أسباب حروب الهندوس والمسلمين
كان يا ما كان، بلد اسمه الهند.. هو واحد من أقدم الحضارات في العالم. لديه تاريخ غني بالتراث الثقافي المتنوع، والفريد من نوعه.
الهند موطن للكثير من أديان العالم الرئيسية مثل الهندوسية والبوذية والسيخية والجاينية، كما أنه موطن للعديد من معتقدات الشعوب الأصلية.. وهذا الأمر، جعل من التعايش بين أتباع الديانات والثقافات أمرًا مقبولًا لدى الجميع.
تعايش الهنود مع بعضهم ولم يلتفتوا لاختلافاتهم كمشكلة بل كمجتمع ثري بالتنوع، فأطلقوا على تعايشهم شعارًا هو الوحدة في التنوع.
وصل الدين الإسلامي إلى الهند عبر السواحل الجنوبية، أتى به التجار المسلمين العرب، فبنوا المساجد، وقاموا بالدعوة لدينهم. انتشر الإسلام بين مواطني البلاد، حتى أن العديد من الدول الإسلامية قامت في الهند، أهمها الدولة المغولية.
تعد الدولة المغولية أقوى دولة إسلامية قامت في الهند وأعظمها أثرًا في نواح عديدة، لاسيما في ايقاد شعلة الكراهية لدى الهندوس تجاه المسلمين. تم ذلك على يد الملك المغولي السادس أَوْرَنِكْزِيب الذي قام بتحويل نظام الدولة إلى الصبغة الإسلامية المتشددة، دون أن يراعي التنوع الديني أو أن يسلك المنهج التوافقي الذي اتبعه أجداده في التعايش مع غير المُسلمين.
أعلن عن تطبيق الحدود الشرعية على غير المسلمين والتي أدت إلى ثورات دينية ضده، تعامل معهم بصفتهم من أهل الذمة وأرغمهم على دفع جزية، كما قام بعزل الهندوس من مناصب الدولة الكبرى، وقام بتهديم مدارسهم، وتعامل مع أصنامهم الدينية بشكل غير جيد.
تاريخ حروب الهندوس والمسلمين
في عشرينيات القرن الماضي، تحديدًا بعد الحرب العالمية الأولى؛ تأسست حركة إسلامية تدعو لاستعادة الخلافة الإسلامية.. كانت الحركة عبارة عن حملة احتجاج سياسي إسلامي أطلقها مسلمو الهند البريطانية احتجاجا على العقوبات التي فُرضت على الخليفة العثماني والإمبراطورية العثمانية والتي كانت تعتبر زعيمة للمسلمين.
يبدو أنه على غرار هذه الحركة تأسست منظمة التطوع الوطني التي ينتمي إليها رئيس وزراء الهند الحالي ناريندرا مودي.. وهي منظمة قومية هندوسية شبه عسكرية ينتمي لها كل من يؤمن بتوحيد الأمة الهندوسية.
هذا التحرك أثار لدى غاندي فكرة خلق وحدة هندوسية مُسلمة تقاوم البريطاني كعدو مشترك.. على غرار الوحدة الهندوسية المسلمة التي أسسها ثالث حكام المغول وكانت من نتائجها توحّد أتباع الديانتين في معركة الاستقلال الهندية الأولى ضد المستعمر البريطاني.. وهي معركة وصفوها بأنها نموذجًا للتعايش بين أتباع أكبر ديانتين في الهند.
الوحدة التي سعى غاندي إلى إعادتها، تعرضت لخطابات كراهية ممنهجة، فاندلعت مواجهات بين أتباع الديانتين في تمرد كان من المقرر أن يقاوم المستعمر، لكنه انتهى بموجة عنف جماعي بين المسلمين والهندوس.
استمرت الصدامات والصراعات بين الهندوس والمسلمين طويلًا.. لاسيما بعد تقسيم شبه القارة الهندية إلى بلدين لتصبح هناك الهند للهندوس وباكستان للمسلمين.. أدى هذا إلى سلسلة عنف قتلت الملايين، وتم تهجير ملايين الأسر المسلمة إلى باكستان.
ظهر لاحقًا النزاع على كشمير التي يحكمها هندوسي وبها أغلبية مسلمة، ما أدى إلى حروب كثيرة بين الهند وكشمير من ناحية، والهند وباكستان من ناحية أخرى، ولم تنتهِ هذه الأزمة حتى اليوم.
هل رأيتم ماذا تفعل خطابات الكراهية؟
بإمكانها أن تفعل المزيد.
أصبحت هناك جماعات متطرفة وقوات مسلحة تطوعية هندوسية مهمتها توحيد المجتمع الهندوسي لتشكيل الأمة الهندوسية.. تنشط في اضطهاد المسلمين تحت شعار الدفاع عن هويتها الهندوسية.
تؤمن بعقيدة اسمها هندوتفا تقول إن المسلمين هم العدوّ الرئيسي، والعقبة التي تعيق على الهندوس معرفة هويتهم. تقول أيضًا إنه يجب التمييز بين الأديان التي تعود أصولها إلى الهند، مثل اليانية والهندوسية والبوذية والسيخية باعتبارها أدياناً هندية أو هندوسية أصيلة، فيما تعتبر المسيحية والإسلام ديانتين أجنبيتين دخيلتين، جاءتا من خارج الهند على يد الغزاة.
ساهم أعضاء تلك الجماعات في تنامي خطاب الكراهية ضد المسلمين، ولم يعد هناك سلامًا بينهم. تم استهداف أماكن العبادة، والبناء على أنقاضها المعابد. زادت الصراعات وقتل الآلاف، واستخدمت الدولة أدواتها لممارسة تمييز مبني على الدين ضد المسلمين.. اعتمدت قوانين وسياسات تستهدف المسلمين أو تنعكس عليهم بشكل سلبي أكثر من غيرهم.
أصبحت الأخبار تتحدث عن حروب الهندوس والمسلمين. عناوين رئيسية بارزة تتحدث عن تظاهرات غاضبة. تصريحات مثيرة للجدل أنتجت أزمات دبلوماسية حادة بين الهند ودول إسلامية.. فيما تصاعدت أعمال العنف، والاعتقالات، والاضطهاد الديني، وتم تسجيل هجمات وصل بعضها حدّ القتل.
هناك أيادٍ أسهمت في تنامي الكراهية، نشرت قصصًا مغلوطة، وأججت الصراع بين أتباع الديانتين. هناك من وصف المسلمين بالمستعمرين والأقل انتماء للهند وأنهم يمثلون تهديدا أجنبيًا.. وهناك من وصف الهندوس بعبدة البقر والإرهابيين وهو ما ساهم في تشكيل هذا الصراع الذي يستمر كل يوم.
أصبح هناك انقسام واضح في المجتمع، ونزيف دموي مؤلم يكاد يكون يوميا لأتباع الديانتين وهم بالملايين.
لم يكن المسلمين هم المجني عليهم، فعندما تنتشر الفوضى، يصبح الكثير مساهمين في العنف. في العشرين سنة الأخيرة تعرضت معابد هندوسية وهندوس لهجمات من مسلمين، أبرزها مذبحة تشامبا، والهجمات التي استهدفت معبد راغوناث، والهجوم على معبد أكشاردام، وتفجيرات فاراناسي الذي أسفر عن العديد من الوفيات والإصابات.. وحادثة إحراق قطار أدى إلى وقوع عشرات الضحايا الحجاج الهندوس. ثم الهجوم على معبد هندوسي وقتل قائد روحي هناك. كما أنهم في حادثة أخرى قتلوا ثمانية هندوس على شاطئ ماراد في كيرالا.
الدروس المستفادة من حروب الهندوس والمسلمين
- تقف الحكومة في صف طرف ضد آخر، لأن التوترات والانقسامات الدينية تساعدها على البقاء في الحكم.. خصوصًا أنها تتبنى خطابًا قامت بتسويقه لكسب الأغلبية الدينية.
- يساهم الناس في انتشار كل هذا العنف لأن ارتفاع نسبة الأمية مهدت الطريق أمام السيطرة على التوجهات الدينية والاجتماعية للمجتمع.
- استخدام الخطاب الديني كمبرر للعنف يمنح الناس شيئا من الرضى، لأن الآخرين أعداء الرب.. فتتحول معركة الناس من مطالبة الحكومة بتوفير الاحتياجات الأساسية، إلى البحث عن آلية للتخلص من الآخر، العدو الذي صنعوه له.
- الكثير من وسائل الإعلام لم تساهم في التقريب بين أتباع الأديان بل عززت فكرة الخلاف، وساهمت في انتشار العداء.
أخيرًا لماذا يتقاتل الناس على معتقداتهم؟
هذا الأمر سخيف للغاية، وإن كنتم تريدون التأكد من سخافته ولا منطقية الصراع الديني، أخبروا طفلًا أن هناك شخصًا قتل آخر لأنه يخالفه التفكير.. ثم أجيبوا على تساؤلاته، بضمير يقظ.
الأطفال هم الوعاء الفارغ الذي نملأه، والصلصال الذي نشكلّه، والبذرة التي يجب أن نقرر كيف نغرسها، ونرعاها، وقصة الحرب في الهند، قد لامست كل طفل، ليس في الهند، نتمنى أن يحملوا النور لمستقبل البلد.
المصادر
تم كتابة هذه القصة ضمن مشروع حكايات شهرزاد الذي يعمل على تأريخ الصراع وروايته من زاوية دينية.
يمكنكم قراءة كتاب حكايات شهرزاد من هنا كتاب حكايات شهرزاد