لم أزر الكويت من قبل وربما لم يعد مجديًا ذلك، فمن خلال مجلة العربي لم أزرها وحسب بل زرت العديد من البلدان أيضًا. ولم تكن الكويت “العربي” فقط، فقد كانت بالنسبة لنا أيضًا: مدرسةً ومشفى.
في بلدتي (وادي الصدر) بالقبيطة -أحد أرياف تعز جنوب غرب اليمن- كان على الطلاب أن يقطعوا مسافات طويلة في الصباح الباكر تصل ٢٠ كيلو مترًا، ليصلوا إلى مدرسة شعب على المنطقة الحدودية بين الشمال والجنوب -قبل الوحدة- فيما يبقى الكثيرون يتلقون العلم في الكُتّاب “المعلامة” عند جدي لأمي: سيف مطهر.
أواخر السبعينيات، لم يعُد لدى جدي من يلقنهم القرآن وأساسيات القراءة والكتابة، تحت شجرة العِلب (السدر) إذ بدأوا يتجهون صوب فصول مدارس بنتها الكويت في المنطقة.. فاختفت الكتاتيب تحت الأشجار..
ومثل بلدتي كانت العديد من بلدات اليمن ومدنها، الكويت بالنسبة لها: مدرسة ومشفى.
“في ثانوية الكويت” كان هذا ردًا كافيًا على السؤال أين تدرس؟.. كانت ثانوية الكويت في صنعاء (خلف كلية الشرطة) حلم أي طالب يريد أن يتلقى تعليمًا جيدًا، وبالنسبة لي أيضًا فقد التحقت فيها: 1996.
الكويت مدرسة ومشفى ومجلة العربي.. مهيب زوى
مجلة العربي
وأنا في الـ 13 (1994)، كنت كل جمعة أتجول وأقراني في شوارع العاصمة، كانت وجهتم دومًا إلى محل الألعاب خلف مدرسة جمال عبد الناصر قلب شارع التحرير: جيم، بلياردو والأتاري.. لم تكن تروق لي هوايتاهم ومتعتهم تلك، فأتركهم لأتجه كعادتي إلى الرصيف المجاور لـ صرح “مارد الثورة”، الذي تفترشه الكتب هناك بأسعار زهيدة.
من ذلك الرصيف اقتنيت أول عدد من مجلة العربي ١٩٨٤، كان قديمًا مهترئًا وفيه -إن لم تخني الذاكرة- ملف عن صنعاء القديمة: ملابسها، طقوسها وأسواقها.. ومن حينها ظلت مجلة “العربي” زادي الشهري وظل رصيف التحرير مكتبتي للأعداد القديمة منها.
وحتى العام 2005، لم أتوقف عن اقتناء نسختي الشهرية من “العربي” التي ترافقني طوال الشهر.. ومازلت أحتفظ بكل تلك الأعداد: المنتظمة والمتفرقة.
في العام 2000 تحديدًا كان شيئا مزعجًا قد حدث لي.. كنت أؤدي خدمة التدريس -بعد الثانوية العامة- في منطقة خولان (إحدى ضواحي صنعاء) وعندما وصلت نسخ العربي التي يأتيني بها أحد رجال القرية حين يدخل المدينة ويعود: أصبحت المجلة ثقيلة، ورقها أكثر خشونة وترويستها بدت وكأنها الترويسة القديمة في الثمانينيات ولم يعد الرميحي رئيسًا للتحرير.
مفاجآت
كعادتي اقرأ الافتتاحية التي كانت لسليمان العسكري.. وأبدأ بقراءة مقالًا يوميًا حتى أنتهي من العدد خلال الشهر، وكانت هناك صفحة مهمة بالنسبة لي، لم تكن مجرد صفحة كلمات متقاطعة للتسلية كما في الصحف والمجلات الأخرى.. فقد كانت متقاطعة العربي تعني: البحث والتنقيب وراء المعلومة.. في كل عدد هناك موضوع تتركز الكلمات المتقاطعة حوله، مثلًا: الزلازل.. كانت الخانات راسيًا وأفقيًا تتطلب منك معلومات وافية عنها.
المفاجأة: لم تعد هناك صفحة المتقاطعة.. أعتقد أنها كانت صفحة ممتازة.. تجعلك تنتظر دقة معلوماتك في الشهر القادم بعد أن تكون قد بحثت في الكتب والموسوعات عن إجابات لها.. وكأنك تقرأ مقالا متكاملًا تكتبه بنفسك عن موضوع معين.
ربما خسر قراء العربي منذ العام 2000 المتقاطعة كصفحة ثرية تحث على المتعة وراء البحث عن المعلومة.. لكنها العربي: لا تُفقدك متعة قراءتها أبدًا.
ما فعلته مجلة العربي لدى قُرائها لم تفعله أية دورية عربية أخرى.
معها تشكلت هويتي كصحفي ومع استطلاعات محمد المنسي قنديل تعرفت على الكثير من الثقافات والدول.. وأثريت لغتي مع جمال العربية فاروق شوشة وجابر عصفور، وأصبغت تلك الكتابات بداية اهتماماتي بالكتابة والصحافة.
تم كتابة هذا المقال لمشروع صوت الجالية اليمنية في الكويت
التعليقات مغلقة.