اللادينيون في اليمن خفاء في الواقع وظهور افتراضي

مقال بعنوان: اللادينيون في اليمن خفاء في الواقع وظهور افتراضي .. مشارك في مسابقة جائزة إثراء محتوى التعايش، للصحفي أسامة الكُربش، منشور على منصة يمن فيوشتر

اللادينيون في اليمن
اللادينيون في اليمن

 

في بلد يُعد أحد أكثر المجتمعات تمسكاً بالتقاليد والدين يعيش اللادينيون والملحدون في اليمن حياة مليئة بالتحديات والصعوبات. يتنقلون فيها بين الخوف والرجاء في محاولة لإيجاد موطئ قدم في مجتمع لا يرحم من يخرج عن السائد.

يعيش اللادينيون في اليمن متخفيين .. لا يجرؤون على الإفصاح عن أفكارهم في الواقع على عكس مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت متنفساً وحيداً لهم.

عاصم (اسم مستعار) شاب يمني في منتصف العشرينات.. نشأ وترعرع في عائلة محافظة في صنعاء.. منذ صغره كان متسائلاً يبحث عن إجابات لأسئلة لم يجد لها جواباً شافياً في الإطار الديني الذي تربى عليه.

يقول عاصم “منذ أن كنت طفلاً، كنت أجد صعوبة في قبول بعض الأفكار والمعتقدات التي كانت تقدم لي كحقائق لا تقبل النقاش. كنت اسأل ولكن دائماً ما كانت الأجوبة غير مرضية.. وفي بعض الأحيان كانت تثير لدي مزيداً من التساؤلات”.

مع مرور الوقت، بدأ عاصم يقرأ كتباً فلسفية وعلمية.. ويبحث عن مقالات ومقاطع فيديو على الانترنت تتناول قضايا الإيمان والإلحاد.

يقول “كان الانترنت هو نافذتي للعالم الخارجي.. لقد وجدت هناك مجتمعاً من الناس الذين يفكرون مثلي.. والذين لديهم شجاعة التعبير عن أفكارهم بشكل مفتوح”.


اللادينيون في اليمن حياة متخفية

في اليمن، العيش كملحد أو لاديني أو غير مسلم يعني أن تكون دائماً في حالة تأهب.. لا يمكن لعاصم الإفصاح عن أفكاره لأصدقائه أو عائلته، لأن ذلك قد يعرضه لخطر كبير.

يقول عاصم “في مجتمعنا يُنظر إلى الإلحاد كجريمة دينية واجتماعية.. قد تتعرض للعنف أو حتى القتل إذا اكتشف الناس أنك ملحد.. لذلك أنا مضطر للعيش حياة مزدوجة، في العلن أتصرف كمؤمن، وفي الخفاء أعيش حياتي الحقيقية”.

عاصم يستخدم اسم مستعار على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يشارك أفكاره ويتفاعل مع مجتمع صغير من الملحدين واللادينيين اليمنيين. يقول “الإنترنت هو المكان الوحيد الذي أستطيع فيه أن أكون نفسي بدون خوف، وأستطيع النقاش والتعبير عن أفكاري بحرية”.

 

إقرأ أيضًا العبور الديني في اليمن… احذر من القتل!


التواصل الاجتماعي ملاذ آمن

على الرغم من المخاطر، يجد اللادينيون في اليمن مواقع التواصل الاجتماعي ملاذاً آمن نسبياً.. حيث هناك يمكنهم التواصل مع أشخاص يشاركونهم نفس الأفكار والتجارب ويتبادلون النصائح والدعم النفسي.

تقول هدى (اسم مستعار) وهي شابة يمنية أخرى تعيش نفس التجربة “على الفيسبوك وتويتر أجد مساحة للتنفس.. أستطيع التحدث عن الأمور التي تشغلني وأحصل على الدعم من أشخاص يفهمونني.. هذا الدعم مهم جداً لأن العيش في مجتمع يعاديك يمكن أن يكون مرهق نفسياً”.

هدى التي نشأت في أسرة متدينة في مدينة تعز، تواجه تحديات كثيرة.. حيث تضطر لإخفاء أفكارها عند النقاش في الدين سواءً في الجامعة أو المنزل. تقول “عند الحديث عن الدين لا أستطيع إلا أن أبتسم وأوافق.. لو عبّرت عن رأيي الحقيقي سأصبح منبوذة وقد أتعرض للخطر”.


تحديات نفسية واجتماعية

لا تكمن خطورة عيش اللادينيين في اليمن من الناحية الجسدية فقط، بل هناك تحديات نفسية واجتماعية كبيرة.

يوضح عاصم “أشعر دائماً بالعزلة، لا أستطيع أن أكون صريحاً مع أحبائي، هذا يخلق شعوراً كبيراً بالوحدة.. أحياناً أفكر بالهجرة لكن هذا ليس سهلاً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها اليمن”.

هدى تشعر بنفس القدر من العزلة والتوتر تقول ” العيش في خوف دائم من اكتشاف حقيقتي أمر مرهق جداً.. أحياناً أشعر بأنني أعيش في قفص وأن كل خطوة أخطوها يجب أن تكون محسوبة بدقة”.


القوانين والدستور

تلعب القوانين والدستور في اليمن دوراً كبيراً في تحديد موقف المجتمع من الملحدين واللادينيين.

وفقاً للدستور اليمني، الإسلام هو دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وهذا يؤثر بشكل كبير على الحقوق الفردية للمواطنين.

القوانين اليمنية تجرم الردة والتي تعني التخلي عن الإسلام، وتعاقب عليها بالإعدام.. مما يجعل الإفصاح عن الإلحاد أو اللادينية مسألة حياة أو موت.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتعرض اللادينيين في اليمن للاضطهاد الاجتماعي، والتمييز، وربما الاعتقال بسبب آرائهم.. مما يضطر هؤلاء الأشخاص إلى العيش في الخفاء، متجنبين الإفصاح عن أفكارهم حتى لأقرب الناس إليهم، حفاظاً على حياتهم وسلامتهم.

 

إقرأ أيضًا: كيف تنظر قوانين الصحافة اليمنية للحرية الدينية؟


بصيص أمل

على الرغم من كل الصعوبات، يبقى لدى عاصم وهدى ورفاقهم بصيص من الأمل.

“أعتقد أن هناك تغييرات تحدث ببطء.. الجيل الجديد أكثر انفتاحاً وأقل تمسكاً بالتقاليد الصارمة.. ربما في المستقبل يمكن أن يكون هناك مساحة أكبر للتنوع الفكري والديني في اليمن” يقول عاصم.

هدى تضيف: “أتمنى أن يأتي يوم يمكنني فيه العيش بحرية والتعبير عن أفكاري بدون خوف، نحتاج إلى مجتمع يتقبل الاختلافات ويحترمها”.

ولكن حتى ذلك الحين، سيظل عاصم وهدى وغيرهم من الملحدين واللادينيين يعيشون في الظل، يبحثون عن أمان في عالم افتراضي، على أمل أن يأتي يوم يتمكنون فيه من العيش بحرية وأمان في مجتمعهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.