في زمن تتداخل فيه الألوان والقصص، يبرز الفنان علاء أحمد الدولي كمصور يمني يحمل في عدسته حكايات وطنه وأحلامه.
من عدن، المدينة التي تحتضن التاريخ والثقافة، استطاع علاء أن يخلق لنفسه مسارًا فنيًا مميزًا، يعكس تحدياته وانتصاراته.
تُظهر تجربة علاء أحمد الدولي كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الهوية والثقافة، رغم التحديات، ومن خلال شغفه وإبداعه، يسعى لتعزيز الوعي بجماليات بلاده، مؤكدًا أن الفن يمكن أن يكون جسرًا للتواصل والتغيير.
إن مسيرته تلهم العديد من الشباب ليؤمنوا بقدرتهم على الإبداع، مهما كانت الظروف.
علاء الدولي .. البدايات والإلهام
مرحبا علاء الدولي، عرفنا عن نفسك وحدثنا عن بداياتك كمصور. ما الذي ألهمك لدخول هذا المجال؟
علاء أحمد الدولي شاب يمني من محافظة عدن.
بعد إتمام الثانوية العامة واجهتُ ظروفا جعلتني أترك الدراسة الجامعية، لكنني لم أسمح لذلك أن يعيقني من استكشاف شغفي.
بدأتُ رحلتي في التصوير بمحض الصدفة، عندما كنت أرافق صديقي رأفت رشاد، الذي كان مصورًا ومخرجًا معروفًا.
عبر مشاركتي في بعض الفيديوهات التي كان يخرجها، بدأ شغفي يزيد. كنت أمثل معه في كليبات وفلاشات توعوية، وبدأ داخلي فضول لاكتشاف عالم الكاميرا.
كلما حملتُ الكاميرا بيدي، كان ينتابني شعور جميل يغمرني، دفعني ذلك لأسأل نفسي: كيف يمكنني الاستفادة من هذه الأداة الرائعة؟
وعلى الرغم أن هناك توقفوا عن التمثيل، إلا أنني واصلت في زيارة رأفت، ذلك مكنني من التقاط الصور باستخدام هاتفي الجوال، وتطبيق ما أراه.
في نهاية عام 2012، أتيحت لي الفرصة لاستخدام كاميرا فعلية، وهذا كان بمثابة بداية جديدة لي في عالم التصوير.
تأثير المجتمع
كيف ترى تأثير البيئة المحيطة بك، وخاصة عدن، على أسلوبك الفني في التصوير؟
تأثير البيئة المحيطة كان مركزيًا في تشكيل أسلوبي الفني. عدن بتراثها الغني وتاريخها العريق، لها دور كبير في إلهامي في السنوات الماضية، لكن ثقافة التصوير كانت منعدمة مما جعل من الصعب على الكثيرين تقدير هذا الفن. مع ذلك، أرى الآن اهتمامًا متزايدًا من الشباب، وهو ما يعكس تحسنًا في الوعي الثقافي.
عدن ليست مجرد مكان، بل قصة تُروى من خلال عدسة الكاميرا. المعالم التاريخية والشواطئ والجبال، كلها عناصر تلهمني، تجد في كل زاوية من زوايا هذه المدينة قصة تستحق أن تُروى، سواء من خلال التصوير المعماري أو الوثائقي. كلما اكتشفت المدينة، رأيت جماليات جديدة تجعلني أرى الأمور من زوايا مختلفة.
سقطرى وسحرها المصورين
من خلال زياراتك لجزيرة سقطرى، ما هي أبرز اللحظات التي عايشتها، وكيف أثرت على رؤيتك كفنان؟
جزيرة سقطرى تمثل تجربة فريدة في حياتي كمصور، لكل زيارة ذكرياتها الخاصة، ولكن أبرز اللحظات كانت عندما استطعت التقاط مشاهد طبيعية نادرة تعكس جمال هذا المكان. الطبيعة البكر هناك تمنحني الفرصة لترجمة مشاعري إلى صور، وتجعلني أفكر في أهمية الحفاظ على تراثنا الطبيعي.
التفاعل مع سكان سقطرى، الذين يعيشون في تناغم مع بيئتهم، أعطاني دروسًا في الاحترام والتقدير للموارد الطبيعية. لقد نَمَت لدي فكرة قوية حول أهمية تاريخنا وثرواتنا الطبيعية كيمنيين، ما يدفعني لمشاركة هذه الرسائل مع العالم.
(الدفاع عن المدينة) في باريس
شاركت مؤخرًا في مسابقة مهرجان Megacities shortdocs في باريس، كيف كانت تجربتك هناك؟ وما الذي تعنيه لك هذه المشاركة؟
كانت من أهم التجارب في مسيرتي الفنية، كانت أول تجربة لي على المستوى العالمي. شعرت بفخر كبير لقبول فيلمي ضمن الأفلام التي سيتم عرضها في مهرجانات عالمية.
المشاركة في هذا المهرجان لم تكن مجرد فرصة لإظهار أعمالي، بل كانت طريقة لأظهر للعالم أن الفن يمكن أن يكون جسرًا للتواصل.
هذه التجارب تخلق فرص لتبادل الأفكار والتحديات، لقد ملأتني بالإلهام لمواصلة العمل الجاد وتعني لي الكثير؛ لأنها تعزز قناعتي بأني أستطيع استخدام كاميرتي لخلق تأثير إيجابي.
كونك المصور اليمني الوحيد المشارك في المسابقة، كيف شعرت بمسؤولية نقل الواقع إلى العالم؟
شعرت بثقل المسؤولية، كانت الفرصة أمامي لنقل صورة جميلة عن بلدي، وكنت عازمًا على أن أظهر للعالم أننا نستطيع التعبير عن أنفسنا من خلال الفن، حتى في أوقات الأزمات.
أردت أن أكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وأن أظهر للعالم أن الإبداع يمكن أن ينمو حتى في أصعب الظروف.
أخبرنا عن فيلم “الدفاع عن المدينة” وما الذي جعله مميزًا بالنسبة لك؟
فيلم “الدفاع عن المدينة” هو عمل وثائقي يركز على قصة ناشط شاب من عدن، يُظهر كيف يسعى للحفاظ على معالم مدينته بمجهوده الشخصي.
كثر ما يجعله مميزًا هو أنه يعكس واقع حياتنا، ويظهر القوة الداخلية للأفراد في مواجهة التحديات، الفيلم ليس مجرد قصة فردية، بل هو رسالة جماعية حول ضرورة الحفاظ على تراثنا الثقافي.
استخدامي لأسلوب بسيط في التصوير وسرد القصة جعل الفيلم ينقل مشاعر حقيقية، ويعكس الحب العميق الذي يشعر به الأبطال تجاه مدينتهم. أعتقد أن الرسالة التي يحملها الفيلم تتجاوز حدود عدن، لتصل إلى كل من يهمه الحفاظ على الهوية الثقافية.
التحديات المختلفة
كيف يتعامل علاء الدولي مع التحديات التي تواجهها كمصور؟
التحديات التي أواجهها كمصور في بيئة مليئة بالاضطرابات كبيرة، خاصة مع الأوضاع الأمنية المتوترة، ومع ذلك أجد فيّ الشغف الذي يدفعني للاستمرار القوة لمواجهة هذه التحديات.. وكلما تذكرت هدفي في صناعة أفلام تساهم في إيصال صوت بلدي للعالم، زادت رغبتي في تجاوز العقبات.
أعتبر أن كل تحدٍ هو فرصة للتعلم والنمو ، التكيف مع الظروف المحيطة بي، والعمل تحت الضغط يعزّز من مهاراتي كمصور، ويجعلني أرى الأمور من منظور جديد.
الرسالة الفنية
ما هي الرسالة التي تسعى لنقلها من خلال أعمالك الفنية وصورك؟
الرسائل التي أريد إيصالها متعددة، ولكن من أبرزها أهمية السلام والتعايش.
أؤمن أن الفن لديه القدرة على تغيير المفاهيم، وأرغب في أن يكون لي دور في إيقاف الحرب في اليمن.
أريد أن أكون جزءًا من الحوار الذي يهدف إلى نبذ العنصرية والانقسام، سواء في اليمن أو في العالم العربي بشكل عام.
المشاريع المستقبلية لعلاء الدولي
ما هي المشاريع المستقبلية التي تخطط للعمل عليها؟
لدي العديد من المشاريع المستقبلية، وأحد أبرزها هو فيلم سينمائي يتناول موضوع الحرب والتفرقة العنصرية.. إلى جانب طموحي في تقديم أعمال تعكس تجارب الناس وتبحث عن الحلول الممكنة، مع التركيز على الجوانب الإيجابية فيها .
النصيحة الأخيرة
نصيحة يقدمها علاء الدولي للمصورين الشباب الذين يرغبون في تطوير مهاراتهم في هذا المجال؟
لدي العديد من النصائح للمصورين الشباب لعل أبرزها أن يتنافسوا بشرف، وأن يعتبروا الظروف الصعبة دافعًا للتطوير.
وإن كنت تعيش في بيئة مليئة بالتحديات، فاستغل ذلك لتكون متميزًا.
التغذية البصرية ومتابعة كل جديد في عالم التصوير هي المفتاح لتطوير مهاراتكم.
إذا تعلمت شيئًا جديدًا، اخرج وطبقه حتى تتقنه.