- هل عبادة البقر عقيدة هندوسية؟
عبادة البقر تحتل مكانة مرموقة في الديانة الهندوسية، وفي الأساطير الهندية القديمة يُطلق على البقرة أسم كمذنو، أي “مانحة كل الأمنيات”.
لطالما تساءل الكثير:
لماذا يعبد الهندوس البقر؟
وكيف تأصلت عبادة البقر بعمق في النسيج الروحي للمجتمع الهندوسي.
من صفحات الكتب المقدسة للهندوسية إلى شوارع الهند الصاخبة، سنكشف عن طبقات الرمزية والاحترام التي تحيط بالبقر في الهند، وكيف تشكلّت هذه العلاقة الروحية العميقة التي تربط البقرة بقلوب الملايين من الهندوس.
يجب علينا أن نحاول بصدق، رؤية الأشياء من الداخل، فالحقائق الروحية كالفاكهة، تحتاج لتقشير الخرافة والأحكام المسبقة أولاً، لكي نستطيع أن ندرك معناها الحقيقي.
- الأهمية الروحية لعبادة البقر في الهندوسية
ماهي عبادة البقر ؟
عبادة البقر هي اعتقاد الهندوس بأن الأبقار حيوانات مقدسة ويجب ألا تتعرض للأذى أبدًا، ففي التقاليد الهندوسية تتمتع البقرة بمكانة مقدسة تتجاوز بكثير شكلها المادي، يُنظر إليها على أنها تجسيد للإله، ويتم تبجيلها كرمز للنقاء والخصوبة والوفرة.
الهندوس لا يعتبرون الابقار ألهة يجب أن تُعبد، ولكنهم يعتبرون الأبقار رمزًا للعطاء والحب، ويجب أن تُحترم وتُبجل، ففي العقيدة الهندوسية البقرة هي رمز الحياة، رمز الأرض، رمز الأم، ورمز السلام مع الطبيعة.
وجود نظرة دونية للحيوانات في بعض مجتمعاتنا، هذا لا يجعل من تقديسها في مجتمعات أخرى، أمر مثير للسخرية والغرابة، بل أمر يستدعي مراجعة أفكارنا ومواقفنا، والخروج من هذا التعالي الفكري وفهم منظور الآخر في رؤية الأشياء.
يبدو تبجيل الهندوس للبقر محيرًا لنا -كعرب ومسلمين- غالبا!! لأن تصوير عبادة البقر في وسائل الإعلام والثقافة الشعبية في الكثير من الأحيان يتم بشكل خاطئ ويؤدي إلى فهم غير صحيح للتقاليد الهندوسية.
لا يُعيب الهندوس عبادة البقر، ما يعيب حقا هو أن يرفض الإنسان منح عقله فرصة للتمدد خارج منظوره الخاص.
اكتساب فهم أعمق للأهمية الروحية لعبادة البقر، وفهم السياق الثقافي والديني. هو فقط من سيمنحنا القدرة على رؤية وتقدير النسيج الثري للثقافة الهندية، واحترام الطرق المتنوعة التي يعبر بها الناس عن إيمانهم.
تاريخ عبادة البقر في الهند
- في الهند القديمة، كانت الأبقار تعتبر أصولًا ثمينة وغالبًا ما تستخدم كشكل من أشكال العملة للتجارة، وكانت الأبقار تعدّ رمزًا للثروة والازدهار، وعلامة على المكانة الاجتماعية.
- بدأت عبادة البقر بالظهور في معتقدات الهندوس في القرن الرابع قبل الميلاد، قبل هذا التاريخ كانت الأبقار في الديانة الهندوسية تُقدّم كقرابين للألهة ويؤكل لحمها، ولم تكن الأبقار نفسها محور التقديس والعبادة.
- في القرن الأول بعد الميلاد أصبحت البقرة مرتبطة بطبقة البراهمة (أعلى طبقة هندوسية) وأصبح قتل البقرة جريمة تعادل قتل أحد أفراد طبقة البراهمة.
- بعد فترة وجيزة، تم تصوير كريشنا، وهو تجسيد لـ Vishnu، أحد الآلهة الهندوسية الرئيسية الثلاثة، في الأدب والفن مع الأبقار، وهنا أصبحت البقرة تحظى بقداسة مطلقة.
- حركة آريا ساماج التي دعت إلى إنشاء جمعيات حماية الأبقار في مناطق مختلفة من الهند ابتداءً من عام 1882، وانتشرت الحركة بسرعة في جميع أنحاء شمال الهند وإلى البنغال وبومباي ومدراس وغيرها من المناطق المركزية والمقاطعات، وأنقذت الحركة الأبقار المتجولة، واستعادتها لتهيئتها في أماكن تسمى gaushalas (ملاجئ البقر).
- غرست عبادة البقر في الهندوس فضائل اللطف والاحترام والترابط مع الطبيعة، وهي الفضائل التي لا يراها المتسرعون في الحكم على هذه التقاليد الهندوسية، ولعلّ فرمان تحريم ذبح البقر الذي أصدره الأمبراطور جلال الدين أكبر هو أبرز إستشعار إسلامي لهذه الفضائل.
عبادة البقر في الديانة الهندوسية
الهندوسية ديانة قائمة على التناغم مع الطبيعة
هنا سنلخص أهم المعتقدات الهندوسية التي ساهمت في بناء فلسفة عبادة البقر في الديانة الهندوسية، كالتالي:
البقرة المقدسة كامدهينو Kamadhenu
من تموج المحيط خلق الإله براجابتي البقره المقدسه كامدهينو ألهة الوفرة والعطاء، ثم انجبت هذه البقرة المقدسة العديد من الأبقار الذهبية وتم تسميتهن بأمهات أبقار
العالم او أبقار سورابي.
يعتقد الهندوس أن الأبقار في الأرض خلقت وفقاً لشكل وخصائص أبقار سورابي، وكسلالة مباشرة للبقرة المقدسة كامدهينو، وكرمز لعطاء هذه الألهة المقدسة، ولهذا السبب تحظى الأبقار بالحماية والتقديس لدى الهندوس.
الإله كريشنا حامي الأبقار
وفق المعتقدات الهندوسية أبقار سورابي تعيش في السماء، ويقوم برعايتها بشكل مباشر اللورد كريشنا في البهاغافاد غيتا (الكتاب المقدس في الهندوسية) يشار إلى كريشنا ب “حامي الأبقار” ويُرسم كولد يعزف الناي ومحاط بالأبقار.
الإله براهما
تقول التقاليد الهندوسية: أن الإله براهما أخذ شكل بقرة من أجل إطعام أطفاله (البشر). ومن ثم تعتبر البقرة أبًا وأمًا في آن واحد في المعتقدات الهندوسية.. وبالتالي يصبح المرء قاتلاً لأبيه وأمه عندما يقتل بقرة.
مبدأ عدم الإيذاء أو عقيدة اللاعنف
مبدأ عدم الإيذاء اهيمسا، هو مبدأ يدعو إلى عدم التسبب في الإيذاء والضرر لجميع الكائنات الحية، ومن هنا جاءت فكرة احترام وتقديس الكائنات الحية في التقاليد الهندوسية، وصار الكثير من الحيوانات كالأبقار والأفاعي والقردة والفئران والتماسيح والفيله، حيوانات مقدّسة، لكنّ الأبقار من بينها جميعا حظيت بالمكانة الأعلى في التقديس والتبجيل.
إيمان الهندوس بمبدأ اللاعنف وعدم الإيذاء.. هو الذي جعلهم يُفضّلُون النظام الغذائي النباتي.. ويمتنعون عن أكل اللحوم، كطريقة لإظهار الإحترام للحيوانات.
أسباب عبادة البقر في الهند
تُعتبر البقرة حيوانأ مقدساً في الديانة الهندوسبة للأسباب التالية:
(1)
يُقدّس الهندوس البقر لأنها تجسيد للألهة كامدهينو وأبقار سورابي المقدسة Kamadhenu التي تساعد الفقراء، وتحقق أمنيات المحتاجين، وتنشر الرخاء.
(2)
اختار الهندوس تقديس البقرة واعتبروها رمزًا قوميًا للأمة الهندوسية بسبب رغبتهم في التمييز بين شعب الهند الأصلي والغزاة الذين استوطنوا الهند من المغول، والبريطانيين، من خلال التمييز الواضح بين من يأكلون الأبقار ومن لا يأكلونها.
كشف مسح تاريخي لأعمال الشغب الطائفية الكبرى في الهند بين 1717 و1977 أن 22 من أصل 167 حادثة شغب بين الهندوس والمسلمين تُعزى مباشرة إلى ذبح البقر.
في 1 سبتمبر 2021، قالت محكمة الله آباد العليا أنه يجب إعلان البقرة رمزاً وطنياً للهند وحمايتها كحق أساسي للهندوس. وأشارت المحكمة إلى الأهمية الدينية والثقافية للأبقار وضرورة حماية البقر، وقالت المحكمة إن التاريخ كان مليئًا بحالات “كلما نسينا ثقافتنا، هاجمنا أجانب واستعبدونا”
(3)
سبب قداسة البقر في الديانة الهندوسية يرجع إلى إرتباطها بالإله كريشنا، فدائما ما يُصور كراعي بقر يعزف الناي إلى جانب الأبقار التي تستمع إلى موسيقاه، وهو ما منح الأبقار القداسة والحماية وجعل من قتلها إساءة للإله كريشنا في معتقدات الهندوس.
(4)
ينظر الهندوس بتقديس للأبقار لأن طبيعة البقرة اللطيفة والمغذية بمثابة تذكير بالصفات التي يسعى البشر إلى تجسيدها – التعاطف ونكران الذات والحب غير المشروط- على مر التاريخ.
- اللورد كريشنا
طقوس عبادة البقر في الهند
تعد عبادة البقر في الهند جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الدينية والتقاليد الثقافية في البلاد.. ابتداءً من الفعل البسيط المتمثل في الركوع للبقرة.. وانتهاءً بالمهرجانات والاحتفالات العامة.
تتخذ عبادة الأبقار أشكالًا مختلفة، أكثر ها شيوعًا هي:
- “gau puja” أو عبادة البقر، حيث تزين الأبقار بالأكاليل والزنجفر وغيرها من القرابين المقدسة. خلال المهرجانات مثل:
عيد Gopashtami (مهرجان يقام في نصف نوفمبر من كل عام) ومهرجان Govardhan Puja
حيث يتم أداء صلوات وطقوس خاصة لتكريم الأبقار والتعبير عن الإمتنان لدورها في المجتمع. - يعتبر إطعام الأبقار وتقديم الطعام لها عملًا من أعمال العبادة. وفقا لمعتقدات الهندوس رعاية بقرة تعادل عبادة الإله كريشنا. ويُعتقد أيضًا أنه يجلب النعم والحظ السعيد.
عبادة البقر في الهند اليوم
كيف يتعامل الهندوس مع الأبقار؟
- الهندوس لا يذبحون الأبقار، ولا يسيئون معاملتها.
- الهندوس لا يأكلون لحوم الأبقار، لكنّهم يشربون حليب البقر، ويأكلون المنتجات المُصنّعة من الحليب “الجبن والزبدة (السمن).
- يترك الهندوس للأبقار حرية الحركة والوقوف في أي مكان.
- يدفن الهندوس الأبقار بطقوس دينية خاصة
ماهي عقوبة ذبح البقرة في الهند؟
ذبح الأبقار، وفقًا لمبادئ الدين الهندوسي، هي:
- جريمة؛
- وتدنيس فظيع للمقدسات؛
- وذنب لا يمكن تكفيره إلا بموت الجاني
ويرى الهندوس أن أكل لحم بقرة هو دنس لا يمكن تنقيته.، غير أن القانون المدني الهندي يكتفي بسجن كل من قتل أو أذى بقرة.
لماذا تثير عبادة البقر الكثير من الجدل والإنتقادات؟
بالرغم من أن عبادة البقر متأصلة بعمق في الثقافة الهندية، إلا أنها تثير الجدل.. والإنتقادات.. والإنقسام في الآونة الأخيرة.. للأسباب التالية:
- ممارسات حرّاس البقر. حيث أنشات بعض الجماعات الهندوسية المتعصبة مجموعات لحماية الأبقار.. تأخذ على عاتقها مسئولية معاقبة من يسيئون معاملة أي بقرة.. وهو ما أدى إلى حالات من العنف والاضطراب الاجتماعي بين الهندوس من جهة.. والمسلمين والمسيحيين من جهة ثانية.
- فرضت بعض الولايات في الهند قوانين صارمة وحظرًا على ذبح الأبقار. وهو ما أثار الكثير من الأسئلة حول التوازن بين المعتقدات الدينية والحقوق الفردية.. فضلاً عن الحاجة إلى معالجة اهتمامات المجتمعات المختلفة داخل مجتمع متنوع.
- تسلط الإنتقادات حول عبادة الأبقار في الهند الضوء على الطبيعة المعقدة والمتطورة للعلاقة بين الدين والثقافة والقضايا المعاصرة.
عبادة البقر في الفكر الهندي
وصف غاندي البقرة بأنها “قصيدة شفقة” واعتبرها:
رمزًا للثقافة الهندية
تعبير عن “الحقيقة الكبرى” المتمثلة في أن البشر وغير البشر مخلوقات لها نفس الحق في الحياة.
كان غاندي يؤمن أن عقيدة اللاعنف يجب أن تشمل كل الكائنات،
لذلك توقف عن تناول حليب الأبقار بعد أن علم بالممارسات القاسية المستخدمة في جعل الأبقار تنتج المزيد من الحليب.
كان غاندي يرى في حماية البقر، ليس مجرد حماية لبقرة، بل حماية لكل ضعيف وعاجز يعيش في هذا العالم.
ويقول غاندي أيضًا: “يمكن قياس عظمة الأمة وتطورها الأخلاقي من طريقة معاملتها لحيواناتها”.
قائمة المصادر:
- الإله كريشنا حامي الأبقار
اقرأ أيضًا
التنوع الديني: اختلاف وتعدد الأديان
الدول العربية الأكثر قدرة على احتواء التنوع الديني
إنتهى،