بروحك نقسمُ يا عبهلة
بأنا على الدرب لن نجهلَه
وأنّا سنطرد غازٍ اتى
بوهم الخرافة ما ادجلَه
و أنّا لقحطانَ معراجنا
إلهُ البلادِ عظيم الصلة
صحونا من الوهم يا جدنا
ستأتي الفعال كما الزلزلة
هل استحضار التاريخ النضالي لعبهله بن غوث هو طريقة حقيقية للتخلص من هيمنة القوى الخارجية على القرار اليمني؟
تلك الكلمات قام بتأليفها درهم الصلاحي، وهي من ألحان وغناء فهمي القباطي، لكن من هو عبهله؟ ولماذا هذا القسم بروحه في الوقت الراهن ولماذا عبهله بالتحديد؟
اسمه عبهلة بن كعب بن الغوث بن عوف بن صعب بن مالك بن عنس المذحجي، كان متعصبًا بشدة لليمن واليمنيين ويكره كل ما هو قادم من الخارج، والثابت أن عنس بطن من بطون عشيرة مذحج الذي اقترن ذكرها في النقوش الحميرية المتأخرة كرديف للجيش الحميري (الخميس) في كثير من المعارك الحربية ضد بدو الصحراء وفي الدفاع عن السواحل اليمنية ضد الأحباش(1).
في 30 ديسمبر من كل عام، يحتفل القوميون اليمنيون بذكرى ثورته الحميرية ضد التدخل الفارسي والقُرشي لليمن، مطلقين عليه صفات الوطنية والنضال، فيما يقف في الصف الآخر المناوئين لهم، متهمين إياه بالارتداد عن الدين وادعاء النبوة،وخارجًا عن الحُكم الإسلامي ويطلقون عليه لقب “الأسود العنسي”.
“الأسوَد” هو مصطلح يأتي بمعنى كبير وسيد القوم، وكذلك كان عبهله
يُعرف عبهله ب “الأسود” ولكن هذا المصطلح يأتي بمعنى كبير وسيد القوم بحسب معاجم اللغة العربية.. وقد تسمى بهذا الاسم كثير من سادة ما يُعرف (بالعصر الجاهلي) أمثال ملك الحيرة الأسود ابن المنذر، والأسود ابن عفار سيد جديس والأسود بن أبي البختري (صحابي) وغيرهم ممن كانوا سادة قومهم ومن كانوا لهم حضوة في التاريخ جعلت التاريخ يدوّن أسماهم بحروف من ذهب.(2)
اختلفت فيه الأطروحات التاريخية كما يحتدم النقاش ويخرج عن الإطار التكنولوجي ليصل إلى مجالس المقيل التي اعتاد اليمنيون عليها، إلّا أن الوسائل التكنولوجية أبرزت عبهله بشكل لافت حيث قام (قوميو اليمن) بتنظيم جهودهم الإلكترونية وأطلقوا على أنفسهم لقب “قيل” للرجال و “إكليلة” للنساء، وهي مصطلحات يمنية قديمة؛ كان يُقال “قيل” أي “ملك”، وهي تسمية خاصة بملوك حِمْيَر الذين يحملون صلاحيات أكبر من صلاحيات مشايخ القبائل.
إعادة تقديم التاريخ..
جاء في كتاب “البداية والنهاية” لابن كثير، أن عبهله خاطب قُريش برسالة شهيرة قال فيها “أيها المتوردون(3) علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفّروا ما جمعتم(4) فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه”.
يقوم الأقيال بإعادة تقديم التاريخ ويستخدمون خلالها مقولة عبهله الرائدة ويستدلون عليها بكونها السبب الرئيس التي دفعت “القوى التي فقدت مصالحها في اليمن قديمًا” إلى تشويه سيرة “عبهله” كونه كان رافضًا لمبدأ تقديم الزكاة إلى قريش بدافع أن فقراء اليمن أكثر حاجة لها،
فقدت أطراف دولية مصالحها في اليمن، ورغم عدائهم، إلا أنهم اتفقوا على قتل عبهلة وتشويه صورته
يقول الأقيال أن عبهله الذي كان رافضًا لوجود أتباع للفُرس في اليمن وقال أنهم “غير مرغوب بهم” وقاد ثورة حميرية ضدهم انتصر خلالها، هذه العوامل دفعت المتضررين من عبهلة “اقتصاديًا وجغرافيًا” للاتفاق على قتله وضع حد لثورته فتم اغتياله ليلًا في منزله عبر أدواتهم، ولإيقاف الناس عن مواصلة مشواره أو الانتقام لمقتله، قاموا بتشويه صورته متهمين إياه بإدعاء النبوة والارتداد عن الإسلام، مع أن مصادر تاريخية لا تؤكد دخوله في الإسلام من الأساس.
من قال أن الماضي لا يعود..
منذ 2015 واليمن تعاني اليمن من حرب داخلية هي نتاج لصراع اقليمي وجودي، وهناك تشابه كبير لأحداث اليوم وأحداث الماضي إبان ثورة عبهله الحميرية؛ ذات الصراع القائم بين ذات الأطراف وأدواتهما، ويبدو أن ذات المُعاناة تلحق اليمنيين من فقر وتشرد وضياع.
مُعطيات الحاضر المُشبّع بالحروب استحضرت روح عبهله كموحّد لأقيال اليمن ومُحرر لأرضها من الدُخلاء: “لقد كان استثنائياً وقوياً بما يكفي لتحرير اليمن وتأمين استقلالها وما زال صداه يتردد حتى اليوم في الذاكرة الوطنية” كما يقول بشير عثمان الصحفي والباحث.
الصراع من أجل الأفكار الدخيلة أدت لتشجيع الناس للبحث في تاريخهم
الناشط الاجتماعي غالب العمري يرى أن الأزمات التي تعصف باليمن أدت إلى تشجيع الناس للبحث في تاريخهم وهو يرى أن الناس يسلّطون الضوء على الهوية والانتماء الحقيقي؛ فالمتحاربون اليوم يتقاتلون من أجل أفكار “دخيلة” مدافعين إما عن قريش أو بلاد فارس، بعيدين كل البُعد عن الجوهر اليمني الذي يجب الدفاع عنه، فالحرب التي تحدث الآن ليست حربنا كيمنيين.
عبهلة في عيون الأقيال الجدد..
يرى بشير إن “الحديث عن عبهله يأتي بدافع وطني بحت، فقد ظلت الوطنية والقومية تؤرق اليمنيين طوال تاريخهم، وبالتحديد منذ سقوط اليمن بيد الأحباش وتجدد الصراع، وتنازع الأطراف الخارجية على اليمن، مما عمل على جرح المشاعر القومية والوطنية، لأن القوى الخارجية أشعرت اليمنيين بالإهانة”.
و”التحدي القومي والوطني اليمني يعود إلى سقوط الدولة الحميرية بيد الأحباش، ومروراً بالصراع الفارسي اليمني، ومن ثم اليمني الإسلامي”. يؤكد أن عبهله كان أحد أهم أيقونات ومحطات هذا الصراع ومن المنطقي استدعاؤه اليوم كعنوان لرفض الهجمة الداخلية والخارجية غير المشروعة، والتي لا تمثل اليمنيين لا من حيث القومية ولا المشروعية السياسية”.
إستدعاء التاريخ كحل لجذور المشكلة..
حل المشكلات التي تواجه البلدان في الحاضر إنما يجب أن يتم بعد قراءة دقيقة للتاريخ، ومعرفة مكامن الخلل، ومحاولة حلحلتها من الجذور.. ناعومي كلاين
إن حقبة أزمات كهذه التي نعيشها، هي فترة مُلائمة للتأمل ملياً في التاريخ، التفكير في الاستمرارية، التفكير في الجذور، وهي فترة مُناسبة كي نضع أنفسنا داخل سياق أكثر شمولاً من تاريخ الكفاح الإنساني”.
ذلك ما تعتقده الصحفية الكندية ناعومي كلاين التي أطلقت مصطلح “العلاج بالصدمة” كسياسة اقتصادية تعمل على تغيير سياسة البلدان، وتستجيب لسياسة الرأسمالية العالمية، قالت في كتابها “عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث” أن حل المشكلات التي تواجه البلدان في الحاضر إنما يجب أن يتم بعد قراءة دقيقة للتاريخ، ومعرفة مكامن الخلل، ومحاولة حلحلتها من الجذور
وتعتقد أن “حالة الصدمة التي تصيب المجتمعات إنما هي نتاج لفقدان تماسك أعصابنا، ونسيان تاريخنا، وإنما هي نتاج لنا عندما نُصبح عاجزين عن التفكير بشكل صائب لما نواجه من مشكلات”.
وفي ظل حاضر مُشوّه ومأزوم بإشكاليات معقّدة، إلى أي مدى يمكن أن تكون استعادة الماضي ومرموزيته هي التي ستنتج فعلًا كافة المعالجات الوطنية اللائقة من أجل مستقبل حديث؟
..
(1) الباحث: عبدالرحمن طه البارقي- الثورة القومية اليمنية الأولى
(2) المصدر السابق
(3) المتوردون أي بمعنى اللصوص
(4) يقصد بالجمع هًنا أي الزكاة التي كان يتم جمعها لبيت مال المسلمين
نأمل أن يكون لنا دور فاعل وكعنصر رئيسي مؤثر في الحركه القوميه من خلال الاصل الذي تعتمد عليه الاقيال ولا بد من استيعابنا كعنصر من التسلسل القومي للفكره وعدم التجاهل للدور الفعلي للرابط التسلسلي