كان العام 1991 مهمًا بالنسبة للصحفيين حول العالم، إذ تمخضت الأحداث المؤسفة والمتنوعة التي عانى منها الصحافيين الأفارقة فترة الثمانينات؛ عن عقد اجتماعات ولقاءات تهدف لحماية حرية الصحافة في المنطقة.
كانت المنطقة في تلك الأثناء تشهد تحوّلا ديمقراطيًا مهمًا وهو بمثابة أرضية ساهمت في وضع اللبنات الأولى لـ (عيد الصحفيين)!.
في الفترة من ٢٩ أبريل إلى ٣ مايو 1991 بدأت بذور الهم الصحفي في إنتاج أولى الثمار التي قطفتها منظمة الأمم المتحدة واليونسكو وشركائهما في (ويندهوك) عاصمة (ناميبيا) الواقعة في جنوب غرب القارة الأفريقية السمراء.
عدد من الصحفيين الأفارقة التقوا في تلك الفترة المحددة. شاركوا في نقاش متعمّق عن “تنمية صحافة إفريقية مُستقلة وتعددية”. تباحثوا عن آليات بناء صحافة مستقلّة، وتحقيق ديمقراطية قائمة على المشاركة.
إعلان ويندهومك
أفضى ذلك النقاش عن وضع إعلانًا أسموه (إعلان ويندهوك)، سرعان ما تحوّل إلى يوم عالمي لحرية الصحافة يُحتفل به حتّى اليوم في 3 مايو من كل عام.
يحتفلون فيه بأوجاعهم وأوجاع زملاءهم الذين دفعوا ثمن عملهم الصحفي؛ الكثير.
هناك صحفيين شُرِّدوا من بلدانهم، وآخرين اُعتِقِلوا في السجون، وهناك من عُذِّبوا واُخفُوا قسرًا، فيما هناك من دفع ثمن عمله الصحفي حياته، وأفلت القتلة من العقاب.
في ويندهوك، نَقَشَ الصحفيون 16 مادة بمثابة دستور حامي للصحفيين.. 16 مادة لها طرب خاص، تُعزف على أوتار الحِبر، ولوحة الكيبورد. دستور يبدأ -بفخر؛ بمادة أولى تستعرض سبب تواجدهم ومكانهم، ومدة بقاءهم، والمنظمين لهذا الحدث الذي يتمنى كل صحفي أنه كان حاضرًا فيه، مشاركًا في كتابة بنوده، ومساهمًا في إرساء أساس دولي لحماية حرية الصحافة.
أساس اِعتمد على قرارات دولية ذات صلة، أبرزها المادة 19 الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي بمثابة دليل حقوقي للصحفيين، حيث تنص على أن: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
استقبل الصحفيون حول العالم – ومن خلفهم منظمة الأمم المتحدة، إعلان ويندهوك؛ باتخاذ تاريخ اعتماده كيوم عالمي لحرية الصحافة؛ تأكيدًا على أهمية التزام المجتمع الدولي بحرية الصحافة، ومن أجل إنشاء صحافة مستقلة بالمطلق، دون أن تكون تابعة لأي جهة حكومية أو سياسية أو اقتصادية، صحافة قائمة على التعددية بحيث لا يتم احتكارها، صحافة تحظى بالدعم والحماية والتمويل اللازمين لاستمرارها، ذلك من أجل تحقيق وصون الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في بلدان العالم كافة.
حرية الصحافة بعد إعلان ويندهوك
اليوم وبعد 33 عامًا من إعلان ويندهوك، نحتفل بيومنا العالمي لحرية الصحافة في وضع صحفي مؤسف حول العالم:
- مؤشرات الخطر تتفاقم على الصحفيين. هناك خطط ممنهجة لاستهداف الصحف والصحفيين، خطط لإخفات أصواتهم أو اسكاتها. هناك حدود ضيقة ممنوحة لهم ومليئة بالمخاطر. هناك أسوار وأشواك محيطة بعمل الصحفي وتتوسع يومًا بعد آخر. هناك اعتبارات غير منطقية لاعتماد تراخيص الصحف، فيما الدعم المادي المحلي والدولي للصحف والصحفيين ضئيل للغاية، مما ساهم في غياب الصحافة المستقلة. حتى أن منظمات ونقابات حماية الصحفيين وحرية التعبير تقف عاجزة عن تقديم أي دعم ومساندة للصحفيين، ولحرية التعبير.
- في المقابل؛ خطابات الكراهية تنتشر من على منابر وسائل الإعلام. صحفيون عدة تورطوا فعليًا في خطابات كراهية، وخطابات عنف وتحريض أدت إلى انقسام مجتمعات، وإلى استهداف أفراد وجماعات ودول. فيما ساهمت ظروف عدة في تحوّل وسائل إعلام إلى أدوات سياسية تستهدف الخصوم وتمجّد الداعمين. وإلى وسائل لتوجيه الرأي العام نحو قضايا هامشية غير ذات صلة بصون الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية. وإلى أدوات لتحقيق تنمية اقتصادية لاقتصاديين لا دول، على حساب البيئة والمناخ، وحقوق الإنسان.
دور الصحافة والصحفي
هذه التضاد يجعلنا نتساءل: ما هو دور الصحافة وما هو دور الصحفي وما هي الحدود الممنوحة للصحافة والصحفي؟
الصحافة هي سُلطة رابعة، بمعنى أنها جهاز إعلامي، جهاز دولة، لها أدوار وصلاحيات ونطاق عمل محدّد ودقيق. ينبغي أن تكون مستقلة تمام الاستقلال، وتعمل وفق مبدأ (فصل السلطات)، مهما حاولت أي سُلطة التغوّل فيها، والاعتداء عليها، والحدّ من صلاحيتها.
والأدوار الواجب على الصحافة القيام بها، هي نقل المعلومات وفق مفهوم العقد الاجتماعي. بمعنى أن هذا الدور ينبغي أن يكون محكوم بدولة القانون والتي ينبغي أن تحترم إرادة الشعب.. وتلزم نفسها بالعمل على النمو والتقدم والازدهار تحت مظلة القانون وسيادته.
أما الصحفي فهو موظف مثل أي موظف في أي قطاع، دوره فقط البحث عن المعلومات، وتدقيقها، وإعدادها للنشر. ومثل أي موظف آخر، فهو يلتزم بسياسات عمل واضحة، تمنحه حقوق وواجبات (مواطنة صحفية). حقوق مثل أن يحصل على الدعم والحماية اللازمين في عمله الصحفي.. وواجبات مثل ألّا يُخل بسياسة عمل وسيلته الإعلامية وقانون البلد.
التوجّس من الصحافة والصحفيين، هذا أمر له ظروفه وله تبعاته، من المهم ألّا يُنظر للصحفي بأنه عدو، فالصحفي ليس عدوًا.. هو موظف في مجال نقل المعلومات. ومن المهم ألا يُنظر للصحافة بأنها جريمة، لأنها جهاز إعلامي؛ جهاز الدولة الذي من المفترض أن تقوم بتسهيل مهام الصحفيين.. وأن تقوم بدعم الصحف ماليًا لتساعدها على الاستقلالية. ذلك من شأنه قطع الطرق أمام كل من يتربص بوسائل الإعلام ليقوم بتحويلها إلى واحدة من أدواته السياسية أو الاقتصادية.