المسيحية في اليمن شواهد على التاريخ والمعاناة

انتشرت المسيحية في اليمن كغيرها من دول المنطقة العربية مع تمدد الديانة. مازالت شواهدها التاريخية باقية، عل أبرزها “كنيسة القليس” التي بناها أبرهة الحبشي ليحج الناس إليها بدلًا عن الكعبة في قريش.


كنيسة القليس
الزميل نشوان العثماني بجانب ما تبقى من كنيسة القليس

في الغالب لا يُجاهر المسيحيين في اليمن بديانتهم ولا بعبورهم. هناك نشاط محدود يقومون به من أجل نشر الدين المسيحي عبر الأعمال الفنية.

لا يتواجد الكثير من المسيحيين في اليمن. يقول أحد المسيحيين أنه لا توجد إحصائية دقيقة للعدد الفعلي للمسيحيين في اليمن. السبب في ذلك أنه لا توجد سجلات رسمية بأعداد غير المسلمين. فمسألة اعتناق دين آخر غير الإسلام في اليمن سبب كاف للمعاناة، حد قوله.


المسيحية في اليمن

من خلال مقابلات أجريناها مع مسيحيين يمنيين فأنهم يعتقدون أن انتشار المسيحية في اليمن في العصر الحديث بدأ في سبعينيات القرن الماضي.

بدأ انتشار المسيحية في اليمن عبر الإذاعات الدولية أهمها (إذاعة حول العالم من موناكو – مونت كارلو) التي كانت تبث برنامج “ساعة تبشيرية”.

كانت الإذاعة تتواصل مع المستمعين عبر رسائل البريد بهدف نشر الدين المسيحي.

انتشرت المسيحية في اليمن أيضًا عبر راديو الفاتيكان وإذاعة صوت الانجيل وبرنامج صوت المحبة من إذاعة امدرمان.

مع انتشار المسيحية في اليمن، ظلت الأقلية المسيحية في اليمن مسكونة بالخوف، ومقيدة بالقانون، وغير قادرة على ممارسة طقوسها الدينية.


المسيحية في اليمن عقب احتجاجات 2011

عقب احتجاجات 2011 نشط مسيحيين يمنيين على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل لافت.

طالبوا بالاعتراف بهم كأقلية، وبحرية إنشاء أماكن دينية.

بأسماء مستعارة على موقع فيس بوك وبصفحات مثل الكنيسة اليمنية واليمن للمسيح؛ طالبوا بإلغاء المادة 259 من قانون العقوبات اليمني.

هذا النشاط كانت له نتائجه، إذ فجعوا بقُتل المُعلم جويل شروم في 18 مارس 2012 على أيدي جماعة أنصار الشريعة/تنظيم القاعدة بعد اتهامه بالتبشير.

وشروم هو معلم أمريكي كان يشغل مسئول إداري في المركز الدولي للتدريب والتطوير ومعلم لغة إنجليزية، وكان يعيش في تعز مع زوجته وطفليه الصغيرين.

عقب مقتله أعلنت أنصار الشرعية في رسالة للصحفيين أن العملية تأتي ردا على حملة التبشير باعتبار أن شروم أحد أهم المبشرين الأمريكيين.

هذه الحادثة التي أدانتها الخارجية الأمريكية وأحدثت مظاهرات محلية، وردود فعل واسعة، شكّلت ضغطًا أمنيًا على وزارة الداخلية التي يديرها حزب التجمع اليمني للإصلاح منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطنية/حكومة ما بعد احتجاجات 2011.

والإصلاح هو حزب عقيدته إسلامية ولديه تيار جهادي متطرّف.

اتهم مدير أمن المحافظة بالحادثة، حيث قال سلطان البركاني وهو الرئيس الحالي للبرلمان اليمني التابع للحكومة المعترف بها دوليًا: “الإدارة الأمنية ضالعة في الجريمة، وحراسة المحافظ غطت على عملية هروب المسلحين بعد تنفيذ جريمتهم”.


المسيحية في اليمن


مسيحي يمني: ننشر معتقداتنا كحق من حقوقنا 

يقول أحد المسيحيين اليمنيين الذين قابلناهم في تعز، أن حادثة اغتيال شروم منحتهم حرية أكبر في النشاط.

يعتقد أن قيادات أمنية كانت قلقة من حدوث أي عملية مشابهة قد يقوم باضعافهم سياسيًا.. لاسيما مع العمل الدبلوماسي لحزب الإصلاح الذي كان يقوم بتقديم نفسه كنظام بديل في اليمن على غرار مصر.

يقول: “عقب اغتيال شروم منعت اللجنة الأمنية في المحافظة التجوال بالأسلحة، وتساهلت مع الأناجيل التي كانت تأتينا كشحنات كتب عبر المطار. تمكنّا حينها من توزيع الكتاب المقدس لكافة محافظات الجمهورية لليمنيين الذين كانوا يتواصلون معنا”.

يؤكد: “نحن ننشر معتقداتنا كمؤمنين، وهذا من حقنا كمواطنين”

لكن هذا النشاط التبشيري يتعارض مع ما تؤمن به الجماعات الإسلامية التي انتشرت في محافظة تعز بعد تشكّل صفوف المقاومة الوطنية أواخر 2014 لمناهضة الحوثيين.

يقول: بعد اقتحام الحوثيين للمحافظة نشطت الجماعات الدينية ولم يعد هناك أمن يحمي أحد”.

يضيف: “تلقينا تهديدات بالقتل، وحرق مكتبة، واقتحام معهد لغات الذي كان يدرّس بها المعلم جويل، وتفجير محل تصوير وآخر لبيع الأغاني، واقتحام المنازل، وكل هذه الأماكن مملوكة لمسيحيين”.

لاحقًا، اغتال مسلحون من “حُماة العقيدة” أحد قائمة ال 17 (نتحفظ على الاسم حماية لأفراد أسرته). نهبت الجماعة محتويات المكتبة واحرقتها، فيما سيطرت على مبنى المركز بعد اقتحامه وتكسير ما بداخله.

أدت هذه الحوادث لنزوح أفراد القائمة، كان “نور- المسيحي الذي قابلناه” أحدهم.


نور.. على قائمة الموت

معصوب العينين ومقيد اليدين، اقتيد “نور 38 عام – اسم مستعار” إلى الإعدام بعد أربعة أيام من إقدام طقمين يتبعان حكومة الأمر الواقع غير المعترف بها، بضبطه من منزله الذي نزح إليه للتو في “إحدى مديريات تعز – يتم إخفاء التواريخ والأماكن لأغراض الحماية” حيث كان بحوزته معداته الشخصية منها “الكتاب المقدّس”.

يجر خطواته الأخيرة بثُقل وخوف إلى الموت، لاسيما مع الليل الذي يخيم على الزمان وأصوات المسلحين الذين تجمهروا لمشاهدة هذه المسرحية، إذ لم يكن هناك اعدامًا، بل كما يصفها “إرهابي نفسيًا”.

“في المعتقل، قالوا بأني متهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل والتواطؤ مع العدوان/التحالف العربي وأني نصراني كافر” يقول نور.

يضيف: “تقررت عملية اقتيادي إلى الإعدام مرتين، على الرغم من أني لم أعترف أني مسيحي وأني مجرّد شخص يقرأ” ساعده عدم الاعتراف بكونه مسيحي على الخروج بعد شهرين، حيث حصل على أمر إفراج من شخص مكلّف بتفقد المكان حسب قوله.

كان نور يعيش في بيت شعبي في مدينة تعز، فر من منزله عقب إبلاغه من مالك العمارة المقرّب من الجماعة السلفية “حُماة العقيدة” بأن جنودًا قادمين لقتله.

لم يكن الوحيد المهدد بالقتل، بل 17 مسيحي أسمائهم مدونة على قائمة التصفيات. يقول: “أسمائنا وعناويننا كانت لدى (حماة العقيدة) الذين قتلوا أخ لنا.. وأحرقوا مكتبة أخ آخر كانت تبيع الكتاب المقدس.. وسيطروا على مركز اللغات، كان سابقًا لأحد الإخوة”.


إقرأ أيضًا

حرية الدين في اليمن.. متهم بالمسيحية!

مسيحي في اليمن: أي يمني يعرف ديانتي يهددني بالجنبية

أماكن العبادة في عدن.. تدمير ممنهج وقت الحرب

الديموغرافية الدينية في اليمن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.