العبور الديني في اليمن… احذر من القتل!
بسبب العبور الديني أو اختيار ديني جديد، قضى نور (اسم مستعار) 54 يومًا من العزلة في غرفة مظلمة غرب صنعاء
اصفاد تقيّد يديّه وقدميّه، وجبة غِذاء واحدة.. هذا ما عاناه صاحب الـ 25 عامًا على يد عائلته.
Read in English
لم يكن يعلم نور أن اعترافه بعقيدته الدينية الجديدة لأحد إخوته
سيقوده إلى معاناة لم تنته إلا بعد اجراء صفقة مع العائلة:
“التنازل عن الأملاك، وترك القرية من دون عودة إلا بعد ترك ديني الجديد” يقول نور
بصوت تملؤه الحسرة، يروي للمنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني “EOHM” عن معاناته التي كابدها
بسبب عبوره إلى دين جديد أو اختياره معتقدًا آخر، قال نور:
“اعتقلوني جماعة الحوثي بعد شكوك سُكّان المنطقة وسماع قضية تحولي من الإسلام إلى دين آخر، أطقم عسكرية حاصرت منزلي واقتادتني كالمجرم، في المعتقل وضعوني بجانب مجموعة من السلفيين وأخبروهم أني مرتد، بدا أن الهدف كان تصفيتي، لكني احتميت ببعض الأفراد وأخبرتهم أني لست عابر إلى ديانة أخرى”.
كثير من العابرين إلى ديانات أخرى في اليمن ذاقوا إشكالا من التعذيب على يد المجتمع والسلطة مثل نور.
عاش آدم سامي قصة مشابهة بعد أن إختار أن يكون لا دينيا،
لكن والده وفي جولة تفتيشية على هاتفه، قرأ محادثاته مع أصدقاءه وهم يسخرون من نظرية الخلق. قال سامي: “طالني أنواع من الضرب العنيف والشتم والاستهزاء، ثم قرر والدي طردي من المنزل”.
تحديات قانونية وحقوقية
نور الذي حُرم من أملاكه، لم تكن أسرته تعلم أن قانون الأحوال الشخصية يقف في صفهم،
حيث يحظر على العابرين دينيًا أن يحصلوا على أي إرث من الأسرة المسلمة
وفق ما تنص عليه المادة 305 من قانون الأحوال الشخصية اليمني،
كما يحظر على العابرين دينيا من تغيير اسمائهم وديانتهم في الأوراق الرسمية.
ولا يمكن لنور أن يستنجد بأي محامي لنصرته،
ويشرح المحامي عبد الغني محمد اللساني السبب لـ”EOHM” بقوله
“إن رفع المحامي قضية لأي عابر من الإسلام إلى غير الإسلام، سيتصدى القاضي للقضية من ذات نفسه ويقرر إدخال النيابة لتتحول القضية إلى جنائية كون ذلك الشخص مرتد وفقاً للمادة 259 من قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994“.
القانون ينظر للعابرين كمجرمين
يؤكد ذلك المحامي فيصل المجيدي الذي قال لـ “EOHM” إن “قانون الجرائم والعقوبات ينظر إلى العبور الديني كجريمة “حدية”، والفصل الثالث منه يتحدث عن الجرائم الماسة بالدّين وحرمة الموتى، منها المادة 259 التي تنص على: كل من أرتد عن دين الإسلام يعاقب بالإعدام إلخ”.
رفض العبور الديني
إجمالًا يولد المجتمع اليمني على رفض حق العبور الديني، يقوم بتنمية ذلك المنهج التعليمي في المدارس الذي يقوم بتعبئة الأطفال حول حروب الردة كجرائم ماسة بالدين، إضافة إلى أن القُضاة يدرسون في كلية الشريعة والقانون وليس كلية الحقوق.
ويقوم بصياغة القانون والتشريعات الوطنية في البلاد أفرادًا تأثروا من تلك المناهج التعليمية
وانعكس ذلك على شكل قوانين وتفسيرات تنتهك حقوق العابرين وتتعامل معهم كمجرمين وتعاقبهم بالإعدام،
على الرغم من أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يلزم الدول بضمان حرية الفرد في أن يغير دينه
وحرية اعتناق أي دين أو معتقد يختاره،
فيما تضمن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حرية الفرد في اختيار معتقده، والمعتقد هنا قد يكون ديني أو لا ديني.
واليمن دولة دينها الإسلام، كما تشير المادة الثانية من دستور البلاد، والإسلام هو مصدر كل التشريعات كما تشير المادة الثالثة،
وهاتين المادتين تناقضان التزامات المادة السادسة من ذات الدستور والتي تؤكد:
العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي.
هذه التناقضات جعلت أصحاب المصلحة تجاه اليمن يبدون قلقهم تجاه تجاوز اليمن لإلتزاماتها التي وقّعت وصدّقت عليها،
حيث جاء في موجز ورقات المعلومات المقدمة من الجهات صاحبة المصلحة بشأن اليمن 2019 عن
“إعراب تحالف الدفاع عن الحرية عن قلقه لأن دستور اليمن ينص على أن اليمن بلد إسلامي تحكمه الشريعة ولأن قانونه الجنائي يحظر الردة صراحة ويحكم على المرتدين بالإعدام”.
ولا توجد في اليمن مبادرات وطنية للتوعية بحقوق العابرين،
كما لا توجد آلية محلية للدفاع أو حماية الحق في التحوّل كحرية من حرية الاعتقاد، وتنعدم نشاط المنظمات الحقوقية تجاه هذا الحق.
تأثيرات الحرب اليمنية
لا توجد احصائيات رسمية أو دقيقة بنسبة العابرين الدينيين في اليمن، لكن ومنذ الحرب الأهلية عام 2015، ارتفعت وتيرة العبور من الإسلام إلى دين آخر إلى أو إلى اللا دين، ويعود ذلك لتصاعد العنف بين حركات الإسلام السياسي، وللنشاط الديني الذي تقوده الجهات الخاصة بالتبشير والبهائية.
يقول مسيحي عدني لم يرغب بذكر اسمه لـ “EOHM” أنه والكثير من أصدقاءه عبروا إلى المسيحية، لكنهم أخفوا عبورهم خشية استهدافهم، وخشية من ردة فعل أهاليهم، ويؤكد: “هناك أفرادا قضوا سنوات الحرب كاملة في معتقلات عدن وتعز وصنعاء وأفرج عنهم حديثا، منهم قس ظل معتقلًا لأربع سنوات بتهمة التبشير”.
ويتواجد في اليمن أقلية من اليهود ارتفعت وتيرة هجرتهم عقب الحرب الأهلية عدا ستة أفراد فقط منهم معتقل “سالم ليبي” كما يتواجد في البلاد بهائيين ومسيحيين واسماعيليين ولا دينيين، ونشطت الجماعات الدينية عقب الحرب، سواء الجماعات المنتمية لتنظيم القاعدة وداعش والذين ينخرطون ضمن صفوف الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، أو جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي تدير حكومة الإنقاذ الوطنية غير المعترف بها دوليًا.
أثّر هذا النشاط على وضع العابرين دينيًا، حيث تعرّضوا لانتهاكات وصلت إلى حد اغتيالهم كما حدث مع عمر باطويل 17 عامًا، الذي اغتيل بتهمة الردة، وأمجد عبدالرحمن الذي اغتيل بتهمة الإلحاد، فيما تم نفي عدد من البهائيين قسرًا بعد اتهامهم بالردة.
العبور الديني تهمة!
في الغالب، وعندما ينتقد أي شخص تصرفات فاسدة للجماعات الدينية في اليمن، يتم اتهامه بتهم جديدة (ملحد، علماني)، والتحريض ضده في وسائل التواصل الاجتماعي، وخرجت هذه الاتهامات من شبكات التواصل الاجتماعي إلى الواقع، حيث أصبحت تهمة العبور الديني أفضل خيار للتخلص من الخصوم.
“أنت مسيحي!” قالها أحد المدّعين في وجه بشير البكاري صاحب الـ 44 عام، خلال تواجده لدى أمن مديرية جبل حبشي – قرية في غربي تعز – منطقة تتبع الحكومة المعترف بها دوليًا- حيث عرّضته هذه التهمة للاحتجاز بدءً من الأحد 31 يناير/كانون الثاني 2021.
قصة البكاري كما يرويها لـ “EOHM” أنه اتهم بالردة. حيث، قال: “وصلني أمر حضور من مركز شرطة جبل حبشي لإنصاف المدعو م. م. ع. س وبعد حضوري قمت بإثبات عدم صحة الدعوة، لكن المدّعي قال: “هذا مسيحي” ما جعل بالقضية تتحول باتجاه آخر.
يضيف: “فتح ضابط البحث الجنائي، تحقيقًا آخر أخذ هاتفي وكل ما أملك وتحفّظ بهم وأمر بحبسي، ثم استدعاني للتحقيق وكان يكتب السؤال ويجيب عليه بنفسه، وعندما طالبت بحقوقي في الرد، أخبرني أني كافر مرتد، وبلُغة تهديد طلب مني أن أعطيه رمز قفل الهاتف أو سيستخدمون معي أساليب وطرق أخرى، ظللت أسبوع كامل معتقلًا لديهم بهذه التهمة، حتى أحالوا ملف القضية إلى المباحث الجنائية بمحافظة تعز مرفقة بمذكرة اتهامي بالتبشير”. وأضاف “كانوا يقولون إن عقابي هو الإعدام، ولكن أفرجوا عني بعد عدم إثبات التهم الموجهة ضدي”.
خروج بشير من المعتقل لم تكن نهاية التهمة، لكنه ظل يعاني من تمييز مجتمعي، تطوّر حد تهديده بالقتل. في 16 تموز/يوليو قال البكاري أنه ترك القرية ليبحث عن مكان آمن يقيم فيه، وهو حتى كتابة هذا التقرير مازال فارًا من القرية، تاركًا أسرته وأطفاله يواجهون خطر التحريض على والدهم، في مجتمع يتعامل مع العابرين الدينيين كمجرمين.
..
كُتب لمنظمة الإنتر نيوز - زمالة الصحافة والحريات الدينية - إشراف حسين الشريف
الشكر والتقدير للإخوة في المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني