يمنيات.. يكفي إقصاء أوقفوا الحرب

من “أسوأ بلد تولد فيه النساء” إلى “أسوأ أزمة انسانية في العالم”.. إذا كنت تعتقد أن تلك بلد غير اليمن، فعليك مراجعة حساباتك.. فمنذ ست سنوات من الحرب تراجع مؤشر التنمية 20 عامًا للوراء وباتت النساء صوتًا غائبًا، يحضرن في قائمة الضحايا، فقط”..


فاطمة مطهر
فاطمة مطهر

في الحروب تتصدر النساء والأطفال قائمة الضحايا والمتضررين، ومع انتشار كوفيد19 كجائحة عالمية بات الأمر أكثر تعقيدًا في بلد بات يحمل وسم “أسوأ أزمة إنسانية”، فبحسب الإحصاءات الحديثة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، هناك نحو 6 ملايين امرأة وفتاة يمنية في سن الإنجاب يتعرضن لمخاطر صحية كبيرة إلى جانب انعدام الحماية، فهناك 1.1 مليون امرأة حامل مصابة بسوء التغذية ومهددة بالأوبئة ويحتجن لرعاية صحية فورية ومعرضات لأن ينجبن أطفالًا يعانون “التقزم”، فيما 114 ألف إمرأة يواجهن مخاطر الإصابة بمضاعفات الولادة.

وتشير التقارير الأممية إلى أن هناك حوالي 6 مليون نازح بسبب الحرب 50% منهم نساء بينها 27% فتيات دون الـ18، هن أكثر الفئات تضررًا ويدفعن الثمن الباهظ”.

تقول فاطمة مطهر عضو المجلس التنفيذي لنقابة الصحفيين لـ أنسم أن الحرب دمرت البلد وأرقام الضحايا ووضع البلد لا يبعثان على الأمل، “فمنذ سنوات نعاني الأوبئة التي باتت منقرضة في العالم: الكوليرا، المكرفس، الملاريا، حمى الضنك.. وحاليًا كوفيد19 الذي بات خطرًا عالميًا، لكنه في اليمن لم يعد الأمر كذلك بل مهددًا للحياة في بلد لايمتلك أدنى المعايير الصحية وما كان موجودًا دمرته الحرب”.

وتضيف مطهر وهي منسقة شبكة أصوات السلام النسوية التي تنشط ضمن مجموعة التسعة لمساندة نداء المبعوث الأممي لوقف الحرب، أن الأمر ليس سهلًا على الناس أن يلتزموا إجراءات الوقاية من كوفيد19 في ظل الوضع الاقتصادي والصحي المنهار ناهيك عن حالة الناس فهناك 24 مليون شخصًا بحاجة لشكل من أشكال المساعدة الإنسانية، أي أن 80% من اليمنيين يفتقرون للحصول على الأمن الغذائي أو الوصول لمياه نظيفة، “لقد باتوا بين موتين: إما الموت بكوفيد19 أو الموت جوعًا” قالت بحزن.. وأردفت: “على جميع الأطراف التزام اتفاقيات السلام ووقف الحرب”.

مطهر: لسنا مجرد أرقام، نريد أن نشارك في صنع المستقبل وبناء قواعد السلام.. يكفي إقصاء وذكورية

لا صوت للنساء

غالبًا ما تتصدر النساء ويلات وكوارث الحروب وقائمة الضحايا ويقع عليهن عبء الكوارث الاقتصادية والإنسانية.. وفي اليمن تعيش المرأة مكبلة بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وسط أجواء أقل ما يقال عنها إنها مزرية ومعقدة، فمنذ العام 2015 وما تزال اليمن تحتل المركز الأخير في العالم، فيما يتعلق بحقوق المرأة، بل وأطلق عليها لقب “أسوأ دولة يمكن أن تولد فيها النساء”، تليها أفغانستان وسوريا، بحسب تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي حول أوضاع النساء في 167 دولة، من الناحية الاقتصادية والأكاديمية والسياسية والعنف والرعاية الطبية.

ويشير تقرير اجتماع المكونات النسوية اليمنية مع الـ un women في أديس أبابا أواخر يوليو 2019 إلى أن “اليمنيات لم يتمكنَّ من إيصال أصواتهن إلى المجتمع الدولي”..

تقول فاطمة مطهر أنه منذ عقود واليمنيات يكافحن من أجل إعلاء أصواتهن وانتزاع حقوقهن، ومثلت ثورة 2011 نقطة فاصلة في تاريخهن وحققن إنجازات كبيرة أهمها تمثيلهن في مؤتمر الحوار الوطني بـ 151 مقعدًا من أصل 565 مقعدًا، و انتزعن كوتا نسائية بنسبة 30%، إلا أن وضع اليمنيات اليوم في ظل أجواء الحرب وكوفيد19 يعتبر الأكثر سوءًا، “إذ كان لهن صوتًا لكنه خفت الآن”.

تكامل الأدوار بين النساء القياديات ومن هن في الميدان سيعطي النساء الكثير من القوة، وسيجعل الآخرين يسمعون أصواتهن

عبء كبير

وأضافت لـ أنسم أنه بسبب الحرب المستمرة، أصبحت النساء في اليمن نازحات ولاجئات، غادرن ديارهن إلى أماكن أخرى، لا يجدن الغذاء والكساء.. “لقد تضرر الشعب اليمني بأكمله من هذه الحرب، لكن الضرر الأكبر كان على النساء والأطفال، فقد تغيرت الأدوار التي تقوم بها النساء وأصبحن هن المعيلات لأسرهن وأصبح أمام المرأة اليمنية عبء كبير جداً في إعالة الأسرة والوفاء بكافة احتياجات أفرادها”.

وأردفت: “أعتقد أن النساء اليمنيات ما زلن بحاجة إلى إعلاء أصواتهن، ما زال صوت النساء اليمنيات خافتاً، بالمطالبة بوقف الحرب، والضغط على الأطراف المتصارعة لتجنيب اليمن الويلات، والمطالبة ببناء السلام والتخفيف من حجم المعاناة التي يعانيها اليمنيون”.

ماتزال النساء بحاجة إلى مزيد من الجهد ومزيد من العمل للتعريف بحقوقهن، وبأهمية أدوراهن، وخاصة في أوقات النزاعات، “لأننا أكثر من يتضرر من ذلك وهناك مهام يجب أن تقوم بها النساء القياديات، وأولئك اللاتي هن في الميدان” قالت مطهر.

وتابعت: “أعتقد أن تكامل الأدوار بين النساء القياديات وبين من في الميدان سيعطي النساء الكثير من القوة، وسيجعل الآخرين يسمعون أصواتهن ويعون الذي يحدث”.

وأكدت فاطمة مطهر: “لا نريد أن نكون مجرد أرقام في قائمة الضحايا ولكننا نريد أن نشارك بفاعلية في صنع مستقبل البلد وبناء قواعد السلام وإيقاف الحرب.. يكفي إقصاء وذكورية”.

1325
يقضي القرار 1325 للأمم المتحدة الصادر عام 2000 بمشاركة المرأة على كافة مستويات صنع القرار ويشمل مشاركتهن في المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية، وآليات منع النزاع، ومفاوضات السلام، وعمليات حفظ السلام (كشرطيات وجنديات وعاملات مدنيات)، وكذلك كممثلات للأمين العام للأمم المتحدة، وحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع اﻻجتماعي، ويشمل تدريب العاملين في عمليات حفظ السلام في مجال حقوق المرأة واتخاذ إجراءات فعالة لحمايتهن، والعمل على منع العنف ضد المرأة من خلال تعزيز حقوق المرأة وأعمال المساءلة وتطبيق القوانين.

وأحد أهم النقاط التي يشملها هذا البند هي محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب – مثل العنف الجنسي – واستثناء جرائم العنف الجنسي دائماً من اتفاقيات العفو العام، كما يشدد على مسؤولية تعزيز حقوق المرأة في إطار القانون العام للدولة، وأخيرًا تعميم منظور النوع اﻻجتماعي في عمليات حفظ السلام، ويشمل تعيين مستشارين لشؤون النوع اﻻجتماعي في جميع عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وأخذ الاحتياجات الخاصة بالمرأة في الاعتبار دائماً عند رسم السياسات وكذلك السماح بنفاذ المعلومات المتاحة من جانب منظمات المرأة إلى جميع السياسات والبرامج.
ومنتصف 2019 دعمت الأمم المتحدة للمرأة تشكيل “مجموعة التسعة” بما يعزز القرار الأممي 1325 كتجمع نسوي يمني متنوع، طوعي يهدف لإنهاء الحرب والعنف وإعادة بناء السلام وإيصال صوت المرأة والسعي لإشراكها ودفعها لمراكز اتخاذ القرار على كل المستويات الرسمية والاجتماعية.

أبو أصبع: يمكن أن تساهم عملية جندرة برامج المساعدات الإنسانية بتخفيف العنف ضد النساء


جندرة البرامج

بلقيس أبو أصبع

من جهتها ترى الدكتورة بلقيس أبو أصبع أن القرار الأممي 1325 قرار هام جدًا وأن العمل به سيضفي نوع من الحماية للنساء في الأزمات ويعزز أدوارهن في بناء السلام، ومكافحة العنف ضد النساء.

وبحسب أستاذة العلوم السياسية وعضو التوافق النسوي – أحد مكونات مجموعة التسعة لمناصرة نداء المبعوث الأممي لوقف الحرب – فإن نسبة العنف ضد النساء بلغت 63% و”هذه نسبة مرتفعة جداً عما كانت عليه قبل الحرب وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية والاختناقات التي يعيشها المجتمع اليمني” قالت.

وتضيف أبو أصبع لـ أنسم: “تضرر المجتمع اليمني بشكل عام من هذه الحرب – رجالًا ونساء – ولكن الضرر كان على النساء اليمنيات اللواتي دائمًا ما يدفعن الثمن الأكبر”.

وترى أبو أصبع أنه في ظل ما تواجهه النساء نتيجة للحرب وأثارها وصولاً إلى تحديات انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، فإنه “يمكن أن تساهم عملية جندرة برامج المساعدات الإنسانية بتخفيف العنف ضد النساء”. 

وتضيف: “على الرغم من حضور المرأة في مختلف البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات العمل الإنساني ذات الصلة في الشهور الأخيرة، إلا أن العديد من العقبات ما تزال تقف حائلاً دون تمثيل عملي يتناسب وحجم الدور والتحديات الملقاة على عاتق النساء اليمنيات”.

وتتابع في حديثها لـ أنسم: “خمس سنوات من الحرب أدت إلى نشوء أسوأ أزمة إنسانية في العالم في التاريخ الحديث، كما أدت إلى إنهيار النظام الصحي والاقتصادي وانهيار الدولة بشكل عام، وعلى إثرها تضرر المجتمع اليمني رجالًا ونساء ولكنه ضررًا أكثر على النساء”.

“فمن تحول النساء إلى معيلات للعديد من الأسر، إلى اضطرارهن لخوض غمار المهن النسائية، كظاهرة إيجابية في واقع صعب، للتخفيف من أثار الحرب على الأسر اليمنية، ما جعلهن في الخطوط الأولى بالدفاع عن العائلات” قالت أبو أصبع.

صحيح أن تأثير النساء مايزال ضعيفًا لكن ما زلن يخضن غمار التحدي

إحاطة

في إحاطته المقدمة لمجلس الأمن الدولي، في الـ14 من مايو الماضي، سلط المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، الضوء على ما وصفه بـ”العواقب الرهيبة لهذا الصراع على النساء والفتيات”.

وتقول أبو أصبع: “لقد أظهرت المرأة اليمنية قيادتها ونشاطها مرارًا وتكرارًا حيث قادت الدعوات لوقف إطلاق النار – وهو المقترح الموجود أمامنا ونعمل عليه في مجموعة التسعة – والإفراج عن المحتجزين ومساعدة المدنيين، ومطالبة الأطراف أن تشارك النساء في وفود المفاوضات ودوائر صنع القرار”. 

وتؤكد استاذة العلوم السياسية أن النساء كُن في الصدارة بالنسبة لبناء السلام، “كانت النساء وما زلن الصوت القوي في بناء السلام”، و تستدرك: “صحيح أن تأثيرهن ضعيف – حتى اللحظة – لكن ما زلن يخضن غمار التحدي”.

وأوضحت لـ أنسم أنه كان للنساء مواقف بدعم مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التي أطلقت في الشهور الأخيرة، لوقف إطلاق النار، حيث حظيت الدعوة بتأييد تسع مكونات أو تحالفات نسائية يمنية شكلن “مجموعة التسعة”.

هناك تجاهل كبير جداً للاحتياجات النسائية، وسيواجهن الكثير من الإشكاليات، بسبب التوجه الرئيسي لمواجهة كوفيد-19

مكافحة كوفيد-19

وفي ظل تفشي فيروس كورونا “كوفيد-19″، وما خلفه من تبعات على الوضع اليمني والدولي، تشدد الدكتورة بلقيس أبوأصبع على أن “اليمنيات ما زلن في الخطوط الأولى لمكافحة الفيروس، حيث توفيت العديد من الطبيبات والممرضات على سبيل المثال، في خطوط الدفاع الأولى لمكافحة الجائحة”. 

واشارت إلى أنه “بحسب الدراسات الدولية أن الرجال هم الأكثر تضررًا بكوفيد 19 من النساء ولكن أثر كوفيد 19 سوف يكون كبير جداً على النساء، حيث سيُعرض النساء للفقر وبالتالي سوف يؤثر على وظائفهن وعلى فقد أعمالهن وتكون له تأثيرات اقتصادية واجتماعية قوية عليهن ومزيدًا من الأعباء”.

إشراك النساء

وترى أبو أصبع أن مآسي الحرب والأزمة الاقتصادية التي فاقمتها منذ ست سنوات وحتى جائحة كوفيد-19، “كلها في اليمن، إلى جانب عدم إشراك النساء بالدرجة الكافية في بناء السلام رغم دورها”. 

وتضيف لـ أنسم: “النساء مستبعدات بشكل كبير جداً من الاغاثة الإنسانية أو من المشاركة في الإغاثة الإنسانية، أولاً في أنهن لا يستهدفن في الحصول على هذه المعونات الغذائية بشكل عام”، وأيضاً لا “يتم اشراك النساء في التخطيط وبناء استراتيجيات ولا يتم استهداف منظمات المجتمع المدني النسائية في التوزيع في المناطق المختلفة وبالتالي: هناك استثناء للنساء”، بحيث “لا يتم الوفاء بإحتاجاتهن الخاصة في المعونات الإنسانية المختلفة”. 

وتذكر أبو أصبع مثالاً بأن “هناك تجاهل كبير جداً للاحتياجات النسائية..الآن، النساء سيواجهن الكثير من الإشكاليات، بحيث تقل الخدمات للصحة الإنجابية التي تعطى اليمنيات بسبب التوجه الرئيسي لمواجهة كوفيد-19” وبالتالي “أعتقد أنه لا أحد سيهتم لهذا الجانب، ما يمكن أن تصل تأثيراته إلى وفاة العديد من النساء”.

التعليقات مغلقة.