25 يناير 2014: انتهت جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. انتصرت فيه نساء اليمن لاستحقاقاتهن وخروجهن بكوتا نسائية 30% وتعديل دستوري يضمن حقوقهن.. إلا أن فرحتهن بهذا الإنجاز لم تستمر وسيتذكرن جيدًا هذا التاريخ: 21 سبتمبر 2014.. نزوح، هجرة وتشرد.
منذ 21 سبتمبر وسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة واجتياح عدد من المدن اليمنية، أعقبه دخول قوات التحالف العربي بقيادة السعودية لمساندة الحكومة اليمنية 25 مارس 2015: تعيش اليمن للسنة السادسة حربًا لم تتوقف حتى اللحظة، وصُنفت كـ بلد “أسوأ أزمة انسانية في العالم”.
انعكست آثار هذه الحرب على النساء والأطفال، فهم أكثر من تأثر خلال هذه السنوات فلا مستشفيات للرعاية الصحية ولا مدارس للتعليم، وتسببت في نزوح وهجرة الملايين.
تشير إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن هناك 4.3 مليون نازح، 50% منهم نساء بينها 27% فتيات دون الـ 18، هن الأكثر تضررًا.
قوارب الموت
مطلع 2015 كانت الحرب في اليمن قد اشتد جحيمها، وكانت قوارب الموت تتجه باستمرار باتجاه القرن الأفريقي – المحطة الوحيدة التي كانت متاحة للخروج – محملة بالكثير من النساء والأطفال، في رحلات هي الأسوأ، دون أدوات سلامة أو نجاة ناهيك عن عدم صلاحية القوارب لنقل البشر بل لنقل البضائع التي لم تخلو منها أيضا.
كان المئات: نساء، أطفال وشيوخ.. يتكدسون على رصيف ميناء المخا (جنوب غرب اليمن) في انتظار انطلاق قوارب الهروب إلى بلدان آمنة تقيهم جحيم الحرب.
يقول الصحفي عبد الرزاق العزعزي – الذي كان ضمن هؤلاء مُحددًا وجهته إلى جيبوتي – لـ أنسم: “في الـ 6 من مايو 2015 كان الجو حارًا وكانت النساء والأطفال في حال ترقب وخوف إلا أنهم قد عزموا البحث عن مكان آمن من الرصاص وسعير الحرب”.
وأضاف: “تحرك القارب المكتظ الذي كان يقلنا، كنا 44 فردًا بيننا 20 امرأة متشحات بالسواد يلفهن الخوف من القادم.. كانت الرياح شديدة والظلام دامس، علا صراخ الأطفال والنسوة وعم الخوف الجميع.. لن ننجو من رحلتنا”.
مرت 24 ساعة على ظهر البحر المضطرب، “لم نصل إلى جيبوتي بل إلى مخيم الاحتجاز هناك: حراسة مشدّدة، البعوض ليلاً والذباب نهاراً، إجراءات روتينية تقتضي توفير ضامن من مواطن جيبوتي ليضمن خروجك من البلد وعدم بقائك فيها، حتّى وإن كانت أوراقك سليمة” قال العزعزي.
وأوضح لـ أنسم: “تمّ وضعنا في هنجر يجمع الرجال والنساء، يفصل بينهم ستار أبيض اللون عليه شعار المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين، إلا أنّه لا يمنع صراخ الأطفال المرحين أو الباكين وما أكثرهم.. ولا يمنع أيضًا همهمات النساء اللاتي يعتبرن أصواتهن عورة!”.
بحسب العزعزي، فقد أبدت النساء تجلدًا كبيرًا تجاه ما يحدث في الوقت الذي ساد القلق بين الرجال، “حتى التصوير كُن يرفضن أن تتوجه إليهن العدسات”.
فرص للعيش
لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول عدد اليمنيات المهاجرات أو من تقدمن للجوء في بلدان أخرى، لكن منظمة كير الألمانية تقول أن عدد الفتيات “اليمنيات” اللاجئات يبلغ حوالي 551 ألف فتاة، وأشارت في تقرير نشرته في أكتوبر 2018 “بعيداً عن الوطن: أسوأ 13 أزمة لجوء بالنسبة للفتيات” إلى أن أكثر من ثلثيّ الفتيات يتزوجن قبل بلوغهنّ السن القانوني، ونوهت كير أن الفتيات هنّ أكثر من يتأثر بأزمات اللجوء حول العالم.
وتحتضن مصر أكبر جالية يمنية منذ بدء الحرب في اليمن قبل ست سنوات اذ تشير التقديرات أن هناك قرابة 2 مليون يمني في القاهرة معظمهم نساء وأطفال، بينهم أكثر من 8300 يمني تقدموا بطلبات لجوء إلى مفوضية اللاجئين..
مطهر: لا تسلم اليمنيات المهاجرات من استغلال أبناء جلدتهن فهناك نسب تحرش كبيرة وعنف لفظي وتمنعهن العادات من التقدم بشكاوى
تقول فاطمة مطهر منسقة شبكة أصوات السلام النسوية أن آلاف النساء – سيدات وشابات ومن مختلف الفئات والأشغال من سياسيات وحزبيات وناشطات وطالبات جامعيات وربات بيوت وغيرها – نزحن وهاجرن قسريًا جراء الحرب في اليمن.
وتضيف مطهر – التي تقيم قسريًا في مصر منذ خمس سنوات – لـ أنسم: “اللافت أن النساء اليمنيات الأقل تعليمًا استطعن إثبات قدرات عالية في التكيف مع بلدان اللجوء والهجرة وإيجاد فرص للعيش.. الكثير منهن أصبحن العائل الرئيسي، بل وغالبًا الوحيد للأسرة، حيث اتجهن لتوفير المأكولات الشعبية والملابس التقليدية اليمنية واحتياجات الأسر مما اعتادوه من أشياء محلية، فيما اتجهت الشابات للتسويق والبيع الإلكتروني والأعمال في المجالات الجديدة تقنيًا”.
وأوضحت منسقة أصوات السلام: “ليس معنى هذا أنهن بحال جيد أو مرفهات، بل انهن يعانين بشدة للاستمرار واستمرار أسرهن في البقاء في الخارج حماية لهم من جحيم الحرب وما ترتب عليها من كوارث وأزمات انسانية عديدة اقتصاديا و أمنيًا وصحيًا وغيره”.
تتابع: ” مثلًا هنا في مصر بدأت النساء مشاريع صغيرة كصنع الخبز والحلويات وتصميم الأزياء.. إلا أن ذلك لم يمنعهن من الاستغلال، فبائعات الخبز يقضين وقتًا في تصنيعه، ومع ذلك ليس هناك من منفذ لبيعه إلا عبر المطاعم اليمنية التي تعمد إلى استغلال إنتاجهن بشكل سيء، فيشترون منهن قطعة الخبز “الملوج” بـ 2 جنيه لكنهم يبيعونها للزبون بـ 10 جنيه”.
“لا تسلم اليمنيات المهاجرات – عمومًا – من استغلال أبناء جلدتهن – اليمنيين – فهناك نسب تحرش كبيرة وعنف لفظي سواء مباشرًا أو الكترونياً وهاتفيًا.. إلا أن عادات وتقاليد المجتمع الذي جئن بها، تمنعهن من التقدم بشكاوى” قالت مطهر.
رغم المعاناة
ورغم الكثير من المعاناة التي تعانيها المهاجرات هناك العديد من النجاحات تحققت، فما تزال رندا الحاج صاحبة مشروع “لُجين كيك” تتذكر هذا التاريخ جيدًا: 11 نوفمبر 2017.. إذ يمثل لها اللحظة الفارقة منذ قدومها إلى القاهرة منتصف العام نفسه، حين خاضت تحديًا ضمن مبادرة “كلنا نستحق” لتقييم مشروعها المنزلي، كان عليها أن تعد 10 تورتات وتبيعهن، ولكن النتيجة فاقت توقعاتها وأنجزت 60 تورتة، “لقد كان رقمًا كبيرًا بالنسبة لي وأنا القادمة حديثًا إلى بلدٍ جديد، بدأت فيه من الصفر في كل شيء: بيت جديد، مجتمع جديد وعلاقات جديدة” قالت لـ أنسم.
تأهلت رندا للحصول على دعم تنافسي قدمته المبادرة لدعم مشاريع فردية لليمنيين في مصر وربحت التحدي ودعمتها المبادرة بـ “ثلاجة” تساعدها على حفظ موادها التي تستخدمها لصناعة الكيك.
جاءت رندا وولديها ( لجين وعبد الرحمن) من الحديدة غرب اليمن حيث كانت تعمل فني مختبرات في أحد المستشفيات هناك، وعندما وصلت القاهرة كانت بحاجة أن تعمل لتساعد زوجها في أمور الإعاشة.. وأصبحت رندا اسمًا معروفًا في القاهرة، أجريت مقابلات صحفية وتلفزيونية وقام صحفيان فرنسيان مع موقع مصري بعمل فيلم عنها، كما قامت صحفية مصرية في أكتوبر 2018 بعمل فيلم وثائقي لتجربتها، وفي مارس 2018 كرمها المعهد الأوروبي بالقاهرة مع ثلاث سيدات أخريات (مصريتان وسورية) وعرض تجاربهن.
أما اليمنية أفراح سهيل فلها تجربة مختلفة تمامًا فمن جيبوتي حيث وصلت إلى هناك في أبريل 2015 في آخر رحلة طيران من مطار صنعاء قبل إغلاق اجوائه.. تقول لـ أنسم “حين وصولي تفاجأت بأن جميع الدول أغلقت أبوابها أمام اليمنيين، ولم أستطع مواصلة السفر إلى وجهتي في القاهرة، فاضطررت للاستقرار هنا”.
لم يكن أمام السيدة سهيل إلا أن تعيش في جيبوتي وأن تضمن استقرارها، فقررت أن تستثمر في بيع العسل اليمني هناك، “لم أتمكن من توفير رأس المال الكافي لإنشاء مشروعي بقوة، فبدأت بإمكانيات بسيطة جداً لاتتجاوز تغطية إيجار المحل والتأمين ونفقات المعيشة”.
وأردفت: “عانيت من ذلك كثيرًا لكنه لم يكن أمامي سوى هدفي وسعيي للوصول إلي تحقيقه، كنت أعمل لـ 16 ساعة متواصلة يوميًا بالإضافة إلى تحمل المسؤولية والحرص على إرضاء الزبائن ومنحهم عسلًا أصيلًا بأمانة”.
بعد أربع سنوات أصبحت أفراح سهيل اسمًا ذائع الصيت في جيبوتي وبدأت في نشاط بيع الملبوسات التقليدية والأشغال اليدوية اليمنية كـ العقيق والفضة، ” كان الأمر مجرد صدفة، فالمحل الذي أعمل به الآن، كان مملوكًا لتاجر يمني من قبل يبيع فيه القطع الفضية والعقيق اليماني، وكان الزبائن يظنون انه اعاد فتح محله مجدًا وكانوا يطلبون مني توفير بعض الأشياء فخطرت الفكرة برأسي لتوسيع مشروعي” قالت.
منتصف الشهر الماضي كانت أفراح سهيل تقيم أول معرض أزياء افتراضي عبر تطبيق zoom في فعالية نفذها مجلس سيدات الأعمال اليمنيات بحضور جهات عربية ودولية كالأمم المتحدة للمرأة ومجلس المستثمرات العرب والعديد من المهتمين.
“هناك الكثير من قصص النجاح ليمنيات كثر عبرن البحر أو سافرن بالطائرات إلى بلدان اللجوء والهجرة عربيًا وغربيًا، وسطعت نجومهن رغم المآسي وانتجت مشاريعًا تجارية للعيش وأخريات عملن على مبادرات مجتمعية لمساعدة أبناء جلدتهن القادمين من اليمن” قالت فاطمة مطهر.
التعليقات مغلقة.