تبعات تغيير المناهج في مناطق سيطرة الحوثي

تقرير يستعرض التغييرات في المناهج الدراسية

تغيير المناهج – تقرير: أنور دهاق


“أنا خائف ورغماً عني أدرّس ابني هذا المنهج لأنه إذا لم يدرس ويَفهم سيرسُب” هكذا بدأ فاضل (46 سنة – ولي أمر طالب في الصف الثامن من مدينة صنعاء) حديثه عن المناهج الدراسية المعدلة من قبل سلطات جماعة الحوثي، والتي فرضتها في مناطق سيطرتها.

 

تبعات تغيير المناهج في مناطق سيطرة الحوثي
تبعات تغيير المناهج في مناطق سيطرة الحوثي

 

يُعبّر فاضل بغصة، عن انزعاجه الشديد من بعض التغييرات التي طالت كيفية تتناول المناهج شخصيات مهمة ومؤثرة في التاريخ الإسلامي. معرباً عن أسفه لأن: “مستقبل ابني بيد جماعات مسلحة لا تعرف أهمية المناهج والتثقيف”.

بداية العام الدراسي 2021/2022، أصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء منهجاً معدلاً لعدة مواد في المرحلة الابتدائية وبعض مراحل الإعدادية. أدخلت على هذه المناهج دروساً جديدة وعدّلت أو حذفت دروساً من المناهج. كانت التعديلات تشمل مواضيع تتعلق بالحقوق المدنية ودور المرأة وبعض الشخصيات المؤثرة التي أسهمت بشكل كبير في تاريخ اليمن. 

خلقت التغييرات مخاوف كبيرة وغضباً واسعاً لدى شرائح من أولياء الأمور. كذلك المعلمين والتربويين في المدارس الخاضعة لسلطة الحوثيين شمالي البلاد، بسبب التأثيرات المحتملة لهذه التعديلات على أفكار وسلوك الأجيال المقبلة.


ما هي التعديلات؟

بحسب تقرير نشره منتدى سلام اليمن حمل عنوان “تغييرات في المناهج الدراسية لصنع جهاديي الغد”، فإن التعديلات استهدفت أربعة مناهج دراسية وهي اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية الوطنية والتاريخ، وكان من ضمن التغييرات إضافة دروس تمجيد لتاريخ جماعة الحوثي أعيادهم ومناسباتهم الدينية والسياسية.

على سبيل المثال، كتاب الوطنية للصف الخامس المعدّل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بأنه مدعوم من “التحالف الأمريكي الصهيوني”. تصوّر الحوثيين على أنهم حماة البلاد، كما تم حذف دروس عن شخصيات تاريخية ووطنية.. أمثال علي عبدالمغني (ثائر يمني وقيادي في ثورة 26 سبتمبر وأول قتلى مقاومة حكم الإمامة شمالي اليمن). والشاعر المناهض لنظام الإمامة محمد محمود الزبيري.. في مقابل إضافة دروس عن شخصيات حوثية مثل صالح الصماد الذي شغل منصب الرئيس حتى مقتله على يد مجهولين في 2018) والإمام منصور.

 


حذف الدروس التي تتحدث عن انتهاء الإمامة في اليمن وقيام الجمهورية


 

كذلك تم حذف الدروس المخصصة لما يُعرف بثورة  ٢٦سبتمبر التي أنهت نظام الإمامة ممثلا بالإمام يحيى حميد الدين شمالي البلاد عام 1962 وإعلان قيام الجمهورية، وأحداثها وأبرز شخصياتها، وأحلوا محلها دروساً عمّا تطلق عليه جماعة الحوثي ثورة ٢١ سبتمبر، وهو تاريخ سيطرة الجماعة على العاصمة اليمنية صنعاء.

كما حُذفت قصص السيرة النبوية والصحابة، وتم التركيز على سيرة رابع الخلفاء المسلمين علي بن أبي طالب وأولاده الذي يراه الحوثيين خليفة للنبي محمد وأيقونة للجهاد المتضمن في شعاراتهم الدينية والسياسية، وتسعى جماعة الحوثي في  هذه التعديلات الى غرس فكرة اصطفاء آل البيت وتكريس مفهوم الاصطفاء لجماعهم لتعزيز مكانتها الدينية. 

 

حذف دروس دور الدولة 

كما حُذفت جميع الدروس حول دور الدولة والسلطات الثلاث، وبدلا عنها أضيفت دروس عن الهوية الوطنية والهوية الإيمانية وأهمية الجهاد، على سبيل المثال، في الصف الثالث أساسي (الأعمار 13-14)، حذف المنهج الدراسي الجديد كل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر عام 1962 التي أسست الجمهورية العربية اليمنية. وحُذفت أيضًا دروس حول الدولة ومفهوم الحكم الاستبدادي. واستُعيض بدروس عن الهوية الوطنية والدفاع عن الوطن والكفاح من أجل الاستقلال. أما في الصف التاسع (الأعمار من 14 إلى 15 سنة)، حُذفت جميع الدروس المتعلقة بالحياة المدنية والمجتمع المدني ومشاركة المرأة.


مفاجأة المعلمين وحيرتهم

تقول المعلمة ليال (39 سنة) وهي كذلك أخصائية اجتماعية مقيمة في صنعاء إن “ما حصل معنا أن المعلم يتفاجأ بمنهج وأفكار غريبة ودخيلة على المجتمع وعلى كل ما تعلمه فهو غير مقتنع بهذه المناهج ناهيك على تدريسها فيقوم بتجاهلها أو عدم التركيز عليها أو عدم إعطائها مساحة من الأهمية”.

بيد أنها أوضحت أن هذا التجاهل لم يستمر بعد أن  قام بعض المندسين والمخبرين بإبلاغ الوزارة بما يحدث فقامت الوزارة بإنزال المشرفين والموجهين التابعين لهم للتأكد من إعطاء الدروس الجديدة وإدخالها بالاختبارات الشهرية والفصلية.

أما عن موقفها كأم لطالبين فعبّرت عنه بقولها إن “من أصعب المواقف  التي يواجهها أي أب أو أم حين يتعلم أبناؤهم أشياء ضد العقيدة التي تربينا عليها أو معلومات مغلوطة، فيسألوا آباءهم، فيصاب هؤلاء  بحيرة شديدة، ولا يعرفون هل يخبروا أبناءهم بخطأ هذا المعلومات فيفقد الأبناء ثقتهم بمعلميهم بمدرستهم، أم يتركهم الآباء لتشرب مثل هذه الثقافة التجهيلية”.

لذلك فهي ترى أن معظم الآباء يسعون بشتى الطرق للخروج من اليمن لإنقاذ أبناءهم من هذه المناهج.


تغيير المناهج لا بد منه

على الجانب الآخر، تقول المعلمة منيرة، والتي تخالف ليال في الرأي أن “تغيير المناهج أمر لا بد منه وهو أمر جيد وخصوصا إن كان التغيير في مصلحة الجيل الجديد”، معتبرة أنه “تغيير يواكب العصر والأحداث الجديدة” لكنها تردف أن التغييرات لم تأت  “في وقتها ولا أوانها لأن الأوضاع لم تستقر” وفق تعبيرها.

أما عن قدرة المعلمين على تعليمها المناهج الجديدة، فتؤكد على  استطاعة “المعلم تدريسها وتهذيب الأفكار حين تصله فما يراه مناسبا يكثر منه وما لا يراه يقلل منه”.

واعتبرت دور الأسرة مهما جدا فلهم “الدور الأكبر في تهذيب ما يمكن أن يصل لأولادهم من أفكار وتعليمهم الوسطية والنظرة المتزنة للأمور دون مغالاة أو تحيز، حتى لا  يقع الطفل في مستنقع الأفكار المغلوطة”. 


ما وراء التعديلات

ترى الموجهة وأخصائية الأستاذة أروى “اسم مستعار” 44 سنة بصنعاء في التربية أن الحوثيين قد قاموا بتغيير التعليم من تعليم مدني في مختلف المجالات المعرفية إلى تعليم ذو توجهه ديني طائفي حيث قامت جماعة الحوثيين (أنصار الله) باستغلال المناهج الدراسية لنشر أفكارهم الدينية المتعصبة والثقافة الجهادية والتمجيد والتقديس لآل البيت وضرورة طاعتهم والحث والترغيب على التطوع في الجبهات، كما أن مثل هذه التغييرات تؤدي إلى التجهيل الممنهج وإنشاء أجيال متشربة للعنصرية الطائفية وثقافة العنف.

آثار تغيير المناهج

عن أثر هذه التغييرات على التعليم والأجيال من وجهة نظر المعلم.. تقول المعلمة ليال “إنها آثار كارثية تدميريه تزرع مبادئ الطائفية والتعصب للمعتقدات ورفض الآخر”. 

وتفسّر نتيجتها في أن كثير من الآباء منعوا أبناءهم من الالتحاق بالمدارس بسبب المناهج. تقول: ولم يوفروا لأبنائهم البديل مما يؤدي إلى انتشار الجهل والأمية. تؤكد: “بقية الآباء تركوا أبناءهم يذهبوا إلى المدارس ليتشربوا ثقافة تمجيد وتقديس ال البيت والجهاد وهو أسوأ من الجهل بكثير”.

أما المعلمة منيرة فعقّبت “حوالي 70% من الطلاب لم يعد التعليم في نظرهم مهم.. وما هي إلا أشياء يتم حفظها ووضعها في ورقة الاختبار ونسيانها مباشرة.. بيد أن أفكارهم صارت منفتحة على العالم بطرق أكثر حداثة وهي طبعا عن طريق الانترنت”.


مواقف الطلاب من تغيير المناهج

ألزمت جماعة الحوثي جميع الطلاب بالاضطلاع بدور فعّال في الأنشطة الدينية والمناسبات الوطنية. يقصدون بالوطنية التي “تبرز دورهم في الدفاع عن الوطن وتؤكد على تواطؤ الحكومة المعترف بها دوليًّا في موت المدنيين اليمنيين”.

وبحسب المعلمة ليال فإن الطلاب في المراحل الثانوية يرفضون ترديد الصرخة (شعار جماعة الحوثي) أثناء الطابور.. ويتناقشوا مع معلميهم في المعلومات الجديدة في المنهج ويرفضون حضور الدورات الثقافية الخاصة بالترويج للجماعة والجهاد.. وان حضروا يقومون بالسخرية وإطلاق النكات والتعليقات الساخرة.  ولكن المأساة عند الطلاب الصغار فإنهم يقوموا بترديد الصرخة بكل حماس ويشعروا بالسعادة عندما تعلق معلمتهم شارات مشروع شهيد.

مشروع شهيد أطلقه الحوثي للتسويق لفكرة القتال حتى الموت كشهداء لنيل الجنة التي وُعد بها قتلى الحرب ضد العدو. (اطلق المشروع بعد مقتل الصماد في 2018).


تضخم لأرقام المجندين الأطفال

ارتفعت نسبة الطلاب المجندين في صفوف جماعة الحوثي تزامنا مع تغييرات المناهج الدراسية  وفرض المراكز الصيفية على الطلاب، ففي تقرير  صدر عام 2021 من منظمة سام للحقوق والحريات والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ذُكر فيه أن “الحوثيين يستخدمون المراكز الصيفية لتجنيد الأطفال عبر تلقين الطلاب أيديولوجيات الجماعة من خلال محاضرات مذهبية”، حيث قُدّر عدد الأطفال الذين جندتهم الجماعة منذ عام 2014 بحوالي 10,333 طفلًا (بحسب التقرير نفسه).

وفي 2017 صدر بيان صحفي عن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.. ذُكر فيه بأن عدد الأطفال المجندين الذين يقاتلون مع الجماعة بحوالي 1,500 طفل.  أما نهاية 2018، فلقد أفادت وكالة أسوشيتد برس عن تجنيد حوالي 18 ألف طفل، ووصولا الى عام 2019، قدّر وزير حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية عدد الأطفال المجندين منذ عام 2014 بحوالي 30 ألف طفل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. أكرم يقول

    مشكلة المناهج التعليمية المفترض لا يلمس من اي طرف سياسي