يقوم الإسلام على فكرة المساواة، فلا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى.
يحث الإسلام على بناء علاقات إنسانية تقوم على الاحترام المتبادل، بغض النظر عن الدين أو العرق. لذا، فإن مسألة لعنة الكفار ولعن اليهود تحتاج إلى فهم دقيق يُراعي مبادئ التعامل مع غير المسلمين.
هل يجوز لعنة الكفار؟
الكراهية لا تؤدي إلى الخير، بل تساهم في تعزيز الفتن والعداوة، وهو ما يتنافى مع رسالة الإسلام التي تهدف إلى نشر السلام والمحبة في العالم
لا يجوز لعن الكفار، ولم يرد نص يقوم بتوجيه الناس نحو لعنة الكفار أو اليهود، ولم يشرع ذلك، وهناك حديث صحيح بتحريم اللعن.
صحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً.))
أخرجه مسلم (2599).
والكفار في الإسلام هم الذين لا يؤمنون برسالة النبي محمد. وقد ميّز الإسلام بينهم، فهناك مثلا الكفار المعاهدون الذين يعيشون في معاهدات سلام. وهناك الكفار المحاربون، وهناك الذين يعارضون الدعوة الإسلامية ولكن لا يمارسون أي عداء تجاه المسلمين. ولم يفرض الإسلام كراهية الكفار أو عداءهم بناء على اختلاف الدين. على العكس، دعا إلى الحوار والتفاهم معهم.
والقرآن الكريم، لا يقوم بلعنة الكفار كوسيلة للتعامل، ورد فيه:
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” [البقرة: 83].
ولم تأتِ في القرآن لعنة الكفار أو اللعنن بشكل عام على وجه التشريع إلا في موضعين فقط (اقرأ هنا للمزيد)، ولم يتم ارشاد الناس إلى اللعن والتلاعن، ولم يشرع لهم ذلك. بل الأصل هو الامتناع عن اللَّعن.
قال النبي محمد:
(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ).
(لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

مفهوم لعنة الكفار في الإسلام
اللّعن في الإسلام هو الدعاء بالشر والهلاك
اللعنة هي الطرد من رحمة الله. وهي ليست من الآداب الإسلامية في التعامل مع البشر، خاصةً إذا كان المقصود بها الأشخاص الذين يختلفون في الدين.
المسلم مُطالب بالكلمة الطيبة والخلق الحسن مع الآخرين، حتى مع من لا يشاركونه الدين. وقد ورد في العديد من أحاديث النبي محمد ما يدل على أهمية الدعاء بالخير والرحمة للجميع، والابتعاد عن دعاء الشر واللعنة.
((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً.))
المُسلم مطالب بالتعايش السلمي مع غير المسلمين. القرآن يشير بوضوح إلى احترام حقوق الناس جميعًا والتعامل معهم بالعدل والمساواة:
“لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” [الممتحنة: 8].
هذه الآية تبرز أن الإسلام لا يرفض التعامل الحسن مع غير المسلمين، بل يدعو إلى البر والإحسان معهم.
لعنة الكفار في ضوء التعايش
التعايش بين الأديان يبدأ بالوعي
من المهم أن يسعى المسلمون إلى بناء جسور من التفاهم والتعاون مع غير المسلمين، بعيدًا عن مشاعر الكراهية أو العداء. التعايش السلمي يبدأ من احترام الآخر، والتفاهم المشترك على المبادئ الإنسانية.
التعايش السلمي في الإسلام ليس مجرد شعار بل هو جزء من رسالته، وينبغي أن يعمل المسلمون على تجسيده في حياتهم اليومية من خلال الأفعال والأقوال.
الإسلام دين يعزز التسامح والرحمة في التعامل مع الجميع، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. اللعن ليس من الأخلاق المستحسنة في الإسلام، سواء كان تجاه الكفار أو الأعداء.
متى يكون اللعن حلالًا؟
اللعن في الإسلام لا يُعتبر مباحًا، ولا يتم استخدامه
لعن الكفار ليس حلالًا. واللعن الواردَ في القرآن أغلبه من باب الإخبار أن الله لعن أو يلعن بعض خَلْقِه. ولم يرد اللعن على وجه التشريع إلا في موضعين فقط كتالي:
الأول في المباهلة
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}
[آل عمران: 59-61].
الثاني في الملاعنة بين الزوجين
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
[النور: 6-9].
هل يجوز لعن العدو؟
لا يجوز لعن العدو حتى وإن كان العداء على أشده
الإسلام يوجّه المسلم إلى الحذر من أن يتسرب إلى قلبه كراهية شخصية، بل يجب أن تكون الأفعال والنوايا في الحرب نابعة من مصلحة الأمة وحق الدفاع عن النفس. الإسلام يعلّمنا أن النية وراء كل عمل يجب أن تكون خالصة لله، حتى في أوقات الصراع والعداء.
حث الإسلام أن يكون المسلم رحيمًا حتى مع أعدائه:
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”
[الأنبياء: 107].
أيضًا في الهدي النبوي، نجد أن النبي محمد أظهر رحمة لأعدائه الذين أساءوا إليه، على سبيل المثال عندما فتح مكة قام بإعلان العفو العام عن جميع من عارضوه.