مقدمة
في 1999 صدر، في اليمن، قانونًا للزكاة، حدّد خُمس ريع الركاز والمعادن كجزء من موارد الدولة بهدف مساعدة المحتاجين وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن مفهوم العدالة الاجتماعية المنقوص أساسًا، اضمحل كثيرًا بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين عام 2015.
البلد الذي يُعاني من أزمات متراكمة، أبرزها أزمة إنسانية وضعت اليمن كأسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ لم يكتفِ أنه أصبح مٌقسّمًا بين حكومتين وعملتين وشعبين ومساحتين جغرافيتين، بل فوجئ مؤخرًا بتقسيم جديد يقوم بتصنيف الناس على أساس الانتماء للنسب! إذ أصدر الحوثيون، لائحة تنفيذية لقانون الزكاء، فارضين جزءً كبيرًا من خُمس مصارف الركاز والمعادن لبني هاشم!
وبنو هاشم “أو الهاشميون” هم قبيلة عربية عدنانية، إحدى فروع قبيلة قريش، ويطلق عليهم آل البيت، وينتسب إليهم محمد بن عبدالله رسول الإسلام (ص). ([1]) والانتساب إلى بني هاشم لا يعني الانتساب للنبي (ص)، لأن النبي لم يكن له ذرية من أبنائه.
وعبر التاريخ الإسلامي، أعلن الكثير عن انتسابه لآل بيت النبي محمد (ص)، لكن ذلك لم يكن بداعي التجميل للواجهة الاجتماعية، بل كثيراً ما كان ذريعة لطلب الحكم، أو تثبيت الأقدام في مواقع السلطة لسبيين:
- الأول كمحاولة لاستقطاب التيار الواسع من القائلين بأحقية آل البيت في الحكم؛
- والآخر لاستغلال ما يعتقد البعض، بغض النظر عن مذاهبهم الدينية، بعصمة أئمة آل البيت عن الوقوع في أخطاء الحكم من ظلم وفساد.
وبمثل هذه الادعاءات نشأت نماذج تقوم بادعاء النسب، بغية الوصول للسلطة، بل صار منهجًا يًستخدم حتى يومنا هذا مثل انتساب علي بن محمد لآل البيت في بعض مناطق العراق أثناء الخلافة العباسية ما تسبب في اندلاع ثورة الزنج سنة 869، والفاطميين الذين قام حكمهم على إعلان الانتساب لآل البيت، ومبرر تولي السلطة من قبل الأدارسة، ([2])، والحكم الامامي في اليمن، وحالياً في دولة الأردن والمغرب العربي.
ولغرض استعادة مجد الأجداد، وتحت ذريعة النسب الشريف، يقدم الحوثيين على ترسيخ مفهوم أنهم ينتسبون لبني هاشم بغية الحصول على واجهة اجتماعية وتأثير سياسي فيما يتعلق بتولي السلطة.
وتهتم هذه الورقة البحثية بتوضيح قضية الخُمس حيث تقوم بإزاله اللبس الحاصل في مفهوم بني هاشم، وأحقيتهم في هذا التخصيص، والآثار التي قد تنجم عنه، وتداعياته على المدى الطويل.
الإشكالية
صدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى لحكومة الأمر الواقع (الحوثيين) رقم (48) لسنة 2020م بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة رقم (2) لسنة 1999م وتعديلاته بتاريخ 29 إبريل 2020م، فارضا حقوق اقتصادية لفئة بني هاشم بصورة تمييزية عن بقية المواطنين ضمن مصارف الركاز والمعادن، ما أحدث سخطًا شعبيًا ظهر بشكل جلى في وسائل التواصل الاجتماعي، وأجج من مشاعر الحقد والكرة تجاه هذه الفئة، وأبرز الأهداف المستورة لحركة انصار الله التي يدير محورها السياسي ما يسمى بني هاشم، وسبق هذه القانون حركة التعيينات الواسعة للهاشميين في كل مفاصل الدولة، وعلى رأس هرم مؤسساتها، حتى أن كثير من مرافق الحكومة ساد فيها العرق الهاشمي كل المناصب القيادية.
كل ذلك، وما زال اليمن يعاني من ويلات الحرب، ووضعًا اقتصاديًا صعبًا ونسبة فقر وبطالة تجاوزت كل الحدود، في ظل انقطاع مرتبات الموظفين واشتعال جبهات القتال التي وقودها فئات من كل شرائح المجتمع اليمن، وليس الهاشميين فقط.
نتوقع زيادة انغلاق فئة الهاشميين على نفسها عن بقية الفئات، لضمان المحافظة على هذه الحقوق، وتنقية النسل، وترسيخهم لفظ السيد على الهاشميين الرجال ثم الشريفة لاحقا على النساء، والتي لم تكن على زمن الرسول (ص) ولم تقال لأهله المقربين.
كانت ثورة 26 من سبتمبر قد حددت حقوق متساوية بين المواطنين، وألغت تسمية السيد والعبد، لكن اصدار اللائحة التنفيذية -وبلا شك- سيأجج نسبة الكره والحقد بين فئة الهاشميين وبقية الفئات، بل سيتوسع النزاع داخل الهاشميين، خاصة بعد تعريف مسمى بني هاشم، والحاجة الى إصدار شهادات اثبات نسب، وقد يصل الأمر في أقصى درجاته استخدام فحص الحمض النووي (DNA)، والذي قد يؤكد نسب البعض ويصدم البعض الآخر من قيادات الهاشميين بزيف الادعاء. بالإضافة إلى بروز السياسات المخفية إلى العلن، وتقنينها، بالتالي إيجاد شرخ مجتمعي كبير، كان الناس قد بدأوا في مراحل التعافي منه، في ظل الانفتاح على العالم تحت راية أهداف الجمهورية ومبادئ الإسلام والأخلاق العامة والقوانين والمواثيق المحلية والدولية.
تحايل على القانون
حدد قانون الزكاة اليمني رقم (2) لسنة 1999م مصارف الزكاة في ثمان مصارف ضمن المادة رقم (25) وهي: الفقراء، المساكين، العاملين عليها، المؤلفة قلوبهم، في الرقاب، الغارمون، في سبيل الله، أبن السبيل. وجاء ضمن المادة رقم (26) أن تحدد اللائحة التنفيذية نسب الصرف الخاصة بكل نوع من هذه المصارف في إطار الشريعة الإسلامية.
وفي نفس القانون، ضمن الفصل التاسع المادة (20) نص على وجوب الخمس (20%) في الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض أو البحر، ونصت المادة رقم (21) على أن “تحدد اللائحة التنفيذية ماهية الركاز وأنواعه بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية نوعاً ومصرفاً”. ولم تتطرق لبني هاشم لا من قريب ولا من بعيد ضمن المصارف.
بينما اللائحة التي أصدرتها سلطة الأمر الواقع في صنعاء، حددت مصارف ما يجب في الركاز والمعادن بسته أسهم ضمن المادة رقم (48)، الأول حدد بسهم الله ويصرف في مصالح المسلمين، والثاني سهم الرسول (ص) لولي الأمر وله كل التصرف فيها، والثالث لذوي القربى من بني هاشم الذين حرمت عليهم الصدقة على أن تكون الأولوية في الصرف لفقرائهم، والرابع ليتامى المسلمين بمن فيهم بني هاشم، والخامس لعموم مساكين المسلمين بمن فيهم مساكين بني هاشم، والسادس لابن السبيل من بني هاشم أو غيرهم من سائر المسلمين.
كما حددت نفس المادة في الفقرة (ب) منها أن يصدر رئيس هيئة الزكاة بعد موافقة المجلس الأعلى قرارا بتفاصيل وضوابط ومصارف الركاز والمعادن. وبهذا النص الأخير أتيح الأمر بين الطرفين وبعيدا عن مجلس النواب والحكومة فرض التمييز العنصري لصالح بني هاشم.
والثغرة الأكثر إحراجاً في ذلك، والتي تتجلى معها النية السلبية من قبل قيادة أنصار الله، تمثلت في عدم ورود تعريف لبني هاشم ضمن اللائحة. ورافق هذا التحديد غير الواضح فرض التمييز في لائحة قانون الزكاة من جانبين، الأول تمثل في منح بني هاشم أكبر حصة ضمن مصارف الركاز والمعادن، بتحديدهم كفئة مستحقة بالاسم بدأ من السهم الثالث إلى السهم السادس، بل أن السهم السادس حدد لغوياً لأحد طرفين باستخدام كلمة (أو) بدأ بأبن السبيل من بني هاشم أو غيرهم من المسلمين، ما يدل على منح الطرف الأول دون الأخير.
على كل الأحول، من المهم أن نعرف بأن إيرادات الركاز والمعادن تمثل أكبر إيرادات للدولة، حيث تصل إيرادات النفط إلى ما يقارب 72% من الإيرادات العامة خلال العام 2011م، ([3]) وضمان هذا الحق لبني هاشم يهدف إلى جعلهم في حالة اقتصادية مرتفعة، ومن الطبيعي أن تتجلى آثار هذه السياسة في ضمان حياة اقتصادية وتعليم وصحة…الخ لهم بصورة تحيزيه.
وبالارتكاز على التشريعات السابقة، تحايلت سلطة الأمر الواقع على المواطنين من خلال صلاحية رئيس الجمهورية المحددة في الدستور المادة رقم (119) القاضية بإصدار القوانين التي وافـق عليها مجلس النواب ونشرها، وإصدار القرارات المنفذة لها. والمادة (120) التي خولت رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح الوزير المختص وبعد موافقة مجلس الوزراء بإصدار القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وتنظيم المصالح والإدارات العامة، على ألا يكون في أي منها تعطيل لأحكام القوانين، أو إعفاء من تنفيذها وله أن يفوض غيره في إصدار تلك اللوائـح والقرارات، ويجوز أن يعين القانون من يصدر اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذه.
وعلى هذا الأساس، قام رئيس المجلس السياسي الأعلى بإصدار اللائحة، والأهم في هذا الأمر، أن دستور الجمهورية اليمنية نص في المادة (41): “المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة.” ([4]) بذلك، فإن ما ورد من تمييز في لائحة قانون الزكاة يعتبر مخالفة صريحة لنص من نصوص الدستور من قبل رئيس المجلس السياسي الأعلى، ويعتبر انتهاك له، بتوفر الركن المادي والمعنوي واستخدامه القوة وبطريقة غير مشروعة، بمحاولته إحلال سلطة طبقية جديدة تتفق مع مصالح دول أخرى تسعى إلى زعزعة أمن وسلامة البلاد والمواطنين. ([5]) وهذا ما يوجب المسائلة والعقوبة بموجب القانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات. ([6])
وأكثر من ذلك، أن القواعد القانونية لا تجيز وضع لائحة تخالف القانون في أي مادة من مواد القانون، ولا تفسير أي مادة بما يناقض القانون، لأن القانون أعلى مرتبة من اللائحة، والأهم في ذلك، أن اللائحة خالفت بشكل صريح الدستور، وبالتالي فإن رفع قضية في المحكمة الدستورية من أي طرف كان، ستفضي إلى الغاء مواد اللائحة التي خصصت بني هاشم ضمن المستفيدين من مصارف الخمس.
مخالفة صريحة للتشريعات والمواثيق الدولية
لن ندخل هنا لأعماق التشريعات والمواثيق الدولية وتفاصيلها، لكن من المهم الإشارة إلى أن القواعد العامة في القانون تنظر إلى إشكالية تعارض نص قانوني محلي ومعاهدة دولية، بترجيح كفة المعاهدة الدولية المصادق عليها من الدولة، وهذا ما أكده الدستور اليمني في المادة (6) بأن “تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق جامعة الدول العربية، وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة وتؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة”. ([7])
وبالمرور بشكل مقتضب على الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن، ومنها ميثاق الأمم المتحدة، نجد أن المادة رقم (13) الفقرة (ب)…الإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء. ([8])
وجاء ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) المادة (2) لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر. ([9])
أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1976)، على تجريم التمييز بين المواطنين، حيث ورد في المادة (3) وجوب تعهد الدول المصادقة على العهد ضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد، وحرصت المادة (10) الفقرة (3) على وجوب اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال والمراهقين، دون أي تمييز بسبب النسب أو غيره من الظروف. ([10])
وفي سياق نفس النهج، أقرت بقية الاتفاقات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن حرمة وتجريم التمييز بين المواطنين وفقاً لأي معايير . ([11])
وباعتماد الحوثيين لائحة الزكاة، فإنها تقنن تمييز عنصري ممنهج، مبني على العرق والسلالة، وبالتالي سلب المواطنين وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، ومعاملتهم بمستوى أقل من بني هاشم والتقليل من احترامهم وكرامتهم، وتكرّس سياسة الانقسام والصراع بين الجماعات، ما يتنج عنه انتاج وتأجيج الكُره، ودعم عدم المساواة ضد المواطنين المنحدر من أصول عربية، والأقليات من أصول افريقية، والمهاجرين والمهمشين وفئات أخرى لا تدخل ضمن سلالة بني هاشم، وبما يخالف كل التشريعات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن.
ومن الطبيعي أن هذه الانتهاكات، توجب فتح تحقيق دولي فيما ورد من انتهاج السياسة التمييزية، وإدانة مرتكبيها وتقديمهم للمساءلة والعقوبة الدولية، على هذه الجريمة التي شرعت التمييز بين المواطنين، وتسببت في خرق القانون والمواثيق الدولية، وكل التشريعات السماوية ومبادئ الاخلاق العامة.
تناقض وشعارات زائفة
دأبت حركة انصار الله في الترويج لشعارها الموت لأمريكا…الخ وهو أمر محسوم المضمون في عداوة سياسة الولايات المتحدة وحكومة إسرائيل للمسلمين، ولكل العالم، وفقا لمبدأ البرجماتية، وبالتمعن لعدد الشعارات الكثيرة الصادرة من الحركة، والتي منها خوض حرب ضد الدولة، واسقاط نظام الحكم لغرض شعار تخفيض أسعار البترول، والذي انتهى بعد السيطرة على زمام الحكم من قبلهم، برفع أسعار البترول الى سقف تجاوز الحدود والتوقعات، والتنصل عن صرف مرتبات الموظفين والحشد لجبهات القتال من موارد الدولة، دون الشعور بالمسؤولية تجاه الموظفين خاصة، والمواطنين بشكل عام، وإيجادهم مبرر للعدوان على اليمن من قبل دول الجوار وانزلاق البلد في مستنقع الحرب والفقر.
ومنذُ سيطرة جماعة انصار الله على مقاليد الحكم وانقلابهم على السلطة (21 سبتمبر/أيلول 2014)، بدأت الجماعة تعيين بني هاشم في مناصب قيادية للدولة، حتى أن أغلب المناصب القيادية في الوزارات والمؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية منحت لأشخاص من بني هاشم، رغم تصريح القيادة السياسية لهم في وقت ما، بإيقاف تعيين الهاشميين في قيادات المؤسسات، بل أن بعض الوزارات مثل المالية والصناعة والخدمة المدنية والمؤسسات التابعة لها افرغت المناصب القيادية من أبناء القبائل وتم تعيين الهاشميين من ضعيفي وعديمي الخبرة و ذوي القربى من أبناء المناطق الريفية، ومن عليهم قضايا فساد اثناء فترات الحكم السابق. وأقالت وسرحت وقاعدت الكثير من المواطنين، واستبدلت بعضهم بآخرين منتمين إلى أسر هاشمية، من العائلات الحوثية التي تنسب نفسها إلى سلالة الرسول محمد (ص). ([12])
وفي الوقت الراهن، تسعى سلطة أنصار الله إلى فصل الكثير من الموظفين الهاربين بسبب الحرب، من السياسيين وغيرهم، وإحالة ما يزيد عن مائة ألف موظف للتقاعد، بقرار من المجلس السياسي الأعلى، في وضع لا يتوفر فيه مرتبات الموظفين سوى ما تتصدق به حكومة الأمر الواقع من مبالغ زهيدة في بعض الأشهر لا تغطي أبسط الاحتياجات لمدة أيام.
وظهرت مع بروز حركة الحوثيين، عادات اجتماعية كانت اوشكت على الانقراض في المجتمع اليمني، بل أصبحت غير مقبولة عند بني هاشم أنفسهم سابقًا، وهي تلقيبهم بالسيد للرجل والشريفة للمرأة، وأصبح الوقت الراهن يضج بصفة السيد في مختلف المناسبات مثل دعوات الزفاف والتعازي والمخاطبات الرسمية وغير الرسمية كبادرة للتمييز والتفضيل بين المواطنين.
وكانت آخر الشعارات التي بادرت بها حكومة الأمر الواقع، صدور قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (82) لسنة 2019م باعتماد وثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وآليتها التنفيذية، حيث شملت محاور الرؤية الوطنية، المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي ومنظومة إدارة الحكم والبناء الاجتماعي ومحور الاقتصاد والتنمية الإدارية والعدالة وسيادة القانون والابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي والتعليم والصحة والبيئة والدفاع والأمن والسياسة الخارجية والأمن القومي. ([13])
ويبدو أن مؤشرات الرؤية تحمل في جعبتها شعارات تحقيق مستوى نوعي لليمن في مؤشر جودة التعليم الأساسي، وتخفيض معدل الأمية بين السكان، ورفع نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل، وتخفيض معدل الفقر بين السكان، وغيرها من شعارات العدالة، وعدم التمييز والمساواة والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وحقيقة أن هذه المبادرة تحسب لصالحهم، في شكلها وآلية تنفيذها، وكانت الدولة بحاجة لمثل هذا الأمر منذ زمن طويل، وقد نص الهدف الاستراتيجي الثاني ضمن محور الحقوق والحريات والإعلام على “تعزيز قيم المواطنة وثقافة الولاء الوطني، ومبادئ حقوق الإنسان وقيم العدالة وسيادة القانون والمساوة وعدم التمييز”، وتفرع من الهدف الاستراتيجي المذكور مبادرتين، الأولى: برنامج وطني لترسيخ قيم المواطنة والولاء والمساواة بين كل المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز على مبدأ المواطن الصالح خير من الفرد الصالح، والثانية: برنامج (أعرف حقك) لتعزيز مبادئ حقوق الإنسان وقيم العدالة وسيادة القانون والمساوة وعدم التمييز. ([14])
كشعارات مثل بقية الشعارات التي يروج لها، وفي مكان آخر، يأتي قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى لحكومة الأمر الواقع بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة رقم (2) لسنة 1999م معلناً بكل جراءة وتمييز وعدوان على الشعب إقرار حقوق تمييزية لمن اسموهم بني هاشم عن كافة المواطنين، ضاربين رؤيتهم الوطنية والدستور والقوانين المحلية والمواثيق الدولية والشريعة الإسلامية، ومكارم الاخلاق، وشعار المسيرة القرآنية عرض الحائط، معلنين حقيقة أن كل سياستهم ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. فأين المصداقية؟ وأين العدل والحرية والمساواة؟ وأين دماء المساكين التي سكبت في جبهات القتال من عروق جميع أبناء الشعب اليمني بلا استثناء؟
وما نتوقعه في الأيام القادمة، السعي إلى تثبيت حكمهم في مناطق سيطرتهم، وتعديل الدستور وبقية القوانين والتشريعات بما يضمن حقوق اقتصادية وسياسية واجتماعية مستدامة لهم ولذويهم، والمتمعن الآن في المواقع القيادية بالوزارات يلاحظ تولي مناصب الوزراء في أغلب الوزارات من أبناء القبائل في حين بقية المناصب من نائب وزير ووكلاء لهم، حتى تعيين أغلب المدراء العموم من بني هاشم أصحاب الولاء لحركة أنصار الله، وتحييد بقية الموظفين. وعلى نفس النسق تم تعيين رئيس المجلس السياسي لأحد مناصري الحوثيين من أبناء القبائل، وقريبا سيتم تولية أحد الحوثيين من بني هاشم، بعد انتهاء فترة الحرب أو عند مسك زمام الحكم والسلطة وإيجاد حل سياسي يفضي إلى أخذهم حصة من الأرض.
الخمس في الشريعة الإسلامية
شرع الخمس في الدين الاسلامي من غنائم الحرب مع الكفار وفقا لما ورد في القرآن الكريم بقولة تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الأنفال – الآية 41
وترك الأربعة الأخماس ملك للغانمين، وبالتمعن في الآية الكريمة فقد حددت حصة لولي الأمر الرسول (ص) وذوي القربى ويقصد بهم الأقارب الذين تجمعهم رحم واحدة سواء كانوا من جهة الأب أو الأم ويسمون بالأرحام، كما أن الأقارب والأرحام بمعنى واحد. ([15]) وتم إضافة الخمس مما في باطن الأرض من معادن وغيره عملا بقوة تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) [البقرة: 276]. وقد اختلف العلماء في ذوي القربى على ثلاثة أقول فمنهم من قال قريش كلها، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وغيرهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب لأن النبي قسم سهم ذوي القربى بين الطرفين، وقول مالك والثوري والأوزعي وغيرهم حددوا ذوي القربى ببني هاشم فقط. ([16])
وبغض النظر عن الاختلاف، فقد وضع التشريع لظرف مكاني وزماني ارتبط بقرابة الرسول (ص)، وزمانه ومن يعزون عليه بحسب تعريف ذوي القربى، ووضع لهم منزلة معينة تكريما له لقربهم منه، وليس من المنطق أن يكون التخصيص لبني هاشم في هذا الزمان، كونه يخالف العقل والشرع ومبادئ الإسلام الحنيفة من عدل ومساواة بين كافة المسلمين..
وإذا كان الإسلام قد خصص لبني هاشم الخمس كحق إلهي الى أن تقوم الساعة، فهل من المنطق أن يميز ويرفع الإسلام مكانة الكاذب والسارق وقاطع الطريق والكافر والمرتشي من بني هاشم، أم أنهم معصومين من أي أخطاء وكتبت لهم أيضا منازل في الجنة، أم أن الإسلام دين تمييزي عنصري فئوي، ونتساءل أيضا عن أنبياء الله ورسله السابقين، لماذا لم تمنح ذريتهم حقوق الاهية؟
وإذا كان العلماء قد اختلفوا في صحة كثير من الأحاديث، وتفسير القرآن، وأحكام الردة، والرجم، ودية المرأة وغيرها من المسائل، ووصل الحد إلى سب الصحابة والتشكيك في الصحابيات فلا عجب إحداث هذا التمييز السافر، بما لا يتفق مع أبسط القواعد من قبل بعض أصحاب المصالح، وسن قواعد حياتية مسمومة ممن لا يملك إلى من لا يستحق.
والجدير بالأهمية، أن قانون الزكاة رقم (2) لسنة 1999م وسع مفهوم الخمس ليشمل الركاز والذي يضم كل كنز من ذهب أو فضه أو غيرها من المعادن والأموال يوجد مدفوناً في الأرض أو يبرز إلى سطحها أو ينحسر عنه الماء أو يوجد غارقاً في البحر، وأيضا كل المعادن التي تولد عن الأرض وكان من غير جنسها سواء كان يطبع بالنار أو لا يطبع وسواء كان مائعاً أو غير مائع مثل النفط والغاز. رغبة في توسيع إيرادات الدولة، خاصة من الأصول التي يفترض ان تكون ملك لجميع المواطنين، ما دعا إلى اقرار الخمس فيها، ومن جانب آخر، مساعدة المحتاجين، وجاء تحديد حصة منها لبني هاشم من قبل حكومة الأمر الواقع، على اعتبار أنهم من قربى الرسول (ص) ومحرم عليهم الزكاة، ما أوجب لهم الحق من خمس أهم وأكثر موارد الدولة مستغلين جهل بعض الناس، وطمعاً في الاغتناء والسلطة، إذ لا يعقل اليوم وجود قرابة بين أحد والنبي، وبذلك لم يعد لبند “ذي القربى” وجود.
وهنا نتساءل، من أقر هذا الحق لبني هاشم في الزمن الحاضر، وهل هو لهاشميين اليمن؟ أم لكل الهاشميين؟ فإن كان وفقا للهوية اليمنية فقد شككت بنظرية الحق الإلهي، وحرمت بقية ذوي القربى من حقهم، وإن رضيت أن يوزع على كل الهاشميين من غير اليمنيين، فقد اخليت بمبدأ المواطنة.
الهاشميون بين الحقيقة والزيف
يطلق بني هاشم عل أنفسهم آل البيت ومن المعروف أن آل، أو أهل البيت في الاصطلاح الشرعيّ هم: آل بيت النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فيُقال: أهل البيت، كما يُقال: آل، وحقيقة استعمال لفظ آل البيت يدلّ على آل البيت في السكن، ويدل مجازاً على آل البيت في النسب. ([17])
ولا زال هناك خلاف حول تفسير ال النبي، أو أهل النبي ومن المنطقي احترام شرف آل بيت النبيّ، ومكانتهم، ومن المؤكد أن حُبّ النبيّ لهم، ورحمته بهم، وشفقته عليهم، من هم من أهله في ذلك الزمان رضي الله عنه جميعا، تجسد في تحريم اخذ نصيب من الزكاة عليهم باعتبارها صدقة مفروضة.
وإذا ما سلمنا بأحقية الخمس لبني هاشم فلا بد من التحقق باستخدام أداة عملية وموثوقة، وخير وسيلة استخدام تحليل الحمض النووي لبني هاشم، حيث ثبت بالأبحاث أن سلالاتهم تتمحور في السلالات الوراثية التالية: J1، J2، E، G، R،Q ، وبحسب النتائج أيضا أن أكثر الهاشميين ينتمون للسلالة (J1) ولكن من الصعوبة الجزم واليقين أن هذه السلالات الوراثية تنتمي لبني هاشم، لأن عمر السلالة أكثر من عشر سنوات، في ظل عدم القدرة على أخذ عينة أحد أصول هذه الشجرة، لحرمة نبش قبورهم، لذلك كل هذه النتائج ظنية، لا يقين لصحتها لعدم وجود عينة حقيقية، وإذا ما تم الاعتماد على السلالة (J1)، وسلمنا بها فسوف تحدث ضجة قوية، خاصة عندما ينكشف أن من يدعون النسب الشريف خلال السنوات السابقة أنهم ليسوا من بني هاشم. ([18])
وحقيقة القول، أن الحابل اختلط بالنابل عند اثبات النسب، لعدة أسباب منها التحالف مع القبائل في الماضي ما سبب ضياع الأسماء أو بسبب الاندماج في حلف بمسمى جديد، وجدلية الانتساب من جهة الأم التي أخذت ابعاد كثيرة وأقرها كثير من العلماء، وخاصة في القرن الرابع والخامس، وبذلك تتوسع دائرة بني هاشم بشكل كبير، إلى جانب استخدام مبدأ التقية تحت ظروف قاهرة،([19]) مثل ما حصل إبان ثورة 26 من سبتمبر، وانتهاء الحكم الأمامي في اليمن، ما سبب اقدام كثير من العوائل تغيير القابها أو الهجرة واخفاء النسب، وكثير من الأشخاص قام بالادعاء بانتسابه إلى بني هاشم، سواء بتقديم وثيقة، أو مع مرور الزمن صار متعارف بين الناس انتمائهم للسلالة.
وإذا ما جاز التعبير، فلبني هاشم كل الحق في التفاخر والتباهي بهذا النسب دون أن ينسبون أنفسهم للنبي (ص)، كون النبي (ص) لم يكن له ذرية من أبنائه ولا يمكن أن يكون لبني هاشم فضل على بقية البشر أو أن يعصمهم الله ويطهرهم إلى أن تقوم الساعة، فمن ذريتهم التقي الورع ومنهم الفاسق، ومنهم أبي لهب بن عبد المطلب.!!! وندرك أن النسب لا ينفع صاحبة أن كان فاسقاً، ولن يكون للنسب فضل لصحابه في الآخرة لمجرد انتسابه.
وفي نظرة للوراء، نستطيع القول بثقة وعبر التاريخ الإسلامي، أن الانتساب لآل بيت النبي محمد (ص) لم يكن مجرد تجميل للواجهة الاجتماعية، بل كثيراً ما كان ذريعة لطلب الحكم، أو تثبيت الأقدام في مواقع السلطة. أولًا كمحاولة لاستقطاب التيار الواسع من القائلين بأحقية آل البيت في الحكم، وثانيًا لاستغلال ما يعتقد البعض، بغض النظر عن مذاهبهم الدينية، بعصمة أئمة آل البيت عن الوقوع في أخطاء الحكم من ظلم وفساد.
وهكذا، نشأت نماذج عبر التاريخ من ادعاء النسب، بغية الوصول للسلطة وصار منهج يستخدم حتى يومنا هذا مثل انتساب علي بن محمد لآل البيت في بعض مناطق العراق، أثناء الخلافة العباسية، ما تسبب في اندلاع ثورة الزنج سنة 869، وقوة الجدل حول نسب الفاطميين الذين قام حكمهم على إعلان الانتساب لآل البيت، ومبرر تولي السلطة من قبل الأدارسة، ([20])، والحكم الإمامي في اليمن، وحالياً في دولة الأردن والمغرب العربي. ولغرض استعادة مجد الأجداد، وتحت ذرة النسب الشريف يقدم الحوثيين، على ترسيخ هذا النسب كواجهة اجتماعية وللتأثير السياسي فيما يتعلق بتولي السلطة، ويرون فيه أداة لحكم اليمن كما كان في عهد الأَئِمَّة سابقا الذين كسبوا الحكم بسبب حب وتعاطف أهل اليمن مع آل البيت وادعاء الأول بهذا النسب.
البدائل المقترحة أمام الحوثيين في موضوع التخصيص لبني هاشم من خمس الركاز والمعادن
في الوقت الراهن الذي يتضح أن لحركة أنصار الله نتائج جيدة، سواء في أهدافها المعلنة ضمن الرؤية والوطنية، وشعاراتها البعدية عن أرض الواقع، أو في تحقيق الاستقلال من النفوذ السعودي، أو في تطوير التقنيات العسكرية، وتفكيك القبائل المؤثرة على نظام الحكم، فإنها في الوقت ذاته، تحاول فكفكة المجتمع اليمني، وتحدث آثار سلبية ناتجة عن تطبيق سياسات تمييزية، تزامنت مع اخفاق المجتمع الدولي عن تحقيق السلام في اليمن، ورداءة الوضع في مناطق سيطرة حكومة الشرعية، وطول فترة الحرب التي اثمرت لديهم بالاستقرار النسبي وإعادة تنظيم أنفسهم، والتمسك بالسيطرة على المناطق تحت سلطتها.
بالرغم من ذلك، لم تجرؤ هذه السلطة على إجراء نقاشات علمية بحثية منتظمة حول تقدير الوضع، وإصدار القرارات التي تتلاءم مع حالات الطوارئ، وتتكيف مع ظروف الواقع والانفتاح العالمي، ولم تتمكن قياداتها أن تستخلص تجارب الماضي وصولاً لنموذج مناسب يقوم على بناء دولة مدنية حديثة تضمن حقوق متساوية لجميع المواطنين، وتصوب الأخطاء وصولا لنموذج يتناسب مع كل المتغيرات.
ويجب التنويه، إلى ضرورة قيام قيادات أنصار الله بفحص الواقع الاجتماعي بشكل جيد، والتأكد بصورة دورية من صلاحيات الخطوات والإجراءات التي يقوم بها أنصارهم في مختلف المجالات، لمحاولة فهم آثار سياساتهم، واستخلاص السياسات المطلوبة لهذا الواقع وطبيعته، ونحاول هنا كشف بعض الاثار التي ستترب عن تمييز بني هاشم بحصة كبيرة من الخمس الوارد في لائحة الزكاة وفقا للتالي:
البديل الأول: تنفيذ لائحة قانون الزكاة الحالية
اقدام سلطة الأمر الواقع على تنفيذ لائحة الزكاة متضمنة تخصيص حق لبني هاشم له عدد من الإيجابيات والتي منها:
- التفاف أغلب من ينتمون إلى سلالة بني هاشم حول الحوثيين وتأييدهم لقيادتها الروحانية واستماتتهم في الدفاع عنها، وتثبيت مداميك الحكم لها، ومن المؤكد أن كثير منهم في حالة ترقب وتشوق إلى تنفيذ اللائحة.
- رسم صورة نمطية لبني هاشم كأصحاب سلطة وحق الاهي ووضعهم في صفوة القوم باعتبارهم اسياد البلد وحكامها والمفضلين عند الله على بقية المواطنين.
- تحقيق مستوى اقتصادي مرتفع لجميع فئة بني هاشم واختفائهم من بين فئة الفقراء والمساكين ما يؤهلهم للتعليم والتجارة وتبوؤ المناصب العليا في الدولة.
- بالإمكان مستقبلاً، الأخذ برأي الشيعة أن وجوب الخمس يشمل أيضاً كل مال يغنمه المسلم زائد عن مؤونته السنوية، وبكل بساطة سيدخل في ذلك الفائض من أموال التجار والمواطنين غير الهاشميين والرسوم الضريبية والجمركية وغيرها من الرسوم، وبالتالي تحقيق ثروة هائلة لبني هاشم تمكنهم من تحقيق أهدافهم بعيدة المدى، والتي منها فرض ولاية الفقيه من الطنين، والسيطرة على العالم والقضاء على أمريكا وإسرائيل.
سلبية هذا البديل تتمثل في التالي:
- احتقان الشارع اليمني وتعميق الكرة تجاه فئة بني هاشم بشكل خاص، وحركة أنصار الله بشكل عام وانخفاض مستوى دعم الجبهات بالأموال والمقاتلين، وتدهور معدل الولاء الوطني بين المواطنين، وظهور أثر ذلك في تفشي الرشوة والسرقة والقتل ورمي القمامة واهانة العلم الوطني واهمال الممتلكات العامة وزيادة معدل الجريمة والفساد، بل توسع حركة الخروج من الإسلام أو الالحاد من قبل عدد كبير من الشباب قاصري الوعي كما يحدث في الوقت الحالي وما توسع البهائيين في المجتمع اليمني الا أحد المؤشرات.
- انغلاق فئة بني هاشم على أنفسهم في مواضيع الزواج، رغبة في تنقية النسل وتحقيق المزايا المادية والمعنوية للذرية، وبالتالي تضرر نسائهم وابنائهم نفسياً بها النمط اللامنطقي.
- ظهور احتقان بين بني هاشم وتذمر لدى الكثير نتيجة التفاوت في الصرف والتفضيل بينهم.
- انتقال بني هاشم من إخواننا المسلمين في البلدان الأخرى الى اليمن يوجب منحهم الحق في حصة من مصارف الخمس، باعتبارهم عصبة ونسب واحد مهما تعددت الجنسيات ما يخل مبدأ المواطنة.
في ضوء هذا البديل، فأن هناك عدد من التحديات ستواجه تنفيذ اللائحة، والتي منها الحاجة إلى تعريف مصطلح بني هاشم وإسقاطه بشروط معينة على المواطنين، حتى يتسنى التمييز بين بني هاشم من غيرهم، والمعروف اصلاً أن هناك أسر اشتهرت بانتمائها لبني هاشم من خلال القابها المعروفة، أو توليها مناصب عليا في الدولة، وممارسة القضاء، أو ظهورها كشخصيات مجتمعية مؤثرة، وهناك من قام بتغيير لقبة الهاشمي أثناء ثورة 26 سبتمبر المجيدة خوفاً من غضب الثوار ما سيجعلهم يحرصون على اثبات احقيتهم بالانتماء إلى هذه الفئة، وهناك من الضعفاء في المناطق المهمشة المنسيين وغيرهم، ممن لا يعرف أصلا أنهم من هذه الفئة وبتدشين لائحة الزكاة ستشكل نقطة انطلاقة وتوسع لأثبات النسب والمطالبة بالحقوق.
وأيضا، توجد القاب يكون تحت ظلها الهاشمي والقبيلي والمهمش وسيكون من الصعوبة إثبات النسب أو نفيه نتيجة عدم الاهتمام بتدوين شجرة الأسرة من قبل كثير من الأسر. وغيرها من التحديات التي ستطفو على السطح وتسبب إشكاليات متعددة وسخط اجتماعي أكثر بين جميع الفئات بلا استثناء.
وإذا ما قلنا إن النسب سيتم اثباته بواسطة فحص الحمض النووي (DNA) فليس الأمر بالسهل، بل إنها قد تنسف حتى ما توارثه المؤرخون اليمنيون من توثيق لبعض العائلات اليمنية، وقد تقلب الطاولة على كثير من المزاعم الهاشمية مثل ما حصل في كثير من البلدان.
ويمكن أيضًا الرجوع إلى التشجير العائلي المكتوب، أو المعروف بين الناس، أو استخدام تحليل الحمض النووي أو ما ساد خلال الفترة الماضية مع اعتماد الانتماء عبر نسب الأم. وكل ذلك سيؤدي بلا شك إلى عدد كبير من الإشكاليات والتداخلات والصراعات وقد يفضي على فشل المشروع من أساسه.
البديل الثاني: التحفظ على اللائحة وتوقيف التنفيذ إلى الوقت المناسب
هذا البديل يقترب من البديل الأول، ويضاف إليه إرجاء التنفيذ فيما يتعلق بحصة بني هاشم لحين تثبيت زمام الحكم وبسط السيطرة المطلقة وفرض القوة القاهرة وتحسباً لحالة السخط المجتمعي ضد حركة أنصار الله. من شأن هذا البديل منح الحركة فرصة زمنية للإعداد والتهيئة بصورة أفضل بعد تهدئة الجبهة الداخلية.
وعند الوقت المناسب، أمام سلطة الأمر الواقع التنفيذ بعد أن يكون المواطنين قد سئموا الحديث حول الموضوع، وربما القوة المفرطة التي تستخدمها سلطة أنصار الله في تخويف المواطنين تكون أيضا حل ناجع بعد برهة من التأجيل.
البديل الثالث: الغاء تنفيذ اللائحة بما يتعلق بتسمية بني هاشم في مصارف الخمس
يكمن البديل الثالث، في إصدار تعديل للائحة الزكاة، من قبل المجلس السياسي الأعلى في سلطة الأمر الواقع، يشمل الغاء مسمى بني هاشم فيها، كما بات من الواضح أن اللجوء لهذا الخيار يحتم تقديم الاعتذار للشعب في أسرع وقت، درءً لكل المفاسد التي ستتحقق في ظل البدائل الأخرى، وبحده الأدنى إقالة رئيس هيئة الزكاة.
البديل الرابع: انهيار حركة أنصار الله
ما من شك أن هذا البديل هو الخيار الأخير أمام الشعب اليمني، في ظل التضحيات الكبيرة التي قدمها المواطنين لمناصرة الحوثيين، والمعاناة في ظل سيطرتهم على الحكم، وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية تجاه المواطنين في تقديم أبسط الخدمات، وما عاشه اليمنيين من تجارب تاريخية، تبين عدم جدوى استخدام القوة في فرض الهيمنة، وأن الزمن لا يرجع للوراء، ومهما تمت المحاولة لإرجاع ولاية الفقيه، فإن العاقبة بلا شك ستكون مؤسفة على الجميع، ويمكن أن تحول فئة الهاشميين الى فئة مهمشة ومستضعفة من قبل الشعب اليمني، ومهما غاب الشارع قبل صحوته كفاعل مؤثر في الأحداث، فلنا عبرة في مقتل جورج فلويد، واشتعال الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دليل على فشل سياسة العنصرية والتمييز، مهما كانت قوة الحاكم، فالكلمة الأخيرة للمحكوم.
التوصيات:
- تعديل قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى لحكومة الأمر الواقع رقم (48) لسنة 2020م بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة رقم (2) لسنة 1999م وتعديلاته بتاريخ 29 إبريل 2020م المادة رقم (48) بإلغاء مصطلح بني هاشم، وإجراء تعديل يضمن عدم التمييز بين المواطنين وفقا لمعيار النسب في استحقاق الخمس من مصارف الركاز والمعادن.
- إشراك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجهاز المركزي للإحصاء ووزارة التنمية إلى جانب هيئة الزكاة في تحديد المستحقين وتوزيع موارد الزكاة والخمس.
- الحرص على إبراز القدوة الحسنة في تعيين ذوي الكفاءة والنزاهة وحب الوطن في المناصب القيادية بمختلف مرافق الدولة.
- إثبات حسن النية بالالتزام بأهداف ثورة 26 سبتمبر وإزالة كافة اشكال التمييز بين المواطنين وتجريم أي تمييز ناتج عن العرق أو العمل أو المنطقة أو الوضع الاقتصادي أو النسب…الخ.
- منح المهمشين من أبناء الوطن حصة من الخمس ضمن مصارف الركاز والمعادن وعلى وجه الخصوص ذوي البشرة السوداء، والفقراء وغيرهم من الفئات المستضعفة والفقيرة.
- تجريم وصف السيد والشريفة لأي مواطن يمني بلا استثناء في كل قنوات وأدوات التواصل المكتوبة وغير المكتوبة.
الهوامش
([1])https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%86%D9%88_%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85.
([2])https://raseef22.com/article/45367-%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A2%D9%84-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%88.
([3])الجمهورية اليمنية ، وزارة التخطيط والتعاون الدولي ، التقرير الاقتصادي اسنوي 2011- 2012 ،الإصدار السابع ، 2013 ،ص 42.
([4]) دستور الجمهورية اليمنية .
([5]) د. اردلان نور الدين محمدو، المسؤولية الجزائية لرئيس الدولة في التشريعات الداخلية: دراسة مقارنة،ا لطبعة الأولى، المركز القومي للاصدرات القانونية،مصر، 2014م ، ص 237، 245، 246 . .
([6]) للمزيد أنظر : الجمهورية اليمينة، القانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات.
([7]) دستور الجمهورية اليمنية .
([8]) ميثاق الأمم المتحدة (1945).
([9])الإعلان العالمي لحقوق الأنسان (1948).
([10]) العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1976).
([11]) https://yemen-nic.info/contents/Politics/itefaqeya.php.
([12])https://www.qposts.com/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86/
([13])http://althawrah.ye/archives/573989.
([14]) للمزيد : الجمهورية اليمنية، المجلس السياسي الأعلى ، الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، صنعاء، 26 مارس 2019م، ص 26.
([15])https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B0%D9%88%D9%88_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A8%D9%89_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%85.
([16]) أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 1-11 ج4، دار احياء التراث العربي، بيروت، بنان 1405 ه 1985 م، ص 10.
([17])https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%86_%D9%87%D9%85_%D8%A2%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA.
([18])https://www.juhaina.in/index.php?act=artc&id=39290.
([20])https://raseef22.com/article/45367-%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A2%D9%84-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%88.
التعليقات مغلقة.