سهى الأشعري .. سائقة الأحلام

سائقة باص في عدن
تقرير عن سهى الأشعري وهي سائقة باص في عدن. تم انتاجه ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.

 

في زحمة المدينة المُرهَقة، تبرزُ قصصٌ تُلامسُ قسوةَ الواقعِ وتُجسّدُ صمودَ الإنسانِ اليمنيّ في وجهِ التحدّيات. سهى الأشعري ابنةُ السابعةِ والعشرين ربيعًا، تحملُ على كتفيها حلمًا بحجمِ السماءِ، وتُناضلُ من أجلِ تحقيقهِ في ظلِّ ظروفٍ عصيبةٍ.

 

تخرجت سهى الأشعري من الثانويةِ العامةِ، وكان حلمُ الطبِّ يراودُ مخيلتها، لكنّ قسوةَ الحياةِ وضعتها أمامَ امتحانٍ قاسٍ، فأجبرتها الظروفُ المعيشيةُ الصعبةُ على تركِ مقاعدِ الدراسةِ والتوجهِ نحوَ العملِ لتُساعدَ أسرتها.

 

سهى الأشعري
سهى الأشعري سائقة باص في عدن

لا يأس ولا استسلام لدى سهى الأشعري

 

لم تستسلم سهى لليأسِ، بل حوّلتْ تحدّياتِ الحياةِ إلى قوةٍ دافعةٍ لتحقيقِ حلمها، وبعد أنْ تحسّنت أوضاعُها المعيشيةُ بعضَ الشيء، قررت العودةَ إلى مقاعدِ الدراسةِ، لكنّها صُدِمتْ بانتهاءِ صلاحيةِ شهادتها الثانوية.

 

لم تيأس سهى، بل عادت لتُنهيَ الثانويةَ العامةَ من جديدٍ، مُصممةً على تحقيقِ حلمها مهما كلفها الأمر. ولم تكتفِ بذلك، بل قررتْ خوضَ غمارِ العملِ في مهنةٍ يعتبرها الكثيرونَ حكرًا على الرجالِ في مجتمعنا اليمنيّ، ألا وهي قيادةِ “الباص”.

 

تقول سهى: “التغلّبُ على الواقعِ والمجتمعِ أمرٌ صعبٌ، لأنّ الصعوباتِ تواجهكَ مهما كانت في عملك”. وتضيف: “أثبتُّ مكانتي رغمَ أنّني لم أتوقعْ يومًا من الأيامِ أنّني سأقومُ بهذا العمل، لكنّ الثقةَ بالنفسِ ودعمَ العائلةِ والأصدقاءِ زادني قوةً وشجاعةً”.

 

تُشكّلُ مهنةُ سهى كسائقةِ باصٍ نقطةَ تحوّلٍ بارزةً في حياتها، ففي مجتمعٍّ يَعتبرُ قيادةَ المركباتِ حكرًا على الرجال، تَخترقُ سهى حاجزَ التقاليدِ بِجرأةٍ وثقةٍ، مُتحدّيةً نظراتِ الاستغرابِ والانتقادِ.

 

تبدأ رحلتُها اليوميةُ في ساعاتِ الفجرِ الأولى، حيثُ تُمسكُ بمُقوّدِ باصٍها، وتنطلقُ من منزلها في مديرية دار سعد بمحافظة عدن جنوبي اليمن إلى شوارعَ المدينة المُزدحمةِ، تُتقنُ سهى قيادةَ “الجير” ببراعةٍ تُثيرُ إعجابَ البعضِ واستغرابَ البعضِ الآخر، فبينَ تَغييرِ السرعاتِ وتَجاوزِ السياراتِ بِحذرٍ، تُثبتُ سهى أنّها قادرةٌ على مُنافسةِ الرجالِ في مجالٍ لطالما اعتبروهُ خاصًّا بهم.


سهى الأشعري سائقة الباص

لا تَخلو رحلةُ سهى اليوميةُ من المواقفِ الطريفةِ أحيانًا والمُحرجةِ للأعصابِ أحيانًا أخرى. فقد تُواجهُ ركابًا مُتعجّلينَ يُطالبونها بِزيادةِ السرعةِ، أو آخرينَ يُبدونَ مُلاحظاتهم على طريقةِ قيادتها.. ظانّينَ أنّها ستَضعُفُ أمامَ كلماتهم، لكنّ سهى تُواجهُ كلّ ذلك بِهدوءٍ أعصابٍ وثقةٍ عاليةٍ بِالنفسِ، فهي تُدركُ جيّدًا حقّها في العملِ وإثباتِ ذاتها.

 

تقول سهى وَاصفةً تجربتها: “لم يُوجّه لي أحدٌ من الركابِ كلمةً سيئةً مُباشرةً.. لكنّني أسمعُ أحيانًا همساتٍ من بعيدٍ تقول: “أوه، بنتٌ تَسوقُ دبّابًا!”. وتُضيفُ بِابتسامةٍ هادئةٍ: “أتعاملُ مع كلّ ذلك بالتّجاهلِ، فأنا أُركّزُ على عملي ولا أُعطي أهميةً للأقاويلِ السّلبية”.

 

ومن المواقف التي تسعدها هو عندما تجلس إحدى الفتيات بجانبها وتبدأ بالتقاط صور سيلفي.. معبرة عن سعادتها لكونها بجانب السائقة، وهو شعور جميل تشارك به الفتيات. كما تتذكر موقفًا آخر عندما رأها طفل أثناء قيادتها، حيث صرخ بأمه قائلاً إن هناك فتاة تقود الباص. معبرًا عن فرحته بإشارة من يده وكلمة “الله عليك”.

 

وتضيف أيضًا أنها شهدت موقفًا آخر عندما صعد الباص شخص يبدو كأنه دكتور أو محامي.. وبدأ يتحدث بحماس، لكنها حاورته بهدوء وعندما حان وقت نزوله قال لها: “شكر لك، لو كان السائق رجلًا، لكان أنزلني في منتصف الطريق”.

 

تُقدّمُ رسالتها للمجتمعِ بأنْ يشجّعَ المرأةَ، ويُدركَ أنّها نصفُ المجتمعِ، وأنّها قادرةٌ على العملِ والإنتاجِ. وتطمح بافتتاحِ صالونٍ رياضيٍّ خاصٍّ بها، لِتُحققَ الاستقرارَ الماديَّ والمعنويَّ.

 

تُدركُ سهى أنّ طريقها لا يزالُ طويلًا وشاقًّا، لكنّها تُصرُّ على إكمالِ مسيرتها بِإصرارٍ وعزيمةٍ.. حاملةً معها حُلمَها وَرغبتها في تغييرِ نظرةِ المجتمعِ لِدورِ المرأة.

سائقة باص في عدن


القدرات الكامنة في المرأة

يؤكد الباحث الاجتماعي، ماهر شير علي، على القدرات الكامنة في المرأة منذ أزمان غابرة. مستشهداً بدورها الريادي في قيادة بعض البلدان في العصور القديمة. ويضيف أن تطور وسائل الإنتاج فتح المجال أمام المرأة لتثبت جدارتها في مجالات مهنية مختلفة.. كانت حكراً على الرجل في فترات سابقة.

 

ويرى شير علي أن دخول المرأة عالم قيادة الباصات، على الرغم من كونه غير مألوف في المجتمع اليمني المحافظ. إلا أنه خطوة جريئة نحو تغيير الصورة النمطية السائدة. ويُرجع ذلك إلى تمسك المرأة بالقيم والأخلاق أثناء تأديتها لعملها، مما سيساهم في تغيير نظرة المجتمع تدريجياً.

 

اقرأ أيضًا عن خيوط الكروشيه ورحلة البحث عن الذات


تغيير الصورة النمطية

من جانبها، ترى الدكتورة آيات علي، رئيسة شبكة النوع الاجتماعي لدى مركز المرأة في جامعة عدن، أن عمل المرأة كـ”دريول” سيُحدث نقلة نوعية في تغيير الصورة النمطية المتوارثة عن دور المرأة، خاصةً وأن هذه المهنة ارتبطت بالذكور لفترات طويلة.

 

وتشدد الدكتورة آيات على أهمية تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، مشيرةً إلى أن ذلك سيساهم في تعزيز المساواة بين الجنسين. وتضيف أن دخول المرأة لمجال قيادة الباصات سيشجع أخريات على خوض غمار تجارب جديدة، مما يعزز دورها في المجتمع.


العقبات الثقافية والاجتماعية

وتُقر الدكتورة آيات بوجود تحديات وعقبات ثقافية واجتماعية تواجه المرأة اليمنية. لكنها تؤكد في الوقت ذاته على أن المرأة كائن قوي ومقاوم، وقادرة على تحدي التقاليد البالية.

 

وتلفت آيات الانتباه إلى أهمية دور السياسات الحكومية في دعم المرأة.. من خلال سن تشريعات تضمن المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في مراكز صنع القرار. وتُشدد على أهمية توفير برامج تدريب وتأهيل مهني للنساء، وتمويل المشاريع الصغيرة، لتتمكن المرأة من تحقيق استقلالها المالي.

 

يبقى الأمل معقوداً على قدرة المرأة اليمنية على تذليل العقبات.. وكسر القيود، لتثبت للعالم أجمع أنها قادرة على العطاء والإبداع في كافة المجالات. وأن دورها لا يقتصر على أدوارٍ تقليدية، بل يتعداه ليشمل المشاركة الفعّالة في بناء مجتمع مُزدهر ومتماسك.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.