تعليم الفتاة خارج نطاق التعليم
كانت نسيم طفلة عندما توفي جدّها عبدالله قبل 28 عامًا، تاركًا خلفه أبناء بنين أقدموا على حرمان أخواتهم من الميراث. ذلك الألم الذي عاشته والدتها مسعودة وأخواتها، شكّل لدى نسيم دافعًا لأن تنتزع حقوقهن وفق ما تقتضيه الشريعة والقانون.
بدعم كامل من والدتها، استطاعت نسيم أن تكمل تعليمها. كان الكثير من أهلها يعارض فكرة مواصلة تعليمها. كان الظلم الذي وقع على والدتها كفيل بأن يجعلها الداعم الأبرز لها. كانت لا تريد أن تكون ابنتها تكون ضحية أخرى في مجتمع ينظر الكثير منه للمرأة بأنها غير قادرة على شيء. مجتمع يتعمّد في حرمان الفتيات من أبسط حقوقهن الأساسية والإنسانية.
لعل هذا الحرمان يبدو ملحوظًا على المستوى الدولي، فالمنتدى الاقتصادي العالمي يشير في تقريره السنوي حول التكافؤ بين الجنسين أو ما يُعرف بالفجوة العالمية بين الرجل والمرأة، إلى احتلال اليمن ذيل قائمة الدول العربية عام 2021 برصيد نقاط 155، وهو أمر مؤسف في حقيقة الأمر أن يكون حرمان المرأة من حقوقها هو عادة مجتمعية وانعكست على العمل الإداري والسياسي للبلاد.
تقرير التكافؤ بين الجنسين يدرس 4 محاور رئيسة لمشاركة المرأة هي المجال الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة والاستمرارية، والتمكين السياسي.
قصص محزنة
وفيما يتعلق بالتحصيل العلمي أو المساواة بين الجنسين في مجال التعليم، فهناك الكثير من القصص المحزنة التي تسكن في قلوب الفتيات، لاسيما في الريف اليمني، فشروق الشمس، لا يعني موعد الذهاب إلى المدرسة بل التقيّد بعادات وتقاليد المنطقة التي تقوم بتنميط دور الفتاة في أشكال الخدمة المنزلية، مما يجعل البلد يُهدر طاقة بشرية كبيرة بالإمكان تحويلها إلى رأسمال بشري ابداعي، لاسيما والرقم الكبير الذي تشكّله في اليمن، فبحسب احصائيات البنك الدولي فهي تشكل نسبة 49.61% من إجمالي عدد السكان وهذا مؤشر مهم جدا على الدور الكبير الذي من المفترض أن تقوده المرأة في رسم مستقبل البلاد.
والمجتمع الذي يؤمن أن متابعة تعليم الفتاة متابعة أمر غير مجدٍ ويكتفي بمعرفتها في القراءة والكتابة هو مجتمع غير صحي، وهذا ما يساهم في اتساع عملية الفقر، وتدهور الحالة الاقتصادية للأسرة التي تفضل تعليم الذكور للمساعدة في زيادة الدخل، ما يقوم بتحويل المرأة إلى كائن اتكالي، يعتمد تمام الاعتماد على الرجل، هو ما يضيف للرجل من أعباء جمة.
إقرأ: النساء… جيش على دكة الاحتياط
تسرب الفتيات من التعليم، ظاهرة تحتاج إلى حل
الاستثمار بالفتاة، هو التجربة الأكثر جدوى
طريقان كانا أمام سامي، حصلت ابنته على مقعد دراسي في الخارج غير شامل المصاريف الشهرية، بينما حصل ابنه على فرصة عمل في إحدى الدول المجاورة وهو ما يتطلّب أن يدفع قيمة الفيزا التي تزيد عن ألفين دولار، في
الوقت الذي لم يكن لدى سامي لكثير من الأموال، لكنه اختار أن يدعم ابنته في مواصلة تعليمها الجامعي، وهو القرار الذي لم يكن خائبًا البتة، حيث تمكّنت “وئام” من ادخار بعض المبالغ المالية التي كانت تحصل عليها، وقامت بإنشاء مشروع صغير، لم يساهم فقط اعانتها على الدراسة وإنما أصبح أحد أهم الروافد المالية التي تصل إلى سامي، لاسيما في وضع الحرب.
لكن سامي هو نموذج وحيد وسط غابة مليئة بمحدودي الوعي والتفكير، حيث تشير إحصائية منشورة عام 2019، إلى أن 1732 طالبة تسرّبن من التعليم في مديرية الشمايتين فقط وهي مديرية كائنة جنوبي تعز، وتقول الإحصائية المنشورة كتصريح صحفي لخالد الشيباني مدير عام مكتب التربية والتعليم في المديرية “سابقا”_ أن هذا التسرب شمل مناطق “دبع الداخل والخارج وبني شيبة الغرب وبني عمر والزعازع والمساحين والعلقمة والمقارمة وغيل بني عمر والعجرم والكويرة والبذيجة وبني محمد”.
والخلل في هذا التسرب ليست في القوانين، وإنما في عقلية المجتمع نفسه، فالقانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992 يساوي فيه حقوق الجنسين في الإنتفاع بالفرص التعليمية ويضمن حق الفتاة في الحصول على التعليم، لكن إحصائية قديمة كشفت أن نسبة التحاق الفتيات في المرحلة التعليمية الابتدائية بلغت 76% بينما في المرحلة الأساسية أصبحت 42% وفي المرحلة الثانوية، فقد تدنت إلى 23% لتصل إلى المرحلة الجامعية 7.5 % فقط، ولكم أن تتخيلوا أن هذه النسبة كانت خاصة بالعام 2008 في الوقت الذي كانت اليمن تشهد المزيد من الاستقرار الأمني والتوجّه الحكومي لزيادة مشاركة النساء، بينما الآن إضافة إلى التوترات الأمنية والفقر هناك أيضًا توجّه للحد من الحقوق الأساسية للنساء ما يجعلنا نتأكد أن هناك نسبة تسرّب عالية من التعليم ولم يتم دراستها حتى الآن.
خاتمة : إن الفائدة من تعليم الفتاة إضافة إلى زيادة الوعي العام حول القضايا المجتمعية وتغيير نظرة الفتاة نحو الأفضل والتسهيل عليها لحل الكثير من المشكلات المعقدة ومساعدتها في التنشئة السليمة، فإن هناك فوائد أخرى لتعليم الفتاة، منها المساعدة في تحسين الدخل المالي للأسر وبالتالي القضاء على الفقر في المجتمع.
وإذا ما نالت المرأة حقها في التعليم، فإنها سوف تقوم بدورها على أكمل وجه في المجتمع في كافة نواحي الحياة، فتعليم الفتاة هو عملية تنمية وعيها ورفع قدراتها، وهذا ما يزيد من قدرتها العملية داخل منظومة المجتمع ويخلق المزيد من التنافس الإيجابي بين الفتيات بشكل خاص أو بين الفتيات من جهة والفتية من جهة أخرى على وجه العموم.
إضافة إلى ذلك فإن الأم المتعلمة قدرتها أفضل على التعامل مع أبناءها من الأم غير المتعلمة، الطفل المولود من أم متعلمة أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة بنسبة 50% بعد سن الخامسة، إذ أدى تعليم المرأة إلى الزيادة العالميَّة دون وفاة أكثر من أربع ملايين طفل خلال الأربع عقود الماضية، ناهيك أنها على معرفة بكيفية الحفاظ على صحة أسرتها وأطفالها ممَّا سيؤدي ذلك لتقليل أعداد الوفيات التي تحدث بسبب كثير من الامراض كالإسهال والالتهاب الرئوي والملاريا أو سوء التغذية.
التعليقات مغلقة.