أثارت وثيقة “الموجهات العامة لتعزيز الثقافة الوطنية والوعي بالنظام الجمهوري وتعميق الولاء الوطني” أو ما تُسمى مصفوفة الثقافة الوطنية؛ جدلاً حادًا، خاصة بعد موجة انتقادات شديدة من بعض التيارات الدينية التي رأت فيها تهديدًا لـ”الهوية الإسلامية”.
الوثيقة التي صدرت عن لجنة تعزيز الثقافة الوطنية والوعي بالنظام الجمهوري وتعميق الولاء الوطني في ديسمبر 2024، تضمنت رؤية شاملة لتعزيز الهوية الوطنية والجمهورية في محافظة تعز، من خلال تحديد المخاطر وآليات مواجهتها والجهات المسؤولة.
حددت الوثيقة أنشطة إعلامية وتربوية وثقافية تستهدف المخاطر الثقافية التي تزرعها مليشيا الحوثي السلالية في عقول الطلاب والشباب في مناطق سيطرتهم.. لاسيما بعد تغيير المناهج الدراسية، وتضمين دروسًا تمثل خطرًا على الجمهورية والديموقراطية والمواطنة المتساوية والتي تُعد من أهم منجزات ثورة 26 سبتمبر 1962 التي اندلعت ضد نظام الحكم الملكي الامامي.
الموجهات التي يُطلق عليها مشايخ دين في تعز “مصفوفة الثقافة الوطنية” تعرضت لانتقاد واسع من المنابر الدينية. قال رجال دين أنها “تحمل مضامين علمانية” وتُقصي الدين من المجال العام. وتركّز فقط على مفاهيم “الجمهورية والمواطنة” دون ربطها بالمرجعية الإسلامية.
منابر دينية تهاجم التسامح وتهاجم الأقليات… وتبرر العنف بخطاب الخوف
الشيخ الأبرز على الساحة عبدالله العديني، اعتبرها حربًا على الإسلام، واستهجن التسامح مع الأقليات الدينية التي يرى فيها تهديدًا للسلم المجتمعي لأنهم بحسب تعبيره سيقومون بسرقة أموال المجتمع وهتك أعراضهم.
فيما اعترض الأستاذ الجامعي والشيخ عبدالبديع التركي على مضامين التعايش والتسامح والسلام التي تحويها الوثيقة، وقال إنها “كفر” لاسيما ما يتعلق بالتنوع، وقال: “هل تقبل أن يكون جارك مسيحي؟”
ويرى مراقبون أن هذا الهجوم العنيف لا يعكس خلافًا حول مضمون الوثيقة، بل صراعًا على النفوذ في المجتمع، خاصة في ظل تحرّك مشبوه تقوده مجاميع متشدّدة في تعز وتهدد به العابرين الدينيين.
ماهي مصفوفة الثقافة الوطنية؟
رؤية ثقافية في مواجهة الخطر الحوثي ومحاولة لصياغة رد مدني على مشروع ثقافي مضاد
ما الذي تتضمنه هذه الوثيقة؟ وما الذي تطرحه بالفعل؟ وهل تستدعي كل هذا الهجوم؟
مصفوفة الثقافة الوطنية أو الموجهات العامة لتعزيز الثقافة الوطنية والوعي بالنظام الجمهوري وتعميق الولاء الوطني، هي وثيقة سياسات عامة أصدرتها لجنة تعزيز الثقافة الوطنية. ونقصد بالسياسات العامة أي خطة عمل تواجه التهديد الذي يشنه الحوثي على اليمن اليمنيين، مواجهة إعلامية وثقافية وسياسية.
تهدف مصفوفة الثقافة الوطنية لتنظيم جهود المؤسسات الحكومية والمجتمعية في محافظة تعز لإحياء المفاهيم الجمهورية، وترسيخ الهوية الوطنية، في مواجهة ما تسميه اللجنة “مشروع الانقلاب الحوثي”، الذي ترى أنه يسعى إلى فرض ثقافة رجعية ونسف مكتسبات الثورة اليمنية.
أهداف مصفوفة الثقافة الوطنية
الوثيقة لا تنص على أهداف محددة، لكنها تُفصح عنها في المضمون
لا توجد ضمن مصفوفة القيم الثقافية أهدافٌ معلنة، ولكن من خلال ما ورد في مقدمتها، فإنه يمكن القول إن أهدافها تتمثل في:
- حماية أفراد الشعب اليمني عمومًا وأبناء محافظة تعز خصوصًا من تأثير فكر مليشيا الحوثي وممارساتها.
- بذل جهد وطني منظم يواجه فكر مليشيا الحوثي الضال المتطرف ومشروعها العنيف.
- التصدّي لحملات الترويج الطائفي للثقافة العنصرية الكهنوتية، ولمراميها في حوثنة التعليم وتوظيفه في مشروع العنف الذي تتبناه.
- مناهضة تجييش مليشيا الحوثي للمجتمع وتعبئته بصورة تهدد السلم الاجتماعي والوفاق الوطني، ومكتسبات النظام الجمهوري والدولة اليمنية، وثوابت الحركة الوطنية اليمنية.
- مواجهة المخاطر والتهديدات الناجمة عن فكر المليشيات الانقلابية والمترتبة على ممارساتها في تعز وبقية المحافظات اليمنية.
- بناء مجتمع قوي ومتماسك، قادر على مجابهة هذه المخاطر والتصدي للتهديدات الراهنة والمستقبلية التي تحاول المليشيات فرضها بالوسائل المختلفة.
- حشد كل الجهود وبذل كل الطاقات، وتسخير جميع الإمكانات، وتوظيف سائر الوسائل المشروعة والمتاحة من أجل مواجهة الخطر الحوثي.
- إرشاد المكاتب والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وكذا منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية وتوجيها بتنفيذ خطط وأنشطة وفعاليات تهدف إلى تعزيز الثقافة الوطنية، وترسيخ الولاء الوطني، وتعميق الوعي بالنظام الجمهوري.
- مواجهة الفكر المتطرف والإعلام الدعائي والممارسات العدائية التي تنتهجها الحوثية الانقلابية، وغيرها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية الخارجة عن النظام والقانون التي تستهدف المواطنين والدولة ومؤسساتها ورموزها وقياداتها، وتتحدى التوافقات الوطنية، وتهدد أمن المجتمع وسلامه واستقراره في محافظة تعز خصوصًا، وفي بقية المحافظات اليمنية عمومًا.
من هم الخارجون عن النظام والقانون؟
جماعات دينية متشددة تتوجس من أي دعوة للسلام والتنوع وتواجهها بالتهديد: هناك أسماء وقرى مستهدفة
هناك تحركات ميدانية مشبوهة تقودها جماعات دينية داخل محافظة تعز. تقوم هذه الجماعات بالتدخّل في معتقدات الآخرين، وتهديدهم بالقتل. وتورطت منذ سنوات بتنفيذ اغتيالات واقتحامات لمنازل لأسباب تتعلق بحرية الفكر.
يرى مراقبون أن الذين جنّدوا أنفسهم لمناهضة الوثيقة، قد يكونوا من المنخرطين أو الداعمين -بشكل أو بآخر- لهذه الجماعات. وهذا ما أثار لديهم مخاوف من استهدافهم، خاصة مع التحركات الأمنية في تعز -بحسب مصادر- والتي اعتقلت الكثير من الشباب المتطرفين. أثناء التحقيقات الأمنية اعترف متطرفون بأن لديهم قوائم تحمل أسماء أفراد ومنظمات سيتم استهدافهم لأنهم أعداء الدين.
كانت معلومات خاصة قد أفادت عن تحركات أخيرة لمتطرفين استهدفوا خلالها عدد من القرى في مديرية (المعافر) بتعز. رصدوا أسماء العابرين الدينيين وحرّضوا ضدهم، وقدّموا ملفات عنهم إلى الجهات الأمنية بكونهم مرتدين عن الدين الإسلامي.
إقرأ أيضًا.. المسيحية في اليمن شواهد على التاريخ والمعاناة
28 تهديدًا.. عرض لمصفوفة الثقافة الوطنية
الوثيقة تفنّد تهديدات الحوثي وتوزّع الأدوار على مؤسسات الدولة والمجتمع
وثيقة “الموجهات العامة لتعزيز الثقافة الوطنية والوعي بالنظام الجمهوري وتعميق الولاء الوطني”.. تُسمى لدى مشايخ الدين: مصفوفة الثقافة الوطنية. تتكون من 28 بندًا يمثلون التهديدات القائمة والمحتملة التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق اليمن عمومًا وتعز خصوصًا.
بجانب كل تهديد، ثمة موجّه عام لمواجهته، ودور مطلوب القيام به، والجهات المطلوب منها القيام بهذا الدور وهي:
الجيش الوطني.
الأمن.
التربية والتعليم.
التعليم الفني.
التعليم الجامعي.
الشباب والرياضة.
الإعلام.
المرأة.
الثقافة.
الأوقاف والارشاد.
مكتب شؤون الحصار.
منظمات المجتمع المدني.
الأحزاب السياسية.
وجهات أخرى مثل مكتب حقوق الإنسان.
والوثيقة مدنية، سياسية، وطنية بامتياز، تنطلق من رؤية مقاومة للانقلاب.
مراجعة سريعة
الرد على الاتهامات: الوثيقة لا تمس الثوابت، بل تقاوم مشروعًا طائفيًا
لا تحتوي مصفوفة الثقافة الوطنية، أبدًا؛ على ما يهدد الثوابت الدينية. ولا تمس أيًّا من أركان الدين الإسلامي أو شعائره. ولا تشتمل على أي مواد دينية أو فلسفية أو أيديولوجية مناقضة للثوابت الإسلامية. تُحمّل جماعة الحوثي مسؤولية تدمير المشروع الجمهوري. وتصف مشروع الحوثيين بأنه سلالي ديني رجعي. تعتبر أن الانقلاب الحوثي ليس فقط عسكريًا، بل ثقافيًا وأيديولوجيًا يسعى لإعادة اليمن إلى ما قبل ثورة سبتمبر 1962. وتدعو إلى بناء وعي مجتمعي يحترم التنوع، ويحصن الجبهة الداخلية من الانقسامات الطائفية أو المذهبية.
اطلع على الوثيقة من هنا