تحتاج النساء في النزاعات المسلحة إلى دعم عالمي مستمر وتطبيق قوي للقوانين الدولية لضمان حماية النساء والفتيات في مناطق النزاع. كما يجب تعزيز مشاركة النساء في عمليات صنع القرار لتحقيق سلام مستدام وفعّال بعد النزاعات.
أهم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء زمن الحرب
تعاني النساء والفتيات من تجربة النزاع المسلح بنفس الطريقة التي يعاني بها الرجال والفتيان. إذ يتعرضن للقتل، والإصابة، والإعاقة، والتعذيب. كما يتم استهدافهن بالأسلحة ويعانين من التفكك الاجتماعي والاقتصادي. إضافة إلى ذلك، يعانين من التأثير النفسي وتتحملن آثار العنف قبل وأثناء وبعد الهروب من مناطق القتال.. مما يعرضهن لمزيد من الأذى والعنف. يشمل ذلك العنف القائم على الجنس والعنف اجنسي، مثل الاغتصاب، والزواج القسري، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعذيب، والاتجار، والاستعباد الجنسي. فالنساء هن ضحايا الإبادة الجماعية والعمل القسري في كثير من الحالات.
يعد العنف في النزاعات المسلحة، الذي ترتكبه القوات المتنازعة والجماعات المسلحة على حد سواء، أحد أكثر أشكال العنف القاسية. يتضمن ذلك الهجمات ضد المدنيين، الذين يشكلون في الغالب النساء والفتيات، وكذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي.
العنف ضد النساء في النزاعات المسلحة
في أوقات النزاعات المسلحة، سواء كانت بين الدول أو داخل دولة واحدة، تكون النساء الأكثر عرضة من بين المدنيين للعنف ولانتهاك حقوق الإنسان من قبل الجنود أو المسلحين. من أبرز أشكال العنف الممارس على النساء في هذه الأوقات:
- العنف الموجه ضد المدنيين، مثل الخطف أو القتل.
- العنف الموجه ضد ناشطات في الشأن العام وزعيمات سياسيات من قبل القوات الجهادية، التي تستنكر عمل المرأة في المجتمع وتعتبره مخالفًا للعادات والتقاليد المجتمعية.
- التهديدات والاعتداءات الجسدية والنفسية التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع.
النساء في حالات النزوح واللجوء
تتعرض النساء، مثل باقي المدنيين، لآلام النزوح في حالات النزاعات المسلحة، خاصة في الحروب الداخلية. وتعد النساء والأطفال أكثر المتضررين في حالات النزوح واللجوء إلى المخيمات، حيث يتحملن وطأة فقدان الممتلكات والسكن، بالإضافة إلى الإرهاق النفسي والجسدي الناتج عن عملية النزوح. كثيرًا ما تصاحب هذه الظروف حالات الخطف والاغتصاب. كما أن النساء في المخيمات يواجهن ظروفًا قاسية، مثل غياب الخصوصية والازدحام في أماكن ضيقة مع أناس غرباء، مما يزيد من تعرضهن للخطر.
التأثيرات النفسية والاقتصادية
تؤدي النزاعات المسلحة إلى تأثير بالغ على حياة النساء، من حيث تغيّر دورهن الاقتصادي والاجتماعي. يتسبب ذلك في تفكك الأسر، وقيام النساء بأعمال شاقة كانت تُعتبر من مهام الرجال، مثل الزراعة وتربية الماشية. كما تقل فرص الزواج وتزداد معدلات العنوسة. وتقل فرص النساء في الحصول على مركز اقتصادي واجتماعي.
العنف الجنسي ضد النساء
يعد العنف الجنسي ضد النساء، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب، من أساليب التعذيب ووسائل انتزاع المعلومات في بعض الأحيان. غالبًا ما يُنظر إلى الاغتصاب كجائزة للجنود في النزاعات المسلحة، ويحدث في أماكن متعددة، مثل المنازل أو مخيمات اللجوء. تستهدف النساء بشكل خاص في هذه الظروف، سواء من قبل مقاتلين أو مدنيين، سواء كانوا من قوات العدو أو القوات الصديقة. ويُمارس العنف الجنسي تحت تهديد السلاح دون أن يُعاقب مرتكبو هذه الجرائم.
ما هي آليات حماية النساء في فترة النزاعات المسلحة؟
أ-إذا كان النـزاع المسلح نزاعاً دولياً
في هذه الحالة تستمد النساء الحماية من الاتفاقية الرابعة لاتفاقيات جنيف 1949 والبروتوكول الأول وبموجب نصوص هذه الاتفاقية وهذا البروتوكول فإنه لا يجوز الاعتداء على حياتهن وسلامتهن البدنية كالقتل بجميع أنواعه وأشكاله والمعاملة القاسية والتعذيب. وكذلك لا يجوز أخذهن كرهائن وأنه يمنع إصدار أحكام وتنفيذ عقوبات عليهن دون إجراء محاكمة عادلة سابقة تم تشكيلها وفق القانون وهذا يعني بأنه إذا ارتكبت إحدى النساء انتهاكات تتعلق بالنـزاع فإنها يجب أن تحاكم أمام محكمة مشروعة وأن تصدر الحكم عليها وفق القانون.
ويلاحظ بأن النساء يجب حمايتهن بصفة خاصة ضد الاعتداءات التي تقع على اعراضهن وخاصة (الاغتصاب، والإكراه على الدعارة، وأي هتك لحرمتهن)، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النص الأخير أدخل لإدانة بعض الأعمال التي وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت النساء وبأعداد ضخمة وفي كل الأعمار أي حتى في سن الطفولة لأفحش أنواع الاعتداء ومن ذلك الاغتصاب في الأراضي المحتلة وأعمال وحشية أخرى، وكذلك في المناطق التي عسكرت فيها أو مرت بها قوات مسلحة، ويلاحظ أن جميع هذه الأعمال محظورة بموجب المادة (27) الفقرة (2) من الاتفاقية الرابعة.
وتجدر الإشارة هنا أنه إذا كانت الدولة داخلة في نزاع مسلح دولي مع دولة أخرى وكان هناك رعايا لدولة العدو على إقليمها فإنه والحالة هذه جرت العادة ومنذ الحرب العالمية الأولى على بقاء هؤلاء هناك إلى أنهم يضعون تحت المراقبة ويحدد جهات إقامة خاصة لهم أو اعتقالهم في أماكن خاصة إذا كانت مصلحة الدولة تقتضي ذلك.
هذا فيما يتعلق بالذكور الصالحين للخدمة العسكرية، أما النساء والأطفال والعجزة فإن العادة جرت على تبادلهم بين الدول المحاربة رحمة بهم.
ب-إذا كان النـزاع المسلح نزاعاً داخلياً
أما إذا كان النـزاع المسلح داخلياً فإن النساء يستمدون الحماية من المادة (4) من البروتوكول الثاني والتي تطبق على النـزاعات المسلحة غير الدولية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المادة مادة مطورة ومكملة للمادة الثالثة المشتركة في الاتفاقيات الأربعة، حيث نجد أن في هذه المادة ما يوفر الحماية الخاصة للنساء حيث تنص الفقرة (هـ) منه على أن (انتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان والاغتصاب والإكراه على الدعارة وكل ما من شأنه خدش الحياء) تعد من الأعمال المحظورة حالاً ومستقبلا وفي كل الأزمان والأماكن.
وفي جميع الأحوال على اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبعثاتها الإقليمية أن تتحمل مسؤولياتها
بموجب القانون الدولي الإنساني وذلك باعتبارها ذراع التنفيذ على أرض الواقع وقد عهدت إليها الدول بهذا الدور من خلال الصكوك المتعددة للقانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين من خلال توفير المرافق الطبية والضروريات الأساسية لتأمين سبل البقاء من قبيل الغذاء واللوازم المنزلية والمأوى، ومحاولة إقناع الأطراف المتنازعة للسماح بوصول الإمدادات والمساعدات الإغاثية الإنسانية بشكل غير متحيز وبدون أي تمييز.
التزامات الدول في حماية النساء وإشراكهن في عملية السلام
في إطار تعزيز حماية النساء أثناء النزاعات المسلحة، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن. يعترف هذا القرار بالآثار الفريدة للنزاع المسلح على النساء، لا سيما العنف الجنسي. كما يحدد ضرورة مشاركة النساء في صنع القرار وعمليات السلام. يعزز القرار التدريب الجنسي في عمليات حفظ السلام ويُشجع على حماية حقوق النساء والفتيات من العنف الجنسي. من خلال هذا القرار، يُعترف بالمرأة كعنصر أساسي في درء النزاعات وحلها.
هذا القرار لم ينص فقط على حماية النساء ولكنه نص أيضا على ضرورة مشاركتهن في صنع القرار وفي عمليات السلام. شمل التدريب الجنسي في عمليات حفظ السلام وحماية النساء والفتيات.. على اعتبار أنهن صاحبات مصلحة نشطة في مجال درء النزاعات وحلها.
قرار مجلس الأمن 1325
- يعترف بالأبعاد والاختلافات الجنسية في حماية حقوق الإنسان في النزاعات وما بعدها.
- يدعو كل الأطراف المشتركة في النزاع المسلح مراعاة حماية النساء والفتيات خاصة من إجراءات العنف الجنسي. لأنه من الشائع حدوث عمليات اغتصاب للنساء والفتيات الصغيرات في ظروف الصراع، بل ويمارس الاغتصاب أحيانا كأحد آليات الحرب المعتمدة. تشتمل هذه الإجراءات على ضمان دولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، وحماية النساء والأطفال من الانتهاك الجنسي والعنف الجنسي ورفع الحصانة عن الجناة في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية جرائم الحرب بما فيها جرائم العنف الجنسي.
لذا يجب إشراك المرأة في صنع القرار وخصوصًا في المناطق المتضررة من النزاع. وتوعية قوات حفظ السلام والشرطة والسلطة القضائية بخصوصية المرأة في الصراع. واتخاذ تدابير لضمان حمايتها والالتزام بحقوق الإنسان للنساء. وتأمين الاحتياجات الخاصة لهن في النزاعات ودعم دور المرأة في مجالات المراقبين العسكريين والشرطة المدنية والإنسانية ومراقبي حقوق الإنسان.
تمثيل نساء المجتمعات التي شهدت صراعات مسلحة وأسماع أصواتهن في عملية تسوية الصراعات لكى تكون المرأة جزء من جميع مستويات صنع القرار كشريك على قدم المساواة لمنع الصراعات وحلها وتحقيق السلام المستدام، وذلك لأن المرأة هي أكثر من يعاني في ظروف الحرب بسبب الواقع الاجتماعي، حيث أن المهجرين من النساء والأطفال يشكلون نسبة 80% من اجمالي اعداد المهجرين في العالم، كما أن الحروب تزيد من إفقار النساء بسبب قتل أو فقد المعيل أو اعتقاله.
وقد حاز هذا القرار على اهتمام النساء في العالم وتراه النساء قرار ملهم يمكن استخدامه ضمن الأولويات الوطنية لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، كما أنه يفعل ويطور دور المرأة ومشاركتها في صنع القرار على الصعيد الأمني، كما يساهم في تفعيل الأجندات النسوية وبث الحيوية في أوصالها ويقوي التحالفات النسوية العابرة للحدود باعتباره قرار دولي موجه لكل امرأة في العالم.
أهمية القرار في حماية النساء
وعلى الرغم من أهمية هذا القرار وقدرته على إرساء السلام والأمن في معظم الدول، إلا أن الدول قد أهملت تطبيقه وتنفيذه، فمن أصل 192 دولة، لم ينفذ هذا القرار حتى الآن سوى 21 عضو في الأمم المتحدة، وقد يرجع السبب في هذا التهميش إلى رفض معظم الدول ضمنيا لمشاركة المرأة في صنع القرار، ورفض هذا القرار لأنه يمثل تتويج لنضال المرأة ويعترف بقدرتها على درء الصراعات ودورها في خلق السلام والأمن الدوليين.
حتى يمكن تنفيذ هذا القرار وتحقيق الدور الفعال للمرأة في عمليات حفظ السلام وصنع القرار، يجب على منظمات المجتمع المدني القيام بتوعية المجتمع بأهمية هذا القرار، وما يمكن أن يترتب على تنفيذه من إحلال السلام ونبذ الصراعات.
وأيضا لوسائل الاعلام دور مهم في تفعيل هذا القرار وتوعية المواطنين بأهميته، وأهمية أن يكون للمرأة دور حقيقي وفعلي في القضايا الدولية لكونها أكبر متضرر من النزاعات والحروب، ولاسيما أن المرأة لديها القدرة على المشاركة في عمليات حفظ السلام وإرساء الأمن في الدول، كما تستطيع المشاركة بشجاعة في الحفاظ على مجتمعها ضد أي عدوان حتى ولو كان ذلك يتطلب خروجها في ساحات الحرب والقتال وخير دليل على ذلك دور المرأة الكردية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
وهناك بعض النساء أستطعن أن يكون لهن دور حقيقي في صنع القرار وعمليات حفظ السلام، وتدرجن في المناصب العسكرية في بعض الدول، مثل كريستين لوند قائد القوات الدولية لحفظ السلام بجزيرة قبرص وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب.
استراتيجيات وخطط لحماية النساء في النزاعات مسلحة:
من خلال استقراء الوضع الراهن في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة نرى بأن الوضع ضبابي. بسبب غياب استراتيجيات وخطط عمل للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
خير دليل ما يحدث في سوريا والعراق من انتهاكات جسيمة ترقى لجرائم حرب ضد النساء من مختلف الأطراف المتنازعة.. وعدم مراعاة لإحكام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في ضمان توفير الرعاية والحماية للمدنيين وخاصة الفئات الضعيفة ومنها النساء.
نلاحظ استبعاد للمرأة على كافة المستويات سواءً المشاركة في مراحل صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بالمفاوضات وحل النزاعات وبناء السلام.. أو على المستوى الوقائي من خلال رفع مستوى الوعي بالقوانين الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.. للعاملين في المجال الإنساني أو على مستوى الحماية.. من خلال تقديم الحماية والمساعدة الصحية والقانونية والنفسية للنساء المشردات والمعتقلات واللاجئات ولمن هن بحاجة للحماية.