نبذة عن السود في اليمن
السود في اليمن أو الأخدام [وهي تسمية دونية] أو المهمشين [المصطلح المتعارف عليه في مجتمع السود] هم أكبر الأقليات في اليمن وأكثرهم تعرضًا للإقصاء والتهميش والتعامل الدوني للغاية.
يعملون في مهن يعدّها المجتمع دونية، وفق ظروف عمل غير إنسانية وغير أخلاقية. ورغم دخلهم المحدود والضعيف فهم معرضون لخصم مستحقاتهم فيما إذا تغيّب أحدهم، فلا يحصلون على إجازات سنوية، ولا مرضية، ويتم التعامل مع أغلبهم وفق عقود عمل بالأجر اليومي.
هذه الحياة غير العادلة لهم، تركتهم في مواجهة الجوع والفقر والحياة غير الآمنة والسكن المتواضع، إذ يعيش أغلبهم في أماكن تجمعات عشوائية ومتواضعة للغاية (مدن الصفيح) يُطلق عليها محليًا اسم (محوى [بمعنى مكان يحتويهم]).
لم يُتركوا فقط لمواجهة الجوع والفقر، بل أيضًا في مواجهة إرث ثقيل من الثقافة المجتمعية التي تنظر إليهم بتعالي، وتنتقص منهم في الكثير من المواقف، ولا ترى فيهم سوى خدمًا، وبقايا أحباش!.
هذه النظرة المتعالية تجاههم، جعلت ذوي البشرة السوداء يتعرضون للكثير من المواقف الحاطة بالكرامة الإنسانية، نستعرض بعضها في هذا التقرير.
الطفل الذي رفض السكوت
تحت ظلال المدن التي لا تذكرهم، وفي أزقة بعيدة عن الأضواء، يعيش السود في اليمن كمجموعات مهمشة، تلاحقها وصمة العار منذ مئات السنين.
في أحد أزقة المدينة، بين أكوام القمامة التي يمر بها كل يوم في طريقه إلى المدرسة يقف علي، ابن العاشرة، متسائلًا: “لماذا أنا مختلف؟”
علي، من اليمنيين السود، يذهب إلى المدرسة كل يوم، حاملاً معه حلم أن يصبح طبيبًا. لكن التمييز الذي يتعرض له يعترض طريق أحلامه.
“في المدرسة، لا أحد يتحدث معي. عندما أرفع يدي للإجابة، المعلم يتجاهلني. أحيانًا، يقول لي أحد الأطفال أنت خادم، لا يحق لك أن تتحدث، وهذا يجعلني أشعر بالانكسار”، يقول علي.
قرر يومًا أن يرفض السكوت. في مواجهة علنية أمام زملائه، وقف وقال: “أنا مثل أي واحد منكم. أريد أن أتعلم، وأحلم، وأكون شيئًا”. كانت تلك لحظة فارقة بالنسبة له، لكنها لم تمر دون عواقب. تعرّض للتنمر لاحقًا، ووجد نفسه محاصرًا في دائرة التهميش.
تشير تقارير حقوق الإنسان إلى أن الأطفال السود في اليمن يواجهون مستويات مرتفعة من التمييز في المدارس، مما يحد من قدرتهم على الاستفادة من التعليم بشكل كامل. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، يعاني هؤلاء الأطفال من الإقصاء الاجتماعي، وهو ما يعمق الفجوة التعليمية بينهم وبين بقية الأطفال.
المرأة التي لا تعرف الراحة
“في أحد البيوت الطينية المتواضعة، تستيقظ سعاد مع الفجر كل يوم. لم تعرف الراحة منذ طفولتها، واليوم هي أم لثلاثة أطفال تكافح في مواجهة الحياة”.
سعاد، عاملة نظافة في منازل الأثرياء، تبدأ يومها منذ الصباح الباكر وتعود إلى منزلها متأخرة كل مساء. تحمل على عاتقها مسؤولية أطفالها الثلاثة، وتجد نفسها مضطرة لقبول أي عمل لتأمين لقمة العيش.
“أعمل في منازل الأغنياء، وعندما أنهي عملي، أعود إلى أطفالي لأجدهم يتعرضون للتنمر من الأطفال الآخرين بسبب لون بشرتهم، ومن نحن”، تقول سعاد.
في أحد الأيام، طُلب منها العمل في مدرسة أطفالها لتنظيف الفصول. هناك، رأت ابنها يتعرض للسخرية، فتدخلت للدفاع عنه. كان ذلك الموقف محفورًا في ذهنها، لكنها أيضًا شعرت بالعجز، لأن واقعها وواقع أطفالها يبدو غير قابل للتغيير.
سعاد ليست الوحيدة، فوفقًا لتقارير المنظمات النسوية اليمنية، فإن النساء السود في اليمن يعانين من استغلال اقتصادي مستمر، ويواجهن ظروف عمل قاسية دون حماية قانونية كافية.
وبحسب تصريح الناشطة الحقوقية، آمنة حسن “النساء في هذا المجتمع يمثلن ضحايا مضاعفة للتمييز الجنسي والاجتماعي”.
الرجل الذي يقاتل الظل
في الشوارع الخلفية للمدينة، يقف محمد. رجل في الأربعينيات من عمره، يحاول كسب لقمة العيش كل يوم في عالم لا يراه أكثر من مجرد “خادم”.
يعمل بائع متجول. يكافح في مواجهة الثقافة المجتمعية التي تفرض عليه ضريبة مزدوجة: التمييز من جهة، واستغلال السلطات المحلية من جهة أخرى.
“أحاول فقط أن أعيش بكرامة، لكنني في كل مرة أتعرض للمضايقات. كل يوم أشعر وكأنني أقاتل الظل” يقول محمد.
محمد ليس حالة فردية، فالكثير من الرجال السود في اليمن يعانون من نفس التهميش الاجتماعي والاقتصادي، ويعيشون في ظروف تفتقر إلى الحماية القانونية أو الاجتماعية.
وفقًا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، يواجه الرجال السود في اليمن تمييزًا اقتصاديًا واسع النطاق. تُحرم هذه الفئة من حقوق متساوية في فرص العمل والمشاركة الاقتصادية. كما أن غياب الحماية القانونية يزيد من تفاقم معاناتهم في المجتمع اليمني.
السود في اليمن ميراث ثقيل
يعود التمييز ضد السود في اليمن إلى قرون مضت، منذ سقوط الدولة النجاحية واستمرار سياسات التهميش الاجتماعي بحق هذا المجتمع.
يقول الباحث الاجتماعي في شؤون المهمشين، عادل مبروك: “العنصرية ضد (الأخدام) ليست وليدة اليوم، بل هي جزء من التاريخ السياسي والاجتماعي لليمن. منذ فترة التحالفات القديمة التي أطاحت بدولتهم، وجد هذا المجتمع نفسه محاصرًا في أسفل السلم الاجتماعي”.
رغم ذلك، يستمر ذوي البشرة السوداء في محاولة التغلب على هذا الميراث الثقيل، بالعمل على تحسين حياتهم من خلال التعليم والبحث عن فرص أفضل.
هل ستتغير الحكايات؟
في ظلال اليمن القديمة، تُروى حكايات مهمشة كما تُروى قصص ألف ليلة وليلة. لكن هذه القصص ليست مجرد حكايات للتسلية، بل هي حكايات أمل وألم. نتعلم من الألم لنتجاوزه، ونتحلّى بالأمل لنعيد النظر في سياسات التهميش الاجتماعي ضد السود. ولنساعد بعضنا على منحهم مكانهم الطبيعي في التعليم والعمل والمساواة بدون أي اعتبارات قائمة على أي أساس.
يمكن للحكومة اليمنية أن تقوم بتوفير الحماية القانونية والأمنية لهم. وبناء سياسات شاملة تعمل على مكافحة الصورة النمطية تجاه السود. ومناهضة كافة الأفعال التي تُرتكب بحقهم من أفراد في المجتمع، وأن توفّر حماية خاصة للنساء اللواتي يتعرضن للمضايقات في الأماكن العامة.
وهي فرصة أن نطالب من المجتمع الدولي للبذل المزيد من الجهود لتسليط الضوء على معاناة السود في اليمن. وتقديم منح مالية خاصة لدعم المشاريع التي تستهدف تمكينهم اقتصاديًا.