الحرب في اليمن وحكاية تاريخ من الكراهية

الحرب في اليمن لم تكن وليدة العام 2014، أو الحروب الست، لكنها حكاية تاريخ من الكراهية. تم توارثها عبر الأجيال، تعرفوا عليها من هذه القصة

قصة الحرب في اليمن

كان يا ما كان، وطن متنوع المذاهب والأديان اسمه اليمن.

عاش لفترات طويلة من تاريخه في تعايش وتناغم وانسجام.

وكان أبناءه باختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية، يشكلون نسيجًا وطنيًا واحدًا، عصيا على الانقسام.. لكن الأشياء الجميلة لا تظل على الدوام.

 

هناك مذاهب كثيرة في اليمن ولكن ينتمي أغلبهم إلى المذهبين: الشافعي، والزيدي.. وحكايتنا تدور حول المعارك بين أتباع هاذين المذهبين الذين حكموا اليمن فترات متفرقة، حتى الإعلان عن قيام المملكة المتوكلية الهاشمية والتي حكمها أتباع المذهب الزيدي وسقطت عام 1962 بثورة شعبية.. وأعلن عن قيام الجمهورية العربية اليمنية والتي أسست لنظام اجتماعي خالٍ من التفرقة الاجتماعية.. لكن الأشياء الجميلة لا تظل على الدوام، فخطابات الكراهية استهدفت أتباع المذهب، وصفتهم ب “الملكيين” و “أصحاب مطلع” و “عكفي – وهو مصطلح يطلق على عسكري الإمام، كان معروف عنه أنه ظالم، يتصرّف مع الناس بقسوة”.

 

قصة الحرب في اليمن


 

1990 النواة الأولى للحرب الأخيرة

في بداية التسعينيات كانت الحالة السياسية في اليمن تسمح بإنشاء الأحزاب السياسية بشكل علني. أسس أتباع المذهب حزب الحق؛ للعمل بشكل سياسي على استعادة حكمهم.. فيما تبنى عدد من أتباع المذهب المتدينين فكرة إحياء المذهب الزيدي عبر تأسيس تنظيم شبابي أطلقوا عليه اسم (تنظيم الشباب المؤمن) مقره صعده.. وهي منطقة كثيفة بأتباع المذهب الزيدي.

هذا التنظيم بدأ نشاطه بشكل ديني بحت. من جهة لنشر تعاليم المذهب الزيدي، ومن جهة لمواجهة الدعوة السلفية التي كانت قد وصلت حتى مدينة صعدة؛ عندما قام الشيخ السلفي مقبل الوادعي بتأسيس مركز عقائدي نقيض للزيدية، شرق المدينة وهو دار الحديث.

 

قام تنظيم (الشباب المؤمن) بإنشاء مراكز صيفية تهتم بتدريس العلوم الدينية والشرعية للمذهب الزيدي، لكن حسين بدر الحوثي قام وبدون موافقة مؤسسي التنظيم بإقحام العمل السياسي والعسكري في المراكز الصيفية.

 

كان زعيم الجماعة رجل سياسي، أسس بمعية آخرين حزب الحق، نال باسمه مقعدًا في أول مجالس النواب تشهدها اليمن بعد أول انتخابات ديمقراطية عام 93، لكنه بعد انتهاء الدورة البرلمانية، أعلن عدم ترشحه في الانتخابات، وتفرغه للنشاط في تنظيم الشباب المؤمن والذي كان قد نال شهرة وانتشارا واسعين.

 

تأثر الدارسين بالمراكز الصيفية وعدد من أتباع تنظيم الشباب المؤمن بطرح حسين الحوثي، وبدأوا بترديد شعاره الذي يدعو للموت لأمريكا وإسرائيل ويلعن اليهود، فتميزت هذه الجماعة عن غيرها بأنها جماعة الحوثي كحركة دينية سياسية، أطلقت على نفسها لاحقًا اسم أنصار الله وهم من الناحية الدينية جماعة تؤمن بالإمامة الهادوية، والامامة الهادوية هي فرقة زيدية تنتسب إلى الامام الهادي يحيى الرسي. تؤمن بأن إمام المسلمين يجب أن يكون مُختارًا من الله، وأن يكون من بيت آل النبي محمد ومن نسل الحسن والحسين ابنّي فاطمة الزهراء.

النواة الأولى لحرب اليمن


 

بداية الحروب الست

بدأت الحروب الست ورافقها خطابات كراهية متوارث ومتصاعد، توقفت أولى الحروب بعد إعلان مقتل زعيمها الذي كان مقتله خسارة كبيرة لأتباعه، فهو الأب الروحي لهم، لذا عيّنوا أخوه عبدالملك خلفًا له والذي دشن خمسة حروب انتقامية تحوّلت إلى رأي عام دولي وتدخلّت فيها دول جوار.

 

توقفت الحرب لكن الحرب الكلامية لم تتوقف، بل توسعت في وسائل الإعلام وأدت إلى مزيد من الانقسام، وفي أواخر العام 2010، كانت اليمن تشهد احتجاجات شعبية وسياسية ضد نظام الحكم، هذه الأحداث كانت فرصة ليعلن الحوثيين عن وجودهم السلمي في ساحات الاعتصام التي تطالب برحيل النظام، لكن خطابات الكراهية كانت وقود لمعارك غير المسلحة حدثت داخل الساحات بين أتباع جماعة الحوثي، ولجان تنظيمية يتحكم بها حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو حزب ديني سني. استمرت الخلافات وتوسعت حتى وصلت إلى مؤتمر الحوار الوطني، وهو لقاء لمناقشة القضايا الوطنية من أجل حل الأزمة السياسية في البلاد، لكن الأحداث تصاعدت، حتى اندلعت حرب أهلية بطابع ديني، انقسم فيها الجميع.

 

حينها خفتت أصوات المحبة، وبرزت أصوات الكراهية، واتهم العاملون في حقل السلام بأنهم حمقى ومتواطئون، بينما تكرّس مفهوم القتال وكراهية الآخر كمصطلح يتم التسامح والتصالح معه، وانتشرت الحكايات في المدارس حول مدى شجاعة وقوة المقاتلين الذين يقتلون أخوتهم في الدين، وشركائهم في الوطن، وأقرانهم في الجنس البشري وها نحن الآن ندفع الثمن، ثمن الاختلاف الذي لم ننظر له بمحبة، بل بعداء، وهذا العداء سيتحول يومًا إلى وقود لحرب جديدة، وهكذا سنظل في دوامة حروب، ما دُمنا غير قادرين على العيش معًا بسلام.

الحروب الست

 


 

الدروس المستفادة من الحرب في اليمن

هذه هي حكاية الحرب في اليمن التي قامت على عدم فهم كل طرف للآخر.. وصنعت انقسام مجتمعي وصراع ممتد لسنوات.. غرست أحقاد في قلوب الجميع وإزالتها سيحتاج إلى وقت طويل وثمن باهض. كما غرست وقود لصراع قادم بملامح طائفية بارزة، مالم ينهض الجميع، ويبدأوا في غسل قلوبهم بالمحبة.. وإزالة الستار الذي يحجب عن أعينهم رؤية الحقيقة.

 

الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها الجميع، أننا مخلوقات اجتماعية، خٌلقنا للتعارف وليس للتعارك.. لإعمار الأرض وليس لنشر وتوارث الكراهية.. وإن عبادة الله، لا تستوجب تصعيد الاختلافات الدينية، ولا التركيز على اختلاف الآخر وتبادل الاتهامات. عبادة الله ليست رغبة في السيطرة على الناس بالقوة، إنها طريق نحو حب المولى.. ولكلٌ يلجأ إلى دليله ليرشده الطريق.

 

قد لا يبدو أن هناك أفقًا للحل، ففي كل يوم يزداد خطاب الكراهية اتساعا ومساحة حتى أصبح متجها للعالم أجمع.. ولكن طالما هناك قلوب تنبض بالمحبة، فدورها أن تعمل من أجل وقف هذا العبث.

 

لقد تعلمنا من قصة الحرب في اليمن أن انخراطنا في خطابات الكراهية، لابد أن يرتد علينا يومًا ما.. فلكل فعل، ردة فعل، وتعلمنا أن السكوت في وجه العنف، هو مشاركة فعلية فيه.. وأن تأييد طرف على آخر، هو مساهمة في زيادة الانقسام المجتمعي وهو التضحية بمستقبل أطفالنا.. فلا يمكن للعنف أن يخلق سلامًا، ولا يمكن للأحقاد أن تنطفئ وسط الرماد، طالما ما تزال خطابات الكراهية تنفخ فيها.

الحرب في اليمن

 


 

المصادر

(1) انقر هنا

(2) انقر هنا

(3) انقر هنا

(4) انقر هنا

(5) انقر هنا

(6) انقر هنا

(7) انقر هنا

(8) انقر هنا


تم كتابة هذه القصة ضمن مشروع حكايات شهرزاد الذي يعمل على تأريخ الصراع وروايته من زاوية دينية. 

يمكنكم قراءة كتاب حكايات شهرزاد من هنا كتاب حكايات شهرزاد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.