ما هو تعريف الردة
الردة هي الارتداد عن الدين، سواء باختيار دين جديد (عبور ديني)، أو؛
إنكار وجود الخالق (إلحاد)، أو؛
التعامل مع الديانات على أنها من انتاج البشر ولم تنزل عند الإله أو خالق أو صانع هذا الكون (لا ديني)
وهو مصطلح إسلامي بدأ بعد وفاة النبي محمد عندما رأت قبائل عربية أنه بموت محمد انتهى ولائهم للدولة الإسلامية.
وحد الردة واحد من أكثر الموضوعات التي تثير جدلًا في الفكر الإسلامي لأنها لم تُحسم تمامًا في كتاب القرآن. واختيار دين جديد هي مسألة متعلقة بحقوق الإنسان الذي يملك حقوقًا أساسية غير قابلة للتجزئة، منها حرية الاعتقاد.
هل حد الردة مذكور في القرآن
لا، حد الردة ليس مذكورًا في القرآن، ولم يرد أي نص قرآني يعزز حد الردة، أو يشير إليه.. أو يدعو لقتل من قام بتبديل دينه، وردت الآيات التالية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٥٤﴾ [المائدة:54]
﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢١٧﴾ [البقرة:217]
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة:74]
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات:15].
وهذا يشير بشكل مباشر إلى أنه لا توجد أي عقوبة في الدينا لمن يقوم بتغيير دينه. بل على العكس، عزّز من حرية الفرد في اختيار دينه عبر آيات كثيرة تدعو البشر للتفكر والتأمل، وتشجع على استخدام العقل في اختيار دينه منها:
“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة: 256)
“وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ” (سبأ: 24)
“وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” (البلد: 10)
“قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف: 29)
الإيمان بأي دين هو حق فردي مبني على الإرادة الحُرّة، ولِيختار أي شخص الدين الذي وجد فيه القلب راحته وطمأنينته
هل يطبق حد الردة على من ولد مسلمًا؟
كل من ولد مُسلمًا، فقد تأثر بالبيئة الاجتماعية والثقافية التي وُلد بها. هذا يعني أنه سوف يتربى منذ صغره ويتعلم الدين الإسلامي، فلا يتاح له اختيار دينه. يُصبح الأمر متاحًا عندما يكبُر ويبدأ بالبحث الشخصي، حينها يستمع إلى تجارب ناس آخرين، ويتأثر بفلسفات روحية وعقلية قرأ عنها أو ارتبط بعلاقات مجتمعية معها، ويشهد تحولات فكرية ومجتمعية وسياسية وعالمية، كل هذه التأثيرات والعوامل المعقدة قد تلعب دورًا في جعل الفرد يفكّر في تغيير دينه، منهم من يختار دخول الدين الإسلامي، ومنهم من يخرج منه، دورة حياة طبيعية يعيشها الكائن البشري، ومن غير المنطقي أن يُعطي الناس لأنفسهم الحق في تطبيق حد الردة بالقتل على أحد لم يرتكب أي جريمة، سوى انه اختار طريقًا آخر للوصول إلى ربه وخالقه.
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
[ يونس: 99] قرآن
الحرية الدينية في الإسلام
تجسدت الحرية الدينية في الإسلام بوضوح خلال حملات الانتشار الإسلامية. وعندما دخل المسلمون إلى العديد من البلدان، لم يُجبروا أهلها على تغيير معتقداتهم، بل كانت أماكن عباداتهم محمية.
في بلاد الشام والعراق ومصر ما تزال الآثار القديمة (الفرعونية، بابل وتدمر) قائمة حتى اليوم دون أن يُمسها المسلمون الأوائل بسوء.
هذا يُظهر احترامهم الكبير للتنوع الديني، بل وتعايشهم السلمي مع الآخرين. فعلى الرغم من أن بعض تلك الآثار كانت تمثل أصنامًا كانت تُعبد من دون الله، إلا أن المسلمين لم يتعرضوا لها. إضافة إلى ذلك، لا يوجد في التاريخ أي دليل على أن المسلمين أجبروا النصارى أو اليهود على الدخول في دين الإسلام. بل العكس، التاريخ يثبت أن المسلمين وغيرهم عاشوا في تعايش سلمي وتفاهم متبادل طوال قرون طويلة.
متى يتم تطبيق حد الردة؟
في الفكر الإسلامي هناك اختلاف كبير حول تطبيق هذا الحد وحول تفسيره وحول توقيته وشروطه. هناك آراء تقليدية تقول إن تطبيق الحد يتم عندما يقوم الفرد بترك الإسلام والإعلان عن ذلك بشكل علني. البعض يرى أن الردة تمثل تهديدًا للأمن القومي الإسلامي، بالتالي يجب قتل المرتد من أجل استقرار وتماسك المجتمع.
وهناك آراء معاصرة تدعو إلى نقض الآراء التقليدية وتقول أن الإسلام قائم على مبدأ حرية اختيار الدين, مستندين إلى الآية القرآنية “لا إكراه في الدين” (سورة البقرة: 256)، والتي تدعو إلى حرية الاعتقاد وتمنع فرض الدين بالقوة.
ونحن -عزيزي القارئ- نرى أن تطبيق حد الردة كان موجهًا بشكل خاص ضد من حاولوا اسقاط الدولة الإسلامية عقب وفاة النبي محمد، أي بمعنى أن حروب الردة كان لها سياقات معينة تتمثل في حالات الخيانة أو التآمر ضد الدولة الإسلامية الناشئة، وليس لمجرد ترك الدين. في العصر الحديث، لا نعيش تلك الظروف، لذا ليس من المنطقي إعدام شخص اختار دين آخر، فالفكر الإسلامي المعاصر يجب أن يأخذ في الحسبان التطورات الحديثة. بالتالي، يرى بعض المفكرين أن تفسيرات الردة يجب أن تكون مرنة وملائمة للزمان والمكان.
قراءة نقدية في ضوء النص القرآني
الردة في الفكر الإسلامي المُعاصر ينبغي أن تُفهم كمسألة فكرية، لا عقوبات دنيوية
في قراءة نقدية قدمها الباحث عبدالرحمن الحللي وأصدرها المعهد العربي لحقوق الإنسان، تناول الباحث قضية حد الردة في الفكر الإسلامي المعاصر من زاوية تحليلية ونقدية من ناحية ما تثيره من إشكاليات تتعلق بحرية الاعتقاد وحرية الفكر. عالج الباحث هذه القضية عبر النظر في النصوص القرآنية، مستعرضًا كيفية معالجتها في السنة النبوية والفقه الإسلامي. وركز على ضرورة دراسة الموضوع بشكل علمي ودقيق بعيدًا عن المعالجات السطحية أو الدفاعية التي تساهم في تعقيد المشكلة، داعيًا إلى استخدام النصوص الأصلية لفهم هذه القضية بشكل أعمق. إليكم أبرز ما قاله:
قضية الردة في الإسلام شكلت موضوعًا مثارًا للجدل عبر العصور. يعكس الفقه التقليدي هذه القضية بوصفها جريمة تستوجب عقوبة الإعدام. لكن هذا التصور قد بدأ يتعرض لمراجعات نقدية في الفكر الإسلامي المعاصر، الذي يسعى إلى إعادة قراءة النصوص القرآنية بما يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان في العصر الحديث.
النصوص القرآنية حول حد الردة
القرآن الكريم لم يذكر بشكل صريح عقوبة دنيوية للمرتد. بل تحدث عن الحساب الآخروي، حيث يعاقب المرتد على ارتداده في الآخرة. من أمثلة ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”. وهو نص يتعلق بالحروب الدفاعية ولا يختص بالردة كمبرر للعقوبة الدنيوية.
الاختلاف بين النصوص القرآنية والأحاديث النبوية
المفارقة بين النصوص القرآنية وأحاديث النبي محمد في قضية الردة واضحة. بينما القرآن لا ينص على عقوبة دنيوية للمرتد، نجد بعض الأحاديث التي تؤكد على قتل المرتد. هناك دعوات معاصرة للنظر في صحة هذه الأحاديث وملاءمتها للواقع الحالي.
الرؤى الفقهية التقليدية والمعاصرة
على مر العصور، كان معظم العلماء التقليديين يرون أن الردة تستوجب القتل بناءً على الأحاديث النبوية، مثلما يقول الشافعي: “من بدل دينه فاقتلوه”. لكن في الفكر المعاصر، بدأ بعض المفكرين مثل محمد عبده وطه حسين يشككون في صحة تطبيق عقوبة القتل للمرتد في العصر الحديث. هؤلاء المفكرون يرون أن الإسلام يضمن حرية المعتقد، وأن الردة لا تشكل جريمة جنائية تستحق القتل، بل هي مسألة فكرية محضة.
الفكر المعاصر والحرية الدينية
تزايدت الدعوات في الفكر المعاصر نحو ضرورة إعادة تفسير النصوص الدينية في ضوء قيم حقوق الإنسان. فتتفق العديد من المدارس الفكرية المعاصرة على أن الردة لا تستدعي القتل. بل أن القتل في مثل هذه الحالات يتناقض مع حرية الفكر والعقيدة التي يكرسها الإسلام. بهذه الطريقة، يتم البحث عن توازن بين الحفاظ على الشريعة وحماية الحقوق الأساسية للفرد في المجتمع الحديث.
يتبين أن الفكر الإسلامي المعاصر يعيد النظر في القضايا التقليدية، بما في ذلك الردة. ويسعى إلى تصحيح الفهم الخاطئ للنصوص التي تم تفسيرها بشكل صارم في العصور السابقة. فالنصوص القرآنية تشير بوضوح إلى أن الحساب على الردة يكون في الآخرة، وألا مكان لعقوبة القتل في الشريعة الإسلامية استنادًا إلى القرآن. وبالتالي، فإن الردة في الفكر الإسلامي المعاصر ينبغي أن تُفهم كمسألة فكرية لا عقوبات دنيوية، مع التأكيد على ضرورة الاجتهاد في تفسير النصوص بما يتناسب مع الواقع المعاصر.