ثورة النساء في عدن.. صرخة كرامة تهزّ صمت السلطة

كافة الصور بعدسة أمة الرحمن العفوري
ثورة النساء في عدن ليست فعلاً لحظياً بل نداءً مفتوحًا لا يبدو أنه سيتوقف حتى يسمع من بيده القرار أو تسقط آخر لافتة في ساحة باتت تنبض بصوت الحياة… وصوت الكرامة.

في ساحة العروض بمدينة عدن جنوبي اليمن حيث تختلط حرارة الصيف بأنين المعاناة.. وقفت أم عبدالرحمن دون مقدمات أو تعارف عندما رأتني أحمل الكاميرا تنادي بصوتٍ اختلط بالغضب والخذلان: “تعالي أريدك أن تكتب عنّا… أوصلي صوتنا”. لم أسألها عن تفاصيلها الشخصية، لم يكن ذلك ضروريًا فهي ليست حالة فردية؛ بل تمثل مئات النساء اللواتي خرجن اليوم في تظاهرة استثنائية تطالب بما هو أبسط من الطموحات.. تطالب بالحياة.

قالت أم عبدالرحمن بلهجة لا تعرف التراجع: “خرجنا هذا الجمع الغفير لأجل حقوقنا. لأجل الناس الذين يموتون بصمت في المستشفيات. خرجنا لأجل مرضى السرطان والقلب والفشل الكلوي. ومن أجل كبار السن الذين لا يملكون حتى ثمن الدواء. إلى متى”؟


ثورة النساء في عدن ضد القهر

لن نتراجع عن مطالبنا لا نريد حكومة تذلنا خُلقنا أحراراً وسنظل أحراراً إلى يوم الدين”.

كانت الساحة تفيض بوجوه النساء من مختلف مديريات عدن يحملن الشعارات ذاتها.. ويهتفن بصوت واحد تحت راية “ثورة النساء“. في مشهد يعكس وحدة المطلب ووحدة الألم.

اللافتات التي رُفعت لم تكتفِ بالعربية بل كُتبت أيضاً بالإنجليزية.. مصحوبة بصور تلخص وجع الواقع، وكأنهن أردن إيصال رسالتهن إلى أبعد من حدود المدينة.. إلى كل من يملك قراراً أو ضميراً إنساني.


ثورة النساء في عدن رسائل بلغة الغضب

لم تكن الشعارات التي رُفعت مجرد كلمات، بل رسائل سياسية وشعبية حملت مضامين عميقة ومباشرة.. منها:

الشعب يريد حياة كريمة. لا للكهرباء التجارية في عدن. صرخة الجياع. حقوقي شرعية دستورية: ماء، كهرباء، صحة، تعليم. اليوم نحن، وغداً أولادنا. من حقوقنا كهرباء دون انطفاء. إذا لم تستطيعوا توفير الكهرباء فلا تحكمونا.

ولم تغب الرسائل المباشرة: نحن لا نعاني من نقص الأموال بل من زيادة اللصوص. الفساد يسرق حقوقنا، لن نبقى صامتين. محاربة الفساد والظلم فريضة ضرورية ومسؤولية الجميع.

هذه اللافتات لم تكن فقط موجهة إلى السلطة المحلية، بل إلى المجتمع الدولي، والتحالف، والمؤسسات الأممية، في محاولة لإيصال صوت المدينة خارج حدودها الجغرافية.


شهادتان من قلب الميدان

المحامية عفراء حريري وصفت ما حدث بأنه: “ليس مجرد احتجاج نسوي بل إعلان سياسي واجتماعي عن مرحلة جديدة”. مؤكدة أن النساء “لا يطالبن فقط بالخدمات العامة الأساسية بل يرفعن سقف مطالبهن نحو التغيير السياسي”.

وأشارت حريري إلى أن هذا الحضور “خلق حالة من الإرباك في أوساط المجلس الرئاسي والحكومة والقضاء بل وحتى التحالف. وأن المرأة لم تعد تقبل العودة إلى الصفوف الخلفية بل تطالب بالتمكين الكامل كشريكة في النضال والبناء”.

من جهتها، رأت الدكتورة أسمهان العلس أن ما جرى “ثورة على الفساد بكل أشكاله ورموزه”. مؤكدة أن المرأة العدنية “لا تبحث عن منصب أو وشاح بل عن مدينة تكون وطنًا آمنًا يضمن أبناءه”.

وأضافت العلس: “اليوم تقول المرأة كلمتها وتصرخ في وجه السلطات التي تدير البلاد من مدينة تهدم مبانيها وتُستباح أراضيها”. معتبرة أن ما حدث هو تجسيد حقيقي لاستعادة صوت المرأة في الفضاء العام ورفض صارخ لأجندات سياسية ومناطقية تتجاهل أبسط حقوق الناس.

ودعت العلس النساء بديمومة النضال في هذا الاتجاه، وتحويل نجاحها اليوم إلى فعل مجتمعي عام تبني المرأة على أساسه رؤية واضحة وأهداف قوية وآليات عمل مستدامة تقوي حضور المرأة على الأرض وترسم خارطة طريق على الأرض لتعزيز حضورها.


الاستجابة الحكومية قرار عاجل أم مسكّن سياسي؟

الزخم الشعبي الذي أحدثته المظاهرة، دفع برئيس الوزراء الدكتور سالم صالح بن بريك إلى إصدار توجيهات عاجلة، تقضي بسرعة تزويد مؤسسة كهرباء عدن بكميات إسعافية من وقود الديزل وذلك من المخزون المتوفر لدى أحد التجار في مصفاة عدن.

كما وجه بعودة سفينة وقود الديزل الخاصة بمحطات الكهرباء إلى ميناء عدن بصورة فورية والبدء بتفريغ شحنتها البالغة 13 ألف طن على أن تتبعها خلال الأيام القليلة القادمة شحنة مازوت مماثلة تقدر بـ13 ألف طن.

لكن يبقى السؤال مشروعًا وملحًا: هل تمثل هذه التوجيهات تحركًا جديًا نحو معالجة جذرية لأزمة الكهرباء أم أنها إجراءات ظرفية الغرض منها تهدئة الغضب الشعبي لا سيما غضب النساء اللائي أثبتن أن صوتهن ليس عابرًا بل قادر على زعزعة ركود المشهد السياسي؟


صوت النساء لن يصمت

ما حدث في عدن ليس لحظة احتجاجية عابرة بل تحول نوعي في أدوات التعبير وموازين الفعل الشعبي. المرأة التي طالما وُضعت في الهامش تقدمت اليوم الصفوف لا لترفع صوتها فقط بل لتفرضه.

مشهد ثوة النساء في عدن يقول بوضوح إن معركة الحياة الكريمة لم تعد مؤجلة.

يقول إن ثورة النساء في عدن لم تُولد لتخمد بل لتستمر حتى تتحقق الحقوق وتُستعاد المدينة من قبضة الفساد والتهميش.

ثورة النساء في عدن ليست فعلاً لحظياً بل نداءً مفتوحًا لا يبدو أنه سيتوقف حتى يسمع من بيده القرار أو تسقط آخر لافتة في ساحة باتت تنبض بصوت الحياة… وصوت الكرامة.


Comments (1)
Add Comment
  • طيف النظامي

    سلمت يديك أمة الرحمن،لطالما كان قلمك له صوتا مليئا بالضمير، لك كل التوفيق والنجاح والسداد.
    نعم لتطهير الأرض من الفساد والمفسدين✔️
    لا للعبث، لا لخنق المواطن، لا لسرقة اليمن وساكنيها✔️