لا يمكن نكران فضل أدب الأطفال في تلاحق المشكلات النفسية والسلوكية في تطوير المبادئ المعرفية والسلوكية باستخدام القصة الذكية ذات الأسلوب العملي نحو توجيه الأطفال إلى قضايا حساسة تصل إلى تناول الاكتئاب، التحرش الجنسي، العنف الأسري والموت.
ويهتدي هذا النوع من الأدب في تحقيق تغيرات لعلاج فكر الطفل نحو مواقف وأحداث معينة لحصد نتائج إيجابية وذات فاعلية في ميدان السلوك العام للأطفال عبر قراءة القصة. فعلاج السلوك يأتي نتيجة للطريقة التي يفكر بها الطفل وما يحمله من مشاهدات ومواقف تفاعل معها.
من أهم أهداف القصة التي ترتكز على قضية علاج سلوك الطفل في أدب الأطفال.
- تأمل المشكلة والتفكير ملياً في أسبابها.
- إدراك تأثيرات السلوك السلبي في القصة.
- تساعده في حصر الحلول.
- تصحيح طرق التعامل.
- التوصل إلى القيم والنتائج لحل المشكلة وتحقيق الهدف الإيجابي.
يقول الكاتب الأمريكي أوليفر هولمز ” عندما تتاح للعقل فرص الاطلاع على فكر جديد، فأنه من المستحيل لهذا العقل أن يتقلص بعد ذلك أبداً إلى ما كان عليه من قبل”.
منقار البومة نموذجاً
تناول الكاتب علي السبعان والكاتبة يارا بامية قصة منقار البومة باتجاهات سلوكية مختلفة تماماً سنقارنها في الآتي:
كيف فقدت البومة منقارها – علي السبعان – دار أشجار
يكتب علي السبعان “هذه القصة مستوحاة من التراث الشفهي للأمثال الشعبية في منطقة عسير- جنوب المملكة العربية السعودية
يعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن الشعوب التي لا تعرف الكتابة تحفظ أكثر من تلك التي تعرفها، والتراث الشفهي هو واحد من أهم أوعية الثقافة التي تختزن حكمة الشعوب، وتجسّد وجودها، وتحفظ ثقافاتها، بصفته الذاكرة الحية لتجارب المجتمعات، تتناقله الأجيال، وتنسج من أمثاله وحكاياه، عباءة هويتها ورمزية قيَمها، ليكون بذلك دستورها العابر لحواجز الزمان والمكان.
قصتنا تستلهم مثلاً شعبياً يُصوّر العاقبة الوخيمة للتسرع في الأمور..
المثل يقول: (اقطعوا مزقمي فانّي عَجله)
باللهجة العسيرية وتعني (قصّوا منقاري فأنا مُستعجِلة)
يرِدُ على لسان بومة تحضر اجتماعاً للطيور، من المتوقع أن يُسفر عن قطع مناقير جميع أنواع الطير لسبب ما، لكن البومة لا تتريث حتى يتضح الأمر، فتطلب قص منقارها لتمضي في شأنها، وبعد ذلك يتخلى الجميع عن الفكرة فيحتفظون بمناقيرهم، وتبقى البومة دون منقار إلى الأبد!
إنها قصة مفزعة كفيلة بأن تجعل الأطفال يتحسسون أنوفهم بعد القراءة، تناولت القصة سلوك التسرع في الأمور والغرور كعاقبة وخيمة لا يمكن علاجها فقد خسرت البومة منقارها نهائياً.
إنها من القصص التي تثير الانفعال والقلق في تناولها، فالطفل هنا يضع أصبعه على السلوك المحوري في المشكلة والعاقبة وفي حدود تأثيرها ليخلق لديه مفهوم من الحرص، الحذر وتحمل مسؤولية أفعالهم، كما أنها تحرص على استعراض مفهوم عدم الانصياع والخضوع مع القطيع، التفكير في عقلانية ومنطقية،
كيف فقدت البومة منقارها قصة لتصحيح الإداء وتوجيه انتباه الطفل لجوانب سلوكية غير مرغوبه تفضي إلى نتائج كارثيه والتي تعد محفز قوي للابتعاد عن أصل المشكلة
أين منقاري – يارا بامية – منشورات ورقة فلسطين للكتابة
بعد ما فقدت البومة منقارها تأتي الكاتبة يارا بامية والتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع أدب الطفل والناشئة، للبحث عنه في إطار سلوكي يشجع الأطفال على تقبل الآخر رغم عيوبه، يستيقظ العصفور صباحاً ليكتشف أن منقاره قد اختفى- في رحلة شاقة للبحث في كل مكان داخل الغابة السحرية والغريبة دون أن يجد منقاره. لكنه كان يلمح على الدوام حصانً بقرن أو منقار أعلى رأسه.
تترك الكاتبة اللوحات فارغة دون نص بتتبع لسعي العصفور الحثيث ولتأويلات الأطفال في توظيف الخيال وحرية تشكيل القصة حسب مفاهيمهم.
تسلط الكاتبة الضوء على الاعتراف بالنقص ثم الانتقال لحل المشكلة في توظيف المهارات الفكرية في تقبل الذات بثقة لا محدودة بأي شكل كان أو كما هي، قام العصفور بتقبلها وتعديلها ضمنياً وخارجيًا في محاولة لمسايرة الشكل المثير والجديد لمنقاره بمساعدة أصدقائه في الغابة. فعندما يبدأ الطفل بتقبل ذاته تزداد ثقته بنفسه وتقدير الأشياء حوله، ينتقل فكريا في الحلول المتاحة لتقليل هلعه كلما شعر بالإحباط أو الاستياء من شيء ما ينقصه، فمن خلال هذا الشعور يطورون الأطفال ثقتهم بأنفسهم صحياً.
التعليقات مغلقة.