مرض السرطان لا يسقط إلا بالوعي في التعامل معه

تقرير عن دور وسائل الإعلام في توعية المجتمع على تجاوز تأثيرات وأعراض مرض السرطان.

(CANCER can only be eliminated if one knows how to deal with it) 

بين مد للألم وجزر الأمل.. كانت أول مراحل حياة صفوان الذي أًبلغ بلحظة ربما لا أسوأ منها في حياته أنه مصاب بمرض سرطان البنكرياس. مرض غدا يُنغّص عليه حياته، ويحرمه سعادته.. يؤرقه في ليله ما بين نهار مليء بالألم الجسدي، وليل تصحو به الأفكار كلما أغمض عينيه لتستبيح الكوابيس واقعه متسللة إلى خياله.

صفوان يوسف الوجيه، البالغ من العمر 42 عامًا، من عُزلة بني يوسف في محافظة تعز.. تلقى خبر إصابته بسرطان البنكرياس كصدمة مفجعة له ولأهله. فالسرطان عند المجتمع اليمني هو مرادف للموت، بل هو موت يرافقه الكثير من الألم على مدى طويل.

يتذكر صفوان تلك اللحظة قائلا: “عندما أخبرني الطبيب أن لدي ورم خبيث، شعرت بالخوف الشديد، فكرت أنني ميت لا محالة. أصبت بالصدمة والذهول وسكنني الخوف من هذه الصدمة لمدة أسبوع،. لم أكن أصدق الأمر، كنت بحالة انكار ما بعد الصدمة لم أرد تصديق الخبر فحسب”.

كان له نصيب من الحزن أيضًا فالتفكير بالموت وفراق الأهل والأحبة يثير الشجون.. لكن رغبته بالحياة تغلبت في النهاية على كل تلك الهواجس من خوف وذعر وحزن وشجن.. وسرعان ما بدأ بالسعي لفرصة حياة متجددة.

مرض السرطان


نقطة تحوّل في علاج مرض السرطان

“في البداية، أبلغني الطبيب أنه يجب إجراء عملية جراحية لاستئصال الورم. بدأت أشعر فعلا أن انفاسي صارت معدودة وأن حياتي أصبحت شبه منتهية”. يقول صفوان الذي استعاد صحته بعد الجراحة التي قررها الطبيب. ثم يضيف “كنت أحاول قدر استطاعتي عدم التفكير في أي عارض سيء أو فشل يبقيني في دوامة المرض أو يسرّع في رحيلي”.

بعد ثلاث وعشرين يومًا في المستشفى، حيث أُجريت له العملية.. كانت المفاجأة المخيفة والصدمة الكبرى هي أن العملية فشلت. الورم الذي كان حجمه 18 سنتيمترًا، لا يمكن استئصاله، ولإنقاذ حياته يحتاج إلى العلاج الكيماوي.

كانت تلك اللحظة محبطة لصفوان، خابت آماله في الشفاء. كان وقعها قاسٍ عليه بحيث لن يستطيع نسيانها أبدًا. فكرة الخضوع للعلاج الكيماوي وأن يعش تحت رحمته، وأن يتساقط شعره، وأن يشحب وجهه وينحل جسده؛ لم تكن تراوده أو تشغل حيزًا من تفكيره.. كل ما كان يفكّر فيه هو التغلّب على المرض، والاستمتاع بحياته برفقة أهله وأصدقاءه، لذلك بدأ بالعلاج الكيماوي.

حاول جاهدا أن يتعامل مع مرضه بطريقة إيجابية. يقول “بدأت أعتبر هذا المرض كأي مرض آخر يحتاج إلى متابعة وعلاج.. ألغيت فكرة الموت والهزيمة من بالي، حالتي النفسية أصبحت في تحسن مستمر”.

خلال فترة العلاج، كان صفوان يقضي ثلاثة أيام في المستشفى ثم يعود إلى المنزل ليومين. يأخذ معه العلاج إلى العمل أحيانًا، وكان كل شيء سلسًا بالنسبة إليه. إن ثقافة الموت واليأس من علاج المرض لم تكن واحدة من مخاوفه مثلما كانت سببا في تدهور حالة الكثير من المرضى، على العكس من ذلك كان صفوان يستمع للكثير وهم يقولون له أن السرطان مرض قاتل، ولا أحد ينجو منه، لكنه يرد عليهم بثقة أنه سينجو.

صفوان يوسف الوجيه يمارس دور توعوي عن مرض السرطان
صفوان الوجيه يؤدي دور توعوي عن مرض السرطان

مريض يساعد المرضى على العلاج من السرطان

تلك الثقة التي سكنت صفوان، دفعته لأن يُصبح واحد من الذين يقدمون النُصح ويقودون حملات الوعي لمرضى السرطان، لاسيما الأطفال، وقد كان سببًا في تحسّن حالتهم. يقول صفوان إن المعرفة في التعامل مع المرض والتي حصل عليها من وسائل الإعلام كانت بمثابة الإلهام الذي قادته لأن يتحوّل إلى مرشدًا لمرضى السرطان.

شكّلت القنوات التلفزيونية مثل “قناة السعيدة” وجهة توعية جيدة لصفوان، إلى جانب تكثيف متابعته للمقالات الحديثة وقنوات الأخصائيين عبر اليوتيوب. يقول “تابعت الكثير من قنوات الإرشاد والتوعية عن المرض في اليوتيوب وقنوات الأخصائيين، مثل قناة (سطور) للدكتور سامح حاشد. شكّلت تلك التوعية فرقًا كبيرًا في تفكيري وشعوري. كان لدي صديق أصيب بهذا المرض سابقًا، وعندما عرفت عن مرضه بكيت بيأس لأني كنت على قناعة بموته القريب، وحينما توفي أيقنت أن المرض قاتل، وحينما أصبت به، كنتُ على قناعة أني سألقى نفس مصيره. أنا ممتن جداً لتلك التوعية التي حصلت عليها، فهي لم تجعلني أمارس حياتي بشكل طبيعي فحسب، بل دفعتني للتغلب عليه، ومساعدة الآخرين على ذلك.


من الإنكار إلى التوعية

في الشطر الجنوبي من اليمن، تحديدا مدينة عدن، تلقت سارة عبدالرشيد التي تبلغ من العمر أربعين عامًا، خبر إصابتها بالسرطان في حالة من الإنكار التام.

تتذكر سارة تلك اللحظة  التي كانت صادمة لها، تقول: “لم أكن أريد تصديق الأمر، مر وقت طويل حتى تيقنت من إصابتي بالمرض، شعرت بانكسار وهزيمة، وانتابتني حالة بكاء متواصل. كانت البداية صعبة جدًا، عجزت لفترة طويلة عن مواجهة الواقع الذي يتلخص في أنني ماضية في طريق الموت”.

واجهت سارة صعوبات مادية قاسية. لم تكن تملك المال للحصول على فرصة أفضل للعلاج، تقول: “أكثر ما دمر نفسيتي منذ تلقي خبر إصابتي بالسرطان هو عجزي المالي، وارتباط كل جهد وعلاج يقدمه الأطباء لانقاذي بمقدار ما معي من مال. كان الأمر مروعا، شعرت أنني أواجه معركة طاحنة لوحدي”.

لم تستسلم سارة للظروف، فقررت أن تقوم بتثقيف نفسها عن مرضها. قرأت حول السرطان باهتمام. “كانت الطريقة الوحيدة لأبد معركتي مع السرطان هي بالتعرف عليه، ما هو السرطان، وكيف يمكن هزيمته؟ منذ ذلك الوقت هدأت، وأصبحت أقل عاطفية. أدركت أني أستطيع مقاومة المرض. لم أترك كتابًا أو مقالا أو مواقعًا الكترونيًا يتحدث عن السرطان ومكافحته إلا وقرأت منه. بحثت في جوجل وتابعت قصص ملهمين وملهمات تجاوزوا المرض عبر يوتيوب. وبدأت أتبع النصائح والبرامج الغذائية والرياضية التي يطرحونها، وكانت مفيدة جدًا لي” تقول سارة.

“بعد خمس سنوات من العلاج أصبحت مصدر إلهام للعديد من مرضى السرطان وعائلاتهم. أنا الآن أتلقى رسائل عدة من مرضى السرطان، وأعمل على توعية الآخرين بعدم الخوف من المرض، أنشر العديد من الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي لتوعية الناس حول كيفية التعامل معه” تفيد سارة.

سارة التي تأمل أن تصبح عمليات علاج المرض أقل تكلفة تقول: ” أحب أن أوجه نصيحة لمرضى السرطان؛ الإنسان هو طبيب نفسه، وقوته وضعفه بيده بعد الله، وكل من حوله هم مجرد مكملات ومساعدات”.


رسالة إلى مرضى السرطان

تظهر قصتا صفوان وسارة أن الإرادة والإيمان يمكن أن يكونا دافعين قويين في مواجهة التحديات الصحية.. لكن الأهم من ذلك هو التوعية، والأسس العقلية الواثقة التي تفند فكرة أن السرطان قاتل لا يمكن هزيمته.

يواجه المرضى صعوبات كبيرة، لكن الأمل دائمًا موجود، ويجب تكثيف عمليات التوعية والتثقيف عن مرض السرطان، واستهداف المصابين به.

وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020، يعاني حوالي 35,000 شخص في اليمن من مرض السرطان.. بينما يتم تشخيص 11,000 حالة جديدة سنويًا. في عام 2016 أُغلقت العديد من مراكز علاج السرطان بسبب الحرب ونقص في الكوادر الصحية والأدوية والمعدات.. ما أدى إلى زيادة فترات الانتظار لتلقي العلاج حيث يجد المرضى أنفسهم مضطرين للسفر من محافظاتهم إلى المراكز المتاحة للحصول على العلاج المنقذ للحياة، وإلا فإن آلافًا منهم قد يواجهون خطر الموت الحتمي بسبب عدم تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة.


التعاون بين الهيئات الصحية ووسائل الإعلام

صرّحت حنان نجيب، مسؤولة الموارد البشرية في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، بأن وسائل الإعلام تُساهم بشكل رئيسي في التوعية المجتمعية حول مرض السرطان. تصل نسبة مساهمة الإعلام إلى حوالي 80% من الخطط الإعلامية للمؤسسة.

تهدف هذه الجهود إلى الوصول إلى التجمعات السكانية في أماكن سكنهم، موفرة لهم معلومات حول أنواع السرطان وطرق الوقاية.. وطرق الاكتشاف المبكر له، وأهمية الفحص الدوري، والكشف المبكر عند ظهور أي أعراض.. إضافة إلى تشجيع ممارسة الرياضة التي تعد من أهم وسائل الوقاية منه.. ونشر الرسائل التوعوية عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة الإلكترونية.

وتؤكد نجيب على أهمية طريقة إيصال المعلومات واختيار الوسيلة الأنسب لكل فئة مستهدفة، كما أشارت إلى ضرورة تكامل الوسائل الإعلامية، واستغلال مميزات كل وسيلة لتحقيق الوصول الفعّال إلى المستهدفين.

ومن أبرز الحملات الإعلامية الناجحة التي ساهمت في رفع الوعي حول مرض السرطان، كانت الفعاليات المرتبطة بالأيام العالمية مثل 4 فبراير الذي هو اليوم العالمي لمكافحة السرطان. تم إشراك المرضى في الأنشطة المجتمعية وتوعيتهم بقدرتهم على ممارسة الحياة بشكل طبيعي وقدرتهم على الإنتاج. كذلك اليوم العالمي لمكافحة التبغ “التدخين” في 31 مايو. والشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي الذي يستهدف المجتمع بأهمية الكشف المبكر عن السرطان.

أما بشأن كيفية تحسين الحملات المستقبلية لجعلها أكثر فاعلية في نشر الوعي حول مرض السرطان.. تقترح نجيب عدة وسائل منها تكامل الجهود مع السلطات المحلية بالشراكة مع المرافق الخدمية وغير الخدمية، الى جانب صنع محتوى إعلامي للتوعية يناسب الجمهور المستهدف في المدن والقرى.. وتشجيع المبدعين على إنتاج رسائل توعوية عبر الوسائل العصرية مثل تيك توك وإنستغرام.. والعمل على الشراكات مع وسائل إعلامية وطنية وأهلية لتخصيص مساحة للتوعية والاستعانة بمشاهير لتوصيل الرسائل التوعوية بشكل فعال.


دور وسائل الإعلام في التوعية بمرض السرطان

نوّه الإعلامي صدام حسن إلى أهمية وسائل الإعلام في تثقيف الجمهور حول مرض السرطان. وأوضح أن توعية المجتمع تُعد من المهام الرئيسة لهذه الوسائل في ظل الزيادة المقلقة في حالات الإصابة بهذا المرض في اليمن. من الضروري أن يحتل موضوع التوعية بخطورة السرطان وأساليب الوقاية منه أولوية كبيرة لدى وسائل الإعلام، سواء الرسمية أو الأهلية.

ويضيف مرض السرطان الذي يفتك بعشرات الآلاف سنويًا يتطلب تكاتف الجهود الإعلامية، وزيادة الرسائل التوعوية عبر مختلف وسائل الإعلام. هذا الدور الإعلامي لا يقتصر فقط على توعية الناس بمخاطر المرض، بل يشمل دعم المرضى والتخفيف من معاناتهم.

ومن المهم تعزيز الوعي حول الكشف المبكر والفحوصات الدورية، بالإضافة إلى تغيير بعض السلوكيات والعادات الغذائية السيئة، مما سيساهم في محاصرة هذا الداء وتقليل عدد الحالات المصابة سنويًا بحسب صدام.

وأشار حسن إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورًا حيويًا في مواجهة المعلومات الخاطئة والأساطير المتعلقة بالسرطان، حيث تقوم بتقديم الحقائق والمعلومات العلمية من مصادر موثوقة بالاعتماد على الأطباء والمتخصصين، مع ضرورة دمج وسائل الإعلام التقليدية مع وسائل الإعلام الحديثة التي قد تكون سببًا في انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة.

وأكد حسن على أهمية التخطيط الجيد عند تنفيذ الحملات التوعوية، مع التركيز على استغلال الوسائل الحديثة نظراً لانتشارها الواسع وتأثيرها الكبير. إن معظم الوسائل الإعلامية في اليمن تفتقر إلى استراتيجيات فعالة تستهدف الفئات الأكثر عرضة للإصابة، فالزيادة المخيفة في حالات الإصابة، وفقًا للإحصائيات الرسمية، تعكس قصورًا في أداء وسائل الإعلام على إيصال الرسالة التوعوية لتلك الفئات، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد، هذا الأمر يتطلب اعتماد وسائل وأساليب جديدة للوصول إلى هذه الفئات، إذ يبدو أن مرض السرطان قد أصبح خارج دائرة اهتمامات معظم وسائل الإعلام، حيث تُخصص لها مساحات ضئيلة، ويُتعامل معها كموضوع هامشي، تقتضي الحالة الراهنة ضرورة إعادة النظر في كيفية تناول قضايا السرطان، لتعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية في مواجهة هذا التحدي الصحي.


دور قناة السعيدة في التوعية بمرض السرطان

أكد صدام أن قناة السعيدة تلتزم دائمًا بتخصيص مساحة ضمن برامجها للتوعية بمرض السرطان. تبرز القناة معاناة المرضى وتساهم في حشد الدعم المجتمعي لهم في معركتهم ضد هذا الداء الخبيث.

وتتجلى هذه الجهود في البرامج التي تنتجها مؤسسة السرطان سنويًا، بالإضافة إلى بث الفلاشات التوعوية والندوات التلفزيونية، كما تغطي القناة جميع الفعاليات والنشاطات المتعلقة بمرض السرطان، مما يعكس التزامها بتعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية.


تطور برامج التوعية بمرض السرطان

يرى مراسل قناة الجزيرة في اليمن، ياسر حسن، أن الوسائل المرئية تلعب دورًا بارزًا في تعزيز برامج التوعية بمرض السرطان.. وأن التلفاز ومنصات مثل يوتيوب وفيسبوك ومنصة إكس تعد من أبرز الأدوات المستخدمة في هذا المجال.

وأوضح أن الإعلام المرئي يتمتع بتفاعل كبير من الجمهور ما يجعله وسيلة فعالة لنقل الرسائل التوعوية. وقال إنه من الصعب تحديد برنامج أو وسيلة إعلامية بعينها، لكن البرامج التي تسلط الضوء على تجارب الناجين من المرض لها تأثير ملحوظ.

كما أشار إلى أهمية عرض قصص هؤلاء الناجين، وكيف تمكنوا من التعايش مع المرض.. إضافة إلى تسليط الضوء على الحالة النفسية للمريض ودورها في مواجهته للمرض، فبعض المرضى قد يواجهون صعوبات نفسية تؤدي إلى انتكاسات خطيرة.. بينما يتمكن آخرون من التكيف مع وضعهم، مما يعزز من معنوياتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات.

 


أجرت معدة التقرير استبيانًا مع عدد 80 فردًا من المؤثرين حول مدى فعالية وسائل الإعلام في التعامل مع مرض السرطان. أظهرت النتائج إن 46.3% اعتبروا فعالية وسائل الإعلام ضعيف بمقابل 32.5% رأوا أنها متوسطة. ورأى 16.3% أنها فعّالة، فيما قال 5% أنها فعالة جدًا. أظهرت النتائج أن 47.5% يرون أن نوع المحتوى الإعلامي الذي يجب التركيز عليه للتوعية بمرض السرطان هو حملات التوعية.. بينما اقترح 20% قصص نجاح لمرضى السرطان، 17.5% معلومات طبية وتعليمية، 15% مقابلات مع أطباء متخصصين. مرض السرطان
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.