عند اندلاع موجة الاحتجاجات التي صاحبت ثورة الربيع العربي، كان العالم ينظر إلى المجتمع اليمني بكونه قد وضع سلاحه واتخذ العمل المدني، ولعل ما نقل هذه الصورة هو الإعلام الذي كان يغازل المجتمع الدولي بشكل متعمد ومنظم أو بشكل غير متعمد، لكنه عمومًا غيّر من الصورة الذهنية لليمني الذي يتم النظر إليه في العادة من خلال زاويتين مهمتين هما “تعامله مع المرأة، والإرهاب”.
ساهم الإعلام حينها بتصوير المجتمع اليمني بكونه ترك سلاحه في منزله وخرج بصدر عارٍ، كما قام بتصوير المرأة كفاعلة في الميدان السياسي والمدني، لكن ما إن اتفق الجميع على عقد مؤتمر للحوار الوطني حتى تغيّر كل شيء. ولعل تصريحات، جمال بنعمر المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، كانت الأكثر إثارة حين اتهم القوى السياسية على اقصاء المرأة بشكل أوحى له بأنهم مختلفين في كل شيء عدا اقصاء المرأة.
على كل حال، اليمن ليست المدينة الفاضلة، بل البلد الذي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية، وإضافة إلى ذلك فهي أسواء البلدان في العالم للنساء حد وصف منظمة العفو الدولية التي بنت هذا الاستنتاج اعتمادًا على احتلال اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي صدر العام الماضي عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
تقرير الفجوة بين الجنسين يعتمد على 4 محاور رئيسة هي المشاركة الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة والاستمرارية، والتمكين السياسي
تصنع الأزمات فرص استثمارية، وبدا ذلك جليًا في كمية المواقع الإلكترونية والصحف وحتى القنوات التي ظهرت مؤخرًا في اليمن، ولكن أسباب الظهور تعود لاستخدامها في المعارك السياسية، لذا لا تُلقي بالًا لقضايا المرأة أو لعرض النماذج النسائية العاملة في المجالات المختلفة أو النماذج النسوية التي تدافع عن حقوق المرأة وتتلقى الكثير من التهم.
ربما العاملون في وسائل الإعلام يعتقدون أن قضايا المرأة تهم المرأة لوحدها، أو ربما يعتقدون أن القرّاء بحاجة لمعرفة قضايا أهم من المرأة، لكن لا يبدو أن أحدًا قد تساءل عمّا يمكن للمرأة أن تصنعه، لاسيما أن عدد النساء في اليمن يعادل عدد الرجال فبحسب احصائيات البنك الدولي فهي تشكل نسبة 49.61% من إجمالي عدد السكان، ومع ذلك، فهذا الجيش الجرّار مركون على دكة الاحتياط دون الاستفادة من امكانياته في قلب الأحداث رأسًا عن عقب.
والمتابع لتعاطي وسائل الإعلام المختلفة مع المرأة يجد أن أغلب وسائل الإعلام تقوم بتمرير خطابات لا تراعي المكانة التي تشغلها كفاعل تنموي في المجتمع، إذ ما تزال تقوم بتقديم المرأة في صورة نمطية تقليدية أو بصفتها تتعرّض للعنف أو أحيانًا تساهم في نشر مواد تقوم بالحد من نشاط المرأة وتتهمها بالانحلال والخروج عن العرف اليمني، وهذا من شأنه تقديم دور سلبي لا يخدم المرأة ولا قضاياها التي هي بالأساس قضايا مجتمع وليست قضية جنس عن آخر.
ملاحظات على أداء وسائل الإعلام تجاه قضايا المرأة:
على الرغم من العدد الذي تمثله النساء في اليمن، إلا أن الظهور الإعلامي لها متدنٍ للغاية، فالمتابع يُلاحظ أن الإتيان بذِكر المرأة يتزامن مع أي حدث قائم، بمعنى أن هناك موسمية في تسليط الضوء على النساء في المجتمع أو على قضاياهن.
النصيب الأكبر في ذكر النساء على الوسائل الإعلامية يذهب باتجاه التصريحات أو أخبار تتعلق بمشاركاتهن ولا يوجد هناك توجّه لإفراد أو تخصيص صفحات أو مواد إعلامية خاصة بقضايا المرأة أو مشاكلها وهمومها.
لم نشهد مُطلقًا قيام أي وسيلة إعلامية بتفعيل دورها كناشرة للوعي من خلال مثلًا إطلاق حملة توعوية تهدف إلى التعريف باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
لم نشهد أن قامت وسيلة إعلام مرئية بتشجيع المرأة وتدريبها للدخول في مجال إنشاء المحتوى المتخصص في قضايا المرأة فحضور المرأة اليمنية كمنشئ محتوى على يوتيوب مثلًا محدود، علمًا بأن الوسائل الإعلامية التلفزيونية لديها الإمكانيات لذلك وبإمكانها أن تتبنى فتح عددًا من القنوات وتحصيصيها لعدد من القضايا المجتمعية ومن ضمنها قضايا المرأة.
نلاحظ في كثير من الأحيان أن وسائل الإعلام، لاسيما المسموعة، تتبنى وجهات نظر دينية متشدّدة ضد المرأة وقضاياها وحتى ضد عمل المرأة، بل وتقوم بالتحريض على العاملات في المجال المدني، وفي الحقيقة نحن نشعر بالأسف حيال ذلك، ففي الوقت الذي ننادي فيه بوقف التمييز ضد المرأة ووقف تقديمها بشكل لا يدعم المساواة بينها وبين الرجل، نجد أن هناك أصواتًا إعلامية تحط من قدر المرأة بطريقة مُباشرة وبشكل مقصود.
المتابع لوسائل الإعلام يجد أن التغطية الإعلامية تأتي انسجاماً مع الأحداث القائمة، حيث يقوم الحدث بصناعة الخبر، وليس العكس، ما يعني أنه لا توجد مواد إعلامية تقوم بصناعة رأي عام مؤيد ومساند، بل أصبحت الكثير من وسائل الإعلام تقوم بإعادة نشر الخبر الذي أصبح عمومًا قضية رأي عام تداولها الناشطين على تويتر أو فيس بوك، لذلك من المهم أن يستمر الناشطين على التواصل الاجتماعي في عرض قضايا المرأة ومساهمتها الإيجابية في المجتمع مع التركيز على استخدام مصطلحات لا تمييزية، وكذا من المهم التفاعل مع الحسابات الخاصة بالحركات النسوية مهما بدت الأفكار المطروحة صادمة للمتلقي، كما يجب الانتباه إلى نوع الصور التي يتم مشاركتها مع المنشورات بحيث لا يتحول محور المنشور وهدفه إلى مناقشة الصورة والابتعاد عن جوهر القضية والهدف منه، ومن الجيد أن يتبنى الناشطين سلسلة من المنشورات الداعمة لقضايا النساء.
من خلال تواصلنا مع عدد من الزملاء العاملين في عدد من الوسائل الإعلامية في اليمن فقد تبين لنا أنه لا يتم تكليف العاملين تناول قضايا المرأة أو ترشيحهم لحضور أنشطة متعلقة بتأهيل الإعلاميين في مجالات العمل على قضايا النوع الاجتماعي كما لا تقوم بإفراد مساحات متخصصة لمناقشة قضايا النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين..
التعليقات مغلقة.