصين والخبراء المستقلين.. مكلفين من جانب مجلس حقوق الإنسان بعملية الرصد والإبلاغ فيما يتصل بحالات حقوق الإنسان.. سواءً في بلدان محدّدة أو فيما يتعلق بالقضايا المواضيعية. هؤلاء الخبراء كثيراً ما يقومون بتسليط الأضواء على الشواغل المتعلقة بالأطفال والنزاع المسلح في تقاريرهم.. كما يدعون إلى حماية حقوق الأطفال.
هناك أيضًا إسهامات أخرى مثل:
- دور الأمم المتحدة في الحد من تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال من خلال مجلس الأمن ذو الصلاحيات الواسعة الممنوحة من ميثاق الأمم المتحدة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين.
- لجوء منظمة الأمم المتحدة إلى إدماج حماية الأطفال في عمليات حفظ السلام من خلال مفاوضات السلام يعتبر من الملامح الحديثة في إطار نظام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان.
- الدور الرائد للهيئات الدولية المعنية بحماية الأطفال في القانون الدولي الإنساني كاللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تساعد ضحايا النزاعات.
أهم التحديات التي تواجه تطبيق الآليات الدولية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة:
تعاني الآليات الدولية في حماية الأطفال أثناء الحروب والنزاعات المسلحة ضعف من حيث إلزام الدول بتفعيلها. نرى ذلك جلياً من خلال النقاط التالية:
- إعمال الآليات الرقابية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة تتوقف على إرادة الدول، ولا يتصور أن تقوم دولة بانتهاك القانون ثم توافق على إعمال الآليات الرقابية عليها، حتى أن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق تستلزم إعلاناً خاصاً من الدول بقبول اختصاصها.
- منظومة القانون الدولي الإنساني بآلياتها تعتمد وتعول في الكثير من تنفيذ أحكامها على الدور الأساسي للحكومات الوطنية في توفير الحماية والإغاثة لجميع الأطفال المتضررين من النزاع المسلح دون أن ترتب التزام حقيقي يفرض على الدول التنفيذ.
- عدم التزام الدول الأطراف بتضمين التشريعات الوطنية لعقوبات جنائية تتناسب وحجم الجرائم والانتهاكات الجسيمة كآليات عقابية لأنه وبغير النص على عقوبات لهذه الجرائم تظل الاتفاقيات وآلياتها عاجزة عن التطبيق.
- عدم التزام الدول الأطراف بترسيخ مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي والذي يقع على عاتق جميع الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف من أجل أن تكون هناك مسؤولية تضامنية بينها لإعمال عنصر الجزاء اللازم لقمع الانتهاكات الجسيمة، فأغلب الدول لم تجري التعديلات في التشريعات الداخلية بما يلزم لإنفاذه، كما أن الاعتبارات السياسية نالت من فاعلية هذا المبدأ.
من التحديات أيضًا…
- مبدأ السيادة الذي تتغنى به الدول وعدم التزامها بالتصديق على اتفاقية نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
- عدم التزام الدول الأطراف بقبول خدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ترسيخا لمبدأ حق المبادرة الإنسانية في ظل النزاعات المسلحة وخاصة غير الدولية.
- عدم التزام الدول الأطراف بالآليات الوقائية والتي تتضمن نشر أحكام القانون الدولي الإنساني والتعريف به وإعداد عاملين مؤهلين بهدف تسهيل تطبيق القانون الدولي الإنساني واعتماد تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة .
- عدم التزام الدول الأطراف بنظام الدولة الحامية التي يعهد إليها باختصاصات رقابية في مجال القانون الدولي الإنساني وأهم إشكالية تعترض تنفيذ هذه الآلية مبدأ سيادة الدول.
- عدم التزام الدول الأطراف في وضع حد للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والجرائم الشنيعة الأُخرى المرتكبة ضد الأطفال.
- عدم التزام الدول الأطراف بإعداد وتنفيذ خطط عمل عملية ومحددة زمنيًا لوقف تجنيد الأطفال واستخدامهم في انتهاك للقانون الدولي الإنساني.
- عدم الالتزام بوضع برامج فعالة لنزع سلاح الأطفال وتسريحهم وإعادة إدماجهم، بالاستفادة من أفضل الممارسات التي حددتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة وغيرها من الجهات الفاعلة المعنية بحماية الطفل.
توصيات لحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
- يجب على الدول الأعضاء الالتزام الفعلي بتفعيل الآليات الرقابية الدولية لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة. وعدم الاكتفاء بالقبول الشكلّي لهذه الآليات.
- ينبغي أن تُعَزَّز التشريعات الوطنية من خلال إدخال عقوبات جنائية تتناسب مع حجم الجرائم والانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. يجب أن يُلزم كل دولة بتنفيذ هذه العقوبات بفعالية.
- يجب على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف تفعيل مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي.. لضمان أن كل دولة تكون مسؤولة عن محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال. وتطبيق مبدأ المسؤولية التضامنية بين الدول.
- ينبغي تعزيز التوازن بين مبدأ السيادة الذي تتمسك به الدول وبين ضرورة التزامها بالقوانين والاتفاقيات الدولية.. مثل اتفاقية نظام روما التي تنشئ المحكمة الجنائية الدولية.
- يجب على الدول الأطراف في النزاعات المسلحة قبول دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر وضمان حق المبادرة الإنسانية. خاصة في النزاعات غير الدولية.
- يتعين على الدول الأطراف وضع آليات وقائية تتضمن نشر أحكام القانون الدولي الإنساني. وتدريب العاملين المتخصصين في هذا المجال لتيسير تطبيقه في الميدان.
- يجب تعزيز دور الدولة الحامية في الرقابة على تنفيذ القانون الدولي الإنساني، مع مراعاة احترام مبدأ السيادة الوطنية.
- يجب العمل على إنهاء الإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الأطفال، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
- يجب على الدول الأطراف إعداد وتنفيذ خطط عمل محددة الزمن لوقف تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة. والعمل على إعادة إدماجهم في المجتمع.
- يتعين على الدول تنفيذ برامج فعّالة لنزع سلاح الأطفال المجندين، وتسريحهم، وإعادة تأهيلهم بشكل مناسب. مع الاستفادة من أفضل الممارسات التي حددتها الأمم المتحدة والهيئات ذات الصلة.