ممتلكات بهائيين في قبضة الحوثي
“مصادرة ممتلكاتنا كانت جزءاً من اقتلاعنا الجذري” تقول روحية بنبرة ملؤها الأسى. تشرح تداعيات غير مادية نتجت عن استيلاء الحوثيين على ممتلكات ومنازل بهائيين في صنعاء وغيرها وأصبحت في قبضة الحوثي. تقول: “تخيل أن يتم سلب لحظات حياتك الجميلة التي عشتها مع عائلتك وجيرانك وأصدقائك”. تؤكد إنه أيضًا تم سلب كل الأغراض الشخصية، كالصور والشهادات المدرسية والذكريات.
إقرأ أيضًا: نساء في معتقلات الحوثي، والتهمة: “بهائية”
أما نادر السقاف، وهو بهائي يمني، فيشتكي من حجم الخسارات التي تعرض لها هو وأبناء وبنات دينه اليمنيين. يقول: “حتى مقابرنا تم الاستيلاء عليها، وانتهكت حرماتها”. ويضيف: “هذا هو جزء من الاضطهاد الممنهج الذي كنا ومازلنا نتعرض له من قبل الحوثيين”.
دينك يعرضك للاعتقال
يوضح السقاف أن هناك بهائيين في قبضة الحوثي أودعوا في سجون الأمن القومي السرية لجماعة الحوثي. يؤكد أنهم تعرضوا لتعذيب نفسي وجسدي لفترات متفاوتة تصل إلى سنوات، لا تهمة لهم سوى اعتناقهم الديانة البهائية.
اعتقل السقاف للمرة الأولى هو وشقيقه عام 2015 بسبب حضورهم إحدى جلسات محاكمة الناشط البهائي حامد بن حيدرة.
اعتقل من مقر عمله في ديسمبر 2013، وحكم عليه بالإعدام أوائل 2018 بتهمة التخابر مع إسرائيل. عفو عنه لاحقاً، لكنهم أبقوه قيد الاعتقال حتى اليوم.
توالت بعد السقاف اعتقالات البهائيين لتطال زوجته، وكذلك روحية وزوجها نديم. لاحقًا أطلق الحوثيون سراحهم، وكذلك سراح آخرين كانوا قد اعتقلوهم، منهم أطفالاً وقاصرين.
تشير روحية إلى مداهمات نفذها الحوثيون لمنازل المعتقلين البهائيين، وتعريض أطفالهم للترويع. تشير كذلك إلى نهب أغراض خاصة، وتؤكد أن الحوثيين يتبعون استراتيجية هادفة إلى سلب البهائيين كل ما يملكون. تقول إن كل ذلك يتم بدون “أي مسوغ قانوني”.
تقول: لقد تعمدو مصادرة بعض وثائق الملكيات بحجة مراجعتها، ثم يتذرعون بحجج واهية لعدم إرجاعها وإبقائها لديهم”. تلفت إلى وجود تكتيك آخر وهو أن يقوم الأمن بإغلاق منازل ومكاتب ومؤسسات مملوكة لبهائيين وبعدها بأيام يتم إرسال أفراد أمن متنكرين بزي مدني أو بلطجيين لنهب الممتلكات وسرقتها.
يؤكد السقاف “أحد أهم الأسباب للانتهاكات ضدنا هو الاستيلاء على ممتلكاتنا وأموالنا”.
مصادرة ثلاثة وخمسين ألف دولار
بدوره، يتهم الناطق الرسمي باسم البهائيين في اليمن عبد الله العلفي الحوثيين بمصادرة مبلغ ثلاثة وخمسين ألف دولار عام 2015. يقول إنها كانت في صندوق الزكاة الخاص بالبهائيين.
يشدد على أن البهائيين يطالبون الحوثيين باستمرار لإعادة المبلغ، أو على الأقل منحهم سند قبض أو استلام رسمي و”لكن لا جدوى”. يتهم العلفي جماعة الحوثي بالاستيلاء على 4 منازل على الأقل ناهيك عن أراض ومبالغ مالية شخصية “دون وجه حق”.
وتؤكد روحية أنه لم يتم إرجاع أية ممتلكات من المستولى عليها، بل إنها تستذكر بشكل ساخر كيف زعم ضابط خلال اعتقالها أنها ستستعيد كافة ممتلكاتها بما فيها قلم رخيص كان في حقيبتها، وتردف أنها لغاية اليوم لم ترَ القلم أو طنجرة المطبخ وألواح الطاقة الشمسية وغيرها من أغراض تتهم الحوثيين بسلبها منها.
الانتهاكات الحقوقية بحق البهائيين
الناشطة الحقوقية اليمنية رضية المتوكل تتحدث عن أشكال متعددة من الانتهاكات التي يتعرض لها بهائيو اليمن بما يشمل الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة. وتلفت إلى أن حكم الإعدام الصادر بحق حامد بن حيدرة شمل أيضاً مصادرة أمواله وممتلكاته، كما تلفت إلى إغلاق المحافل البهائية في صنعاء للنساء والرجال، ومغادرة العشرات من أتباع الأقلية البهائية في أوقات متفرقة بعد تعرضهم لتجربة الاعتقال واضطرارهم لمغادرة البلاد، مخلفين وراءهم بيوتهم وممتلكاتهم.
يوضح العلفي أن عدداً من البهائيين تفاجؤوا بوجود أمر من الحارس القضائي بتجميد حساباتهم البنكية ووضع أسمائهم في القائمة السوداء بالبنك المركزي، ويعتقد العلفي بأن القائمة تحتوي على أكثر من مئة اسم من البهائيين أو أشخاص على علاقة البهائيين في اليمن، ويؤكد أن قائمة الأسماء أتت من جهاز الأمن القومي إلى الحارس القضائي وتمت مصادقتها دون أي حكم قضائي.
من هؤلاء المتضررين بقائمة الأسماء المحظورة مالياً الشابة سارة (اسم مستعار)، ولدى سارة مشروعها الخاص لبيع الملابس عبر تطبيق واتسآب، واعتادت أن تودع كل عائداته في حسابها بمصرف الكريمي الشهير في اليمن، لتتفاجأ لاحقاً بأن حسابها المصرفي قد توقف بسبب وضع اسمها على القائمة المالية السوداء التي أرسلت من خلال الحارس القضائي للبنك المركزي، بحسب رواية العلفي، مما أدى إلى توقف مشروعها الذي كانت تعيل من خلاله نفسها وأهلها، ومن ثم تراكم الديون عليها، علما أنها ليست بهائية بل حضرت فقط بعض الاحتفالات الدينية التي اعتاد البهائيون إقامتها سابقاً.
وحول هذا الجانب يؤكد المحامي خالد الكمال أنه “لا يحق للحارس القضائي أن يجمد او يصادر أي ممتلكات بدون امر قضائي، وعلية فإن قرار الحارس القضائي باطل”.
خطاب متغير وواقع ثابت
في مارس/آذار من عام 2020، أعلنت جماعة الحوثي نيتها عن الإفراج عن جميع السجناء البهائيين في صنعاء، وإلغاء حكم الإعدام على حامد بن حيدرة بعد ثلاثة أيام من صدور حكم استئنافي صادق على إعدامه ومصادرة جميع ممتلكاته.
وفي كلمة بمناسبة مرور الذكرى الخامسة لما يطلقون عليه بـ”الصمود في وجه العدوان الأميركي السعودي”، أمر رئيس المجلس السياسي الأعلى بالجماعة، مهدي المشاط، بالإفراج عن جميع السجناء البهائيين وأعلن العفو العام عن بن حيدرة. إلا أن الأخير بقي قيد الاعتقال مع بهائيين آخرين.
يؤكد نادر السقاف أنه رغم العفو الذي صدر عن رئيس المجلس السياسي للحوثيين، فإن هناك قضايا ماثلة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء يحاكم فيها ٢٤ بهائي غيابياً. يقول أن التهم تتمحور حول مبادئ الدين البهائي، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن محاكمة بن حيدرة وحكم الإعدام بحقه كانا بناء على التهم نفسها. ويعبر السقاف عن قلقه من أن يواجه البهائيون الأربعة وعشرون الأحكام نفسها.
ويعتبر السقاف أن هذه المحاكمات “طريقة للحوثيين للضغط على البهائيين في اليمن” تضاف إلى الطرق الأخرى مثل وجودهم “في القائمة السوداء المالية وحرمانهم من فتح أي حسابات بنكية أو أي تحويلات عن طريق محالّ الصرافة وهذا يضاعف من تدهور حالتهم المادية”.
تعارض مع القانون الدولي
وترى رضية المتوكل أن ما تعرض له أتباع الطائفة البهائية في اليمن من انتهاكات كان بسبب معتقداتهم وأنشطتهم السلمية كمؤمنين بالديانة البهائية، وهو يتعارض مع التزامات اليمن بمقتضى القانون الدولي. وتردف أن “غياب الدولة التي تستند على المساواة أمام القانون وتلتزم به وتحترم التعدد قد حرمت البهائيين أن يعيشوا بسلام في اليمن”، معربة عن أسفها أن “يضطر العشرات من أتباع الديانة البهائية لمغادرة اليمن إلى بلدان أخرى، سواء من المواطنين اليمنيين المعتنقين للبهائية، أو من معتنقي البهائية من جنسيات أخرى، والذين كانوا يقيمون بشكل قانوني في اليمن منذ عشرات السنين.
كلام المتوكل يجد صداه في حديث روحية التي تؤكد أن البهائيين كانوا “جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع اليمني بكل أطيافه”، لكن مع وصول الحوثيين للسلطة بدأ ما تعتبره “الاضطهاد المنهجي بهدف الإبادة الجماعية” وذلك عبر أشكال مختلفة منها “التنمر على أطفالهم بالمدارس وترويعهم” وصولاً إلى “قتل أبائهم وأمهاتهم”، ومرورا بمحاربتهم “بشكل منظم عبر مصادرة رزقهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم”، وليس انتهاء بمحاكمتهم وإصدار أحكام الإعدام بحقهم”.
تواصل معد التحقيق مع خارجية الحوثي للتعليق على الاتهامات المنسوبة لهم، ولم يتلق أي جواب حتى لحظة نشر التحقيق.
التعليقات مغلقة.