قصة شهرزاد واللقاء بأبطال الحكايات العالمية

قصة شهرزاد
تقرأون هنا عن قصة شهرزاد ولقاءها بأبطال الحكايات العالمية.. الظروف والمبررات التي دعتهم لهذا اللقاء، والخطة التي اعتمدوها


قصة شهرزاد

في عالم الحكايات، احتلت شهرزاد مكانة مرتفعة، كإحدى مبدعات الحكايات والقصص عبر التاريخ، وبفضل ذكائها، استطاعت أن تجعل الملك شهريار، من رجل تزوجها ليقتلها في المساء مثل بقية العذراوات اللواتي قتلهن؛ إلى رجل يؤجل قتلها كل يوم؛ ليستمع المزيد من حكاياتها، حتى أمضت معه ألف ليلة وليلة، وحكت له 264 حكاية، وأعادته إلى صورته الإنسانية، الصورة التي مفترض أن ترتسم في كل وجوه البشر، ليتخلصوا من الشر الذي يغلب الخير داخلهم.

وبعد أن أنهت مهمتها مع شهريار، غرقت في سبات عميق، في قصر تحيط به غابة من النخيل، يتسلل منها ضوء النهار بهدوء، يدخل في زوايا القصر، ويلامس سقفه المصنوع من العاج زجاجي، يتلألأ ليلًا، ويتحوّل إلى بوابة للخيال.

ذات يوم، تسلل الصباح إلى عيني شهرزاد وأيقظها من السبات، حمل معه أخبار مؤسفة عن عالم مليء بالصراع، وعن مجتمعات لم تعد تعرف السلام الداخلي، وفيما يبدو بأن الشر قد أوشك على الانتصار.

استيقظت على عجالة، وقبل أن تسد جوعها الذي يمتد لسنين؛ أخذت كوزًا وملأته بالماء ثم تكلمت بداخله، ولم تنتظر كثيرًا حتى بلغها الخبر الأكيد، أن الكراهية توشك أن تنتصر.

قصة شهرزاد


رسالة شهرزاد

بعثت شهرزاد برقيات مستعجلة لأبطال الحكايات العالمية الآخرين، كتبت فيها:

بلغني يا أبطال الحكايات، أن هناك حروب وصراعات، وقد تأثر منها الأطفال والأمهات، وأن الكراهية قد تسللت إلى الكثير من المجتمعات، فتعالوا يا أيها أبطال، لنتحدث في هذه الأعمال.

أخذت الرياح برقيات شهرزاد وطارت بها في اتجاهات مختلفة، ذهبت إحداها إلى اليمن ووقعت بين يدي وريقة الحناء، وذهبت الثانية إلى العراق ووقعت بين يدي علاء الدين، وذهبت الثالثة إلى مصر ووقعت بين يدي أبو رجل مسلوخة، وطارت الرابعة إلى الهند ووقعت بين يدي سيندوري، فيما استقرت الأخيرة في أوروبا ووقعت بين يدي سندريلا.

استشعر الجميع المسئولية، وقرروا أن يذهبوا إلى شهرزاد.

في صباح اليوم التالي، وصل الخمسة إلى قصر شهرزاد فردًا فردًا، وما إن التم شملهم، حتى جلسوا جميعًا في طاولة واحدة تتوسط القصر، وبعد أن رحبّت بهم شهرزاد قالت:

يولد الإنسان صفحة نقية، لا أخلاق تحكمه، ولا دين ينتمي إليه، لا خير يسكنه، ولا شر يطغى عليه، لكنه يتعلم من الكلمات التي يتم تلقينها إليه. ونحن وخلال فترات زمنية عديدة، كانت حكايتنا تتناقل بين الناس ويحكوها الجدات للأطفال كنوع من التسلية، ولأننا نحن أبطال الحكايات كانت شخصياتنا متعايشة مع الآخرين، ومُحبة للجميع؛ لذلك تعلّم الناس كيف يعيشون مع بعضهم بحب، لأنهم تقمصوا شخصياتنا بالعقل اللاواعي لديهم، وأثرت على تصرفاتهم، فكانوا نماذج للتعايش مع بعضهم.

ومع صمت الضيوف استمرت شهرزاد بالحديث:

اليوم يستمع الأطفال لحكايات من منابر وأماكن مختلفة، معظمها تحوي أبطال من المحاربين وليس المتعايشين، أبطال يقاتلوا تحت راية الكراهية، وهذا سيخلق مجتمعًا يحمل في عقله اللاواعي عداء دائم ومستمر مع الآخرين، والجميع سيبقى في نوبة صدامات متعددة، ستتحول يومًا إلى صراع جماعي مجنون، وقد طلبت مقابلتكم لأنه حان الوقت لنعود، نريد أن نُلفت انتباه الناس إلى أن الكلمات التي يتم تلقينها لهم، لن تقودهم إلى السلام، بل إلى الصراع الطويل.

رحّب الجميع بكلام شهرزاد، فشكرتهم، وطلبت منهم أن يأخذوا قسطًا من الراحة.

رسالة شهرزاد


النقاش الأول

في مساء ذلك اليوم، كان سقف القصر يسرق ضوء النجوم، من السماء ويتباهى بألوانها في الجدران الممتلئة بالصمت، كان أبطالنا معزولين عن بعضهم، فهم حتى الآن لا يعرفون بعضهم، ومن أجل كسر حاجز الصمت بينهم قررت الأضواء التي كانت تتراقص على جدران القصر أن تمسك بساندريلا وتبدأ بالرقص معها على إيقاع صوت خطوات حذائها الزجاجي وعلى موسيقى الرياح، فعلت ذلك أيضًا مع وريقة الحناء ومع سيندوري، وكانت المفاجأة أن الفتيات قمن بتأدية ذات الرقصة بتناغم تام، ما دفع علاء الدين للقول:

يا فتيات، إن رقصكن ممتع، كيف تحفظن ذات الحركات؟

توقفت ساندريلا عن الرقص حينها، والتفتت إلى علاء الدين، وقالت:

أنا راقصة بارعة، رقصي لفت انتباه جميع الحاضرين في الحفلة التي أقامها أمير البلدة ليختار عروس لابنه، ربما الفتيات سمعن عن القصة وتعلمن رقصتها.

ابتسم علاء الدين وقال:

أهلا ساندريلا، أنا سعيد بلقائك، أخبرني عنك الجني العملاق في مصباحي السحري، وقال إن هناك قصصًا مشابهة لقصتك في مجتمعات كثيرة، يبدو إن وريقة الحناء وسيندوري أشباه لقصتك، مع وجود اختلافات قليلة في تفاصيل القصة.

وردت سندريلا:

طالما اتفقنا على المضمون، فلا خلاف بالتفاصيل، نحن أسرة إنسانية واحدة، نتشابه في المضمون ونختلف في التفاصيل، تفاصيل حياتنا أو شكلنا أو مجتمعنا أو عادتنا أو معتقداتنا. هذا الاختلاف صحي وطبيعي وإنساني طالما يتم التعامل معه بشكل إنساني، أما إذا تحوّل إلى صراع فهذا يعني أن هناك خطابات كراهية تنتشر في المجتمع وتصنع هذا الصراع، سواء لادعاء الأفضلية، أو الحقيقة المطلقة.

أثنت وريقة الحناء على حديث سندريلا، ثم قالت:

قصصنا تتشابه لدى جميع الشعوب، الاختلاف فقط يظهر في طريقة التعامل مع الحدث، بنوعية العقول التي تصنع الحكاية، وبعض القصص تنتهي نهاية رائعة وبعضها تنتهي نهاية مأساوية بحسب المجتمع الذي يحكي الحكاية.

أكدت سيندوري كلام وريقة الحناء وقالت:

نحن القصة لدينا تختلف بما بعد الحدث، لأنني أتزوج وأعيش بسلام، لكن زوجة أبي وابنتها تعيش في تعاسة، وهذا أيضًا يحاكي النموذج الهندي في الحكايات الذي يؤكد أن الأخيار يعيشون بسعادة، أما الأشرار فيعيشون في بؤس.

النقاش الأول

 


شهرزاد تشرح قصة تشابه القصص

كانت شهرزاد تستمع لهذا النقاش الدائر وتشعر بالسعادة لهذا الانسجام الذي يتشكّل لدى الفريق وبعد أن أبدت شهرزاد اعجابها بالرقص، قالت:

نقل التجار القصص من مجتمعات إلى أخرى، ربما نقلوها كما هي، أو أضافوا لها تعديلات مختلفة.. وهذا ما نفهمه من تشابه الروايات في المضمون واختلافها في التفاصيل.. وللأسف هناك أناس الآن، تتقاتل من أجل اثبات أن قصتهم هي الأكثر صدقًا.. ربما نسوا أن كل القصص صحيحة، فهي تؤدي إلى شخصية واحدة.. ومن حق كل شخص أن يتعامل مع قصته بالطريقة التي يراها مناسبة.

وتحدث علاء الدين:

شهرزاد يا من حكيتِ قصتي للملك المبجل شهريار، قد نجحتِ في بناء السلام بين زوجك وبقية أبناء جنسكِ.. علمينا كيف نفعل ذلك؟

وتحدثت شهرزاد

اسمع يا علاء أنت والجميع، الخوف يجعلنا نفكر بحماية أنفسنا بأي طريقة.. قد نستسلم للأمر الواقع، وقد نناضل من أجل النجاة.. أنا قررت النضال ولكن بطريقة جديدة، طريقة التعليم بالتلقين، واللعب على عامل الوقت.

امسكت شهرزاد بيد علاء الدين وأخرجت الخاتم من اصبعه وقالت

لا تعتمد على الآخرين كي يساعدوك، ساعد نفسك،لا تترك المخاوف تسيطر عليك فتخضع لها، أنت سيطر عليها، وتحكم بها لتنجو.. لا تسلّم عقلك للآخرين ليفكروا بالنيابة عنك، أنت تعرف كل شيء.. فقط فكر بفطرة قلبك النقي.

هز علاء الدين رأسه في إشارة إلى موافقته لحديث شهرزاد، فالتفت إلى الفتيات اللواتي كن واقفات بجواره وقال:

نحن نحمل الخير في قلوبنا، نريد أن نقوم بإفراغه من كراهية الآخرين.. فسعادة الإنسان هي مقدار الحب في قلبه، وهذا ما تعلمناه من تجاربنا البشرية.

شهرزاد تحكي


أبو رجل مسلوخة

كان أبو رجل مسلوخة ما يزال جالسًا على الأريكة البعيدة ويستمع لهذا النقاش الدائر.. كان يبدو أن الجميع قد انصرف عنه وتركوه وحيدًا هناك، ثم انتبهوا لذلك، فبادرت شهرزاد بالحديث معه، وقالت له:

يا أبو رجل مسلوخة، يا أيها المعبود القديم وحامي الطفولة، يا رب المرح والسرور في مصـر القديمة، تعال وشاركنا، أنت أحد المتضررين المباشرين من خطابات الكراهية التي أثارت الرعب عنك في قلوب الأطفال. أخبرنا، لماذا ارتسمت هذه الصورة السلبية عنك، ولماذا أصبحتَ بهذه الصورة المخيفة للأطفال؟

وتحدث أبو رجل مسلوخة بعد أن أخذ نفسًا عميقًا وأطلقه:

مارسوا بحقي خطابات سلبية دمرت صورتي. أنا يا سيدتي نموذج لخطاب قام بتغيير قناعات الناس عني، دون أن يتأكدوا من صحة الحكايات التي يسمعونها.. والمحزن أن من يعرف الحقيقة ويحاول إظهارها، يتهموه بالانحراف الفكري، والخروج عن عادات المجتمع وتقاليده.

شعرت شهرزاد بالأسف على هذا التحوّل في قصة أبو رجل مسلوخة، وقالت:

يجب على الجميع أن يفكروا بكيفية إزالة الستار الذي يحجب عن أعينهم النور. ولكن أريد أن أسأل هل ما زالت قصصكم متداولة، هل ما يزال الناس يتذكرونكم؟ أم أصبحتم منسيين في سهول وجبال عالم الحكايات؟

وأجابت وريقة الحناء:

منذ عشرات السنين واليمنيون يعيشون في صراع لا ينتهي، يتقاتل الرجال فيما بينهم، وتنشغل النساء بسماع قصص الحروب.. والجدات بقين في الزوايا صامتات، خائفات، فاقدات لشغف الحكي، ومفتقدات لزحام الأطفال حولهن، ومتعجبات من اليمنيين الذين يجتمعون للحرب بالملايين.. ويتباعدون من حول الحكايات.

وردت شهرزاد:

فهمتك يا وريقة الحناء، الخوف أصبح جزء من السلوك البشري، صنعوا محيطًا من الرهبة التي تجعل الناس قلقين من بعضهم.. ويخشون من بعضهم، ويتمنون الموت لبعضهم البعض، هذا أمر مؤسف حقًا.

وتساءلت سيندوري:

كيف فعلوا ذلك؟

وردت شهرزاد:

سأجيبك عزيزتي سيندوري. في التاريخ البشري، لجأ الكثير لصناعة الخوف، يقومون بعملية هندسة للمجتمع لإعادة بناء تفكيره، وذلك من خلال نشر حكايات مغلوطة.. جزء من هذه الحكايات تستهدف الآخر الذي لا يشبههم، وهذا يؤدي إلى نوبة خوف جماعي من الآخر.. بالتالي يحدث انقسام في المجتمع، وتتأسس الأحقاد، ثم تتحول إلى صراع.


التحرك العاجل

انتاب الحزن جميع من في قاعة القصر، ثم قال علاء الدين مخاطبًا الجميع:

هذا أمر مؤسف، والمؤسف أننا غير قادرين على عمل شيء، فقد أصبحنا منسيين في عالم البشر، واختفت قصصنا التي كانت تعلّم الناس الحب وتدعوهم للعيش معًا، وظهرت بالمقابل القصص التي تدفع الناس نحو الكراهية.. لماذا حدث هذا يا شهرزاد، وكيف يمكن أن نساهم في حل هذه المعضلة؟

وردت شهرزاد:

انتشرت خطابات الكراهية، ومع تكرارها المستمر، تصالح معها الناس، ثم تعاطوا معها بإيجابية، حتى وصل الأمر للتحريض ضد الآخرين، والدعوة للعنف تجاههم. أما نحن فسوف نساهم برواية الحكايات الإيجابية التي تزرع الخير في قلوب الناس.

وخاطبها علاء الدين:

أنتِ سيدة الحكايات، احكِ لنا كي نفهم!

وردت شهرزاد بابتسامة:

كلنا سوف نحكي، ولكن دعونا في البداية نفهم طبيعة الحروب والصراعات في المجتمعات، ولنبدأ من اليمن.. نريد أن نفهم ماذا يحدث هناك، وأن نعرف طبيعة الصراع التي تخوضه.. ولتحكي لنا وريقة الحناء الحكاية الأولى.

استوت وريقة الحناء في جلستها على الأريكة، ومع استواء جميع الضيوف في جلستهم للاستماع لقصة الصراع في اليمن.. حتى أدركهم الصباح، فسكت وريقة الحناء عن الكلام المباح.

 

إقرأ المزيد عن قصة شهرزاد من هنا

قصة شهرزاد
قصة شهرزاد

المصادر

(1) انقر هنا ، (2) انقر هنا ، (3) انقر هنا ، (4) انقر هنا ، (5) انقر هنا ، (6) انقر هنا ، (7) انقر هنا


تم كتابة هذه القصة ضمن مشروع حكايات شهرزاد الذي يعمل على تأريخ الصراع وروايته من زاوية دينية. 

يمكنكم قراءة كتاب حكايات شهرزاد من هنا كتاب حكايات شهرزاد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.