طهارة غير المسلم: هل البوذي نجس؟!

تناول قضية طهارة غير المسلم، هو تحدٍ صعب. هناك الكثير من تناول هذا الأمر من زاوية سلبية، لا تراعي التنوع الديني، ولا مجتمع المساواة. استندوا على تصورات خاطئة في فهم النصوص الدينية.

 

طهارة غير المسلم

 

لم يتناول كتاب القرآن طهارة غير المسلم أو نجاسته. هناك نصوص قرآنية مختلفة تحدثت عن الطهارة، ولم تتناول أتباع الأديان المختلفة. فقط نص واحد تحدث عن “نجاسة المشركين” ولكننا نفهم من السياق ارتباطه بركن ديني وأساسي وهو “الحج إلى البيت الحرام”. ورد في القرآن:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”

سورة التوبة، رقم الآية 28


بالتالي، وبناء على الخلاف الفقهي “السني والشيعي” حول طهارة غير المسلم، فإنه لا يمكن القول بنجاسة غير المسلم. لكن يمكن أن نؤكد، وبما لا يدع مجالًا للشك، أن الله كرّم البشر جميعًا، دون تمييز بينهم بحسب دينهم أو نوعهم الاجتماعي، ورد في القرآن:

“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”

سورة الإسراء، رقم الآية 70


هل البوذي نجس؟

الإجابة باختصار هي لا. لأن النجاسة لها مفاهيم مختلفة غير متفق عليها هي التالي:

  1. القذارة الخبثية
  2. خبث السريرة: بمعنى عدم الإخلاص
  3. المرض غير القابل للشفاء، والمريض
  4. التعوذ والتحرز

المصدر: طهارة الإنسان في الإسلام – قراءة نقدية في نظرية نجاسة غير المسلم، مركز النصوص المعاصرة في بيروت، رابط الوصول: انقر هنا


اختلف الفقهاء والمذاهب في معنى النجاسة المقصود، لكن يتفق الجميع على التأثير الكبير لهذه المعاني!


 

لكل ديانة تصورات وقواعد خاصة بها، وهي بالضرورة لا تتشابه مع باقي الديانات.

في البوذية مفاهيم النجاسة لا تشبه مفاهيم النجاسة في الإسلام، لأنها تركز على طهارة الروح والوعي والتنوير، وبالتأكيد طهارة الجسد.

ترى البوذية إن النظافة والنقاوة معنوية وروحية، ويجب على الفرد تطهير عقله وقلبه من الجشع والكراهية والصفات السلبية.

ويمكن أن تظهر رمزيات للنظافة والنقاء في ممارسات البوذية مثل النظافة البيئية كمظهر من مظاهر التقدير والاحترام للكائنات الحية.


 

تساؤلات حول طهارة غير المسلم

هل كل المشركين (الذين لا يؤمنون بإله واحد مثل الهندوس والبوذيين) نجسون؟ هل يمكننا مصافحتهم باليد والأكل من الطعام الذي يطبخونه؟ (سؤال منقول من أحد مواقع الفتوى)

لا يمكننا حيال هذا السؤال إلا أن ندعو للبشرية أن تحيا بسلام مع بعضها. أن تتجاوز كل القصور في النظر تجاه الآخر. وأن نبني معًا مجتمع المحبة العالمي.


لماذا نؤكد على عدم طهارة غير المسلم؟

هناك من يؤكد على عدم طهارة غير المسلم بطريقة غير مفهومة المقصد. نحن نعتقد إن السبب هو: من أجل إثارة الإحساس بالاشمئزاز، كطريقة لحماية الدين!

حماية الدين يكون بالعادة عملية عكسية لمواجهة الحرب على الإسلام، وهي نظرية لا سند لها.

لكن لها تأثيرات جانبية، فالإحساس بالاشمئزاز هو شعور طبيعي، يثار لحماية جسد الإنسان من خلال دفعه لتجنب تناول الطعام الفاسد أو التلوث بالميكروبات، وهو أحد الأشياء الأساسية التي ساعدت البشر على البقاء.

لكن الإحساس بالاشمئزاز هنا، يتم إعادة توظيفه في المجال الديني لحماية الدين، كالتالي:

  • رؤية المختلف كشخص مقزز: يرسخ رؤية المجموعة الدينية المختلفة كمجموعة منحرفة، وهو ما يحول دون التفكير بالانتقال إليها مثلًا أو الاختلاط مع أفرادها وهو ما يؤدي إلى الانقسام، وفي هذا مخالفة لما ورد في القرآن: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.
  • رؤية المختلف كشخص مقزز: تعزز نزعة الاستعلاء والإحساس بالأفضلية داخل أفراد المجموعة الدينية الواحدة، وبالتالي تتجذر روابطهم بهذا الدين.

ما هي مخاطر التأكيد على طهارة غير المسلم؟

1. خلق شرعية لممارسة التمييز وخطاب الكراهية:

رؤية غير المسلمين كأشخاص مقززين جسديًا أو معنويًا، يخلق شرعية لإقصائهم “ليسوا إخواننا”.. ودافع لتجريدهم من إنسانيتهم وإهانتهم “أحفاد القردة والخنازير”

 

2. فكرة طهارة غير المسلم تولّد التطرف:

الإحساس بالاشمئزاز تجربة تعمل على تضخيم تقييمنا الأخلاقي؛ أي تجعل الأشياء الخاطئة في تصورنا تبدو أكثر خطأ مما هي عليه بالفعل.

رؤية غير المسلمين كأشخاص مقززين جسديًا أو معنويًا، يدفع المسلم لردود فعل متطرفة تجاه سلوكهم اليومي “الملابس، الأكل” ..الخ

 

3. خلق بيئة عدائية، وغير آمنة للتنوع:

س: ظروفي الصحية اضطرتني لجلب خادمة أجنبية، كنت قد اشترطتُ على المكتب أن تكون مسلمة أو مسيحية ولكن بعد أتت إلى البيت سألتها عن ديانتها قالت إنها بوذية وأخذت تتمنى عليّ وترجوني ألا أعيدها إلى المكتب وبأنها سوف تكون مسلمة إذا أنا أردت ذلك.

شعرتُ بحيرة كبيرة وخاصة بأنها مسجلة في الأمن العام بإسمي -أي أنا المسؤولة عنها- عندها قررت أن أعرض عليها الإسلام، فنطقت بالشهادتين، وقد قرأت اليوم لسماحتكم رأيًا يقول بأنك لا تشجع هذا الأمر، رغم أنك تقول بطهارة جميع الناس. في هذه الحالة: هل أعتبرها غير مسلمة لأنها لم تتحجب، ولم تتعلم الصلاة؟ وإذا لم تكن مسلمة، فما حكم من يزورنا وهو لا يقلد سماحتكم؟

هذا السؤال / القصة، المنقولة من أحد مواقع الفتوى الشهيرة، تلخيص لكيف يتحول احساسنا بالتقزز من غير المسلم إلى أداة قمع واضطهاد من أجل حماية النقاء الديني من شوائب التنوع!


لماذا يطرح الكثيرون مثل هذه الأسئلة على جوجل؟

ارتبط جوجل باحتياجاتنا المعرفية، حتى أن أي معلومة نود الحصول عليها لا يساعدنا في ذلك سوى جوجل. بالتالي يجب أن نفهم أن المقالات التي تظهر على جوجل ليست بالضرورة ذات مصداقية عالية، ولا يمكن الاعتماد عليها كحقائق، حتى وإن تكرر نفس الجواب في أكثر من موقع. يجب دائمًا أن تسأل نفسك بعد قراءة المحتوى: هل يؤدي هذا الجواب إلى التعايش بين أتباع الأديان، أم إلى خطاب كراهية تجاههم؟

فكّر بشكل نقدي، ثم اختر ما يمليه عليه قلبك الطاهر وضميرك اليقظ


ما الذي يمكننا فعله؟

تعليق احساسنا بالتقزز، يتطلب تدخلات مجتمعية قائمة على التعاطف وبناء الثقة بين أتباع الأديان المختلفة

يتطلب أكثر.. فرد مسلم يدرك تمامًا أن:

الصورة المرسومة في أذهاننا عن دين ما، هي صورة رسمتها في البدء الكلمات التي استخدمناها في الحديث عن هذا الدين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. محمد الثعدي يقول

    كلام سليم كل الناس مسلمبن ما عليك من الفقهاء ما يفهمو قولا