تهنئة غير المسلمين بأعيادهم هي فرصة فريدة لتعزيز الشعور بالوحدة والإخاء الإنساني وتعميق الاحترام المتبادل بين المسلمين وغير المسلمين.
من ديوالي إلى عيد الميلاد، الاحتفال بالأعياد الدينية لغير المسلمين هو حق لا يُكتسب بالأغلبية، ولا يُسقط لدواعي اختلاف..
حق تفرضه قيم المواطنة، وأخلاقيات العيش معًا في مجتمع متنوع ومتعدّد.
الأعياد الدينية لغير المسلمين
الأعياد الدينية هي أيام مميزة ولها أهمية خاصة ودلالات مقدسة لأتباع الأديان.
تتكرر الأعياد الدينية في تواريخ أو مواسم معينة من السنة.
يتميز العيد الديني بالطقوس والعبادة والصلاة وغيرها من الاحتفالات وتحتفل في الغالب بأحداث أو شخصيات مهمة في السرد الديني.
تهدف الأعياد الدينية إلى تقوية الإيمان وتعميق الصلات بين أتباع الدين.
اقرأ عن
تهنئة غير المسلمين
تهنئة غير المسلمين هي أن يشارك المسلمين غير المسلمين أفراحهم، ويعبرون عن نواياهم الحسنة تجاه غير المسلمين في مناسباتهم السعيدة.
تتضمن تهنئة غير المسلمين نوعين:
- تهنئة غير المسلمين بالمناسبات الحياتية التي لا ترتبط بالدين
تهنئة للنجاح في الدراسة، أو الترقية في العمل، أو الزواج، أو بالمولود الجديد، أو بالشفاء من المرض الخ.
- تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية
معايدة غير المسلمين في أعيادهم الدينية.
أهمية تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
- تهنئة غير المسلمين هي طريقة عملية يستطيع المسلم/المسلمة أن يستخدمها في نشر التسامح الديني ومحاربة التعصب الديني في مجتمعه.
- تهنئة غير المسلمين هي طريقة لإظهار سماحة الإسلام وتقبله للآخر.
حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية مسألة تنقسم فيه آراء الفقهاء إلى رأيين:
الرأي الأول: يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
يؤكد معظم العلماء المعاصرين من السنة والشيعة على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.
من هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر :
- الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله: من حق كل طائفة أن تحتفل بعيدها بما لا يؤذي الآخرين، ومن حقها أن تهنئ الآخرين بالعيد؛ فنحن المسلمين لا يمنعنا ديننا أن نهنئ مواطنينا وجيرانا النصارى بأعيادهم فهذا داخل في البر كما قال الله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، وخصوصا إذا كانوا يجاملون المسلمين ويهنئونهم بأعيادهم، فالله تعالى يقول: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”.
- دار الإفتاء المصرية: لا مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم، وليس في ذلك خروج عن الدين كما يدَّعي بعض المتشددين فتهنئة شركاء الوطن بمناسباتهم وأعيادهم من حسن الجوار ورد التحية بالحسنى وحسن التعايش، وهي مبادئ إنسانية راقية يدعو إليها الشرع كتابًا وسنةً ومارستها السيرة النبوية العطرة.
- موقع سماحة السيد علي الحسيني السيستاني: يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم، وكذلك غير الكتابيين من الكفار، بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال: عيد رأس السنة الميلادية، وعيد ميلاد السيد المسيح (ع)، وعيد الفصح.
يُجيز العلماء تهنئة غير المسلمين لعدة أسباب أهمها
- التهنئة فعل يندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله عز وجل به
- التهنئة فعل يندرج تحب باب البرّ قال الله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”
- التهنئة فعل يندرج تحت باب حسن الجوار.
الرأي الثاني: لا يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
هناك قلّة من العلماء المسلمين المعروفين بتشددهم الديني أفتوا بتحريم تهنئة غير المسلمين، على سبيل المثال لا الحصر:
- ابن عثيمين حكم تهنئة الكفار: يعتمد على آراء ابن القيم في كتاب (أحكام اهل الذمة)
- موقع اسلام ويب – حكم تهنئة النصارى: يعتمد على آراء ابن القيم أيضًا
تشترك جميع فتاوى التحريم في أنها لا تنبع من سياق العصر ومن متطلبات الواقع. وتتبنى قراءة متشددة للدين، ويبرر من يحرمون التهنئة بما يلي:
- تهنئة على معصية وكفر.. نحن على الحق وهم على الباطل
هذا التبرير عقدة استعلاء وليست حجة!
- التهنئة هي أكثر من نوايا حسنة (هي إقرار وقبول بمعتقدات باطلة)
من يعتمد على هذا الفهم فهو يتناقض القرآن الذي أقرّ أهل الكتاب على أديانهم، وشددّ على حقهم في التمسك بعقيدتهم، فلا إكراه في الدين.
- المشاركة هي تشبّه بالكفار
هذا التبرير غير منطقي، فتقديم الطعام والهدايا في أعياد غير المسلمين هو أمر جميل، والجمال لا يتغير باختلاف الدين، والله جميل يحب الجمال.
- مداهنة في دين الله
والمداهنة تعني اظهار ما ليس أنت، وهم تماهي مع الآخر، وربط المداهنة بتهنئة غير المسلمين هو سوء فهم لمبدأ الولاء والبراء لأن غير المسلمين ليسوا مجرمين، ولا يجب أن يُدانوا إلى الأبد.
- زيادة اعتزاز غير المسلمين بدينهم!
هذا التبرير اسقاط لحالة، وليست عمومية، فالمجتمع المتنوع يتعاضد مع بعضه في الأفراح قبل الأحزان. الأمر لا يتعلق بالاعتزاز بالدين، بل بروابط العلاقة المجتمعية.
رأي المذاهب في تهنئة غير المسلمين بأعيادهم: المذاهب الأربعة هي المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، والخلاف الفقهي خلاف لا يفهمه سوى المتخصصين، ومن غير الصحيح اقتطاع مفاهيم من سياقها والصاقها بواقعنا اليوم، لمن يريد التوسع أكثر: اقرأ هنا تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. هل يتناقض الأخلاقي والعقدي
ضوابط تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
تهنئة بألفاظ لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية
كيفية تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
أهنئ إخوتي وأصدقائي الأعزاء البابا فرنسيس، والبابا تواضروس، ورئيس أساقفة كانتربري د. جاستن ويلبي، وبطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول، وقادة الكنائس، والإخوة المسيحيين في الشرق والغرب بأعياد الميلاد، وأدعو الله أن يعلو صوت الأخوَّة والسلام، ويسود الأمان والاستقرار في كل مكان.
— أحمد الطيب (@alimamaltayeb) December 25, 2022
تحليل الآراء المتضاربة حول تهنئة غير المسلمين
الفتاوى هي اراء بشرية وليست نصوص مقدسة غير قابلة للتقييم والتحليل
ولان شبكة الإنترنت بيئة مثالية للمعلومات المغلوطة والمضللة
يجب ان نضع المعلومات التي نحصل عليها موضع تدقيق
باستخدام تهنئة غير المسلمين، كمثال، سنستعرض معا أهم الخطوات لإعادة تقييم المعلومات على شبكة الإنترنت، كالتالي:
أولًا نقوم بتحديد المشكلة
هناك إجماع أن التعامل الإنساني والأخلاقي لا يتغير بتغير الدين، الانقسام والاختلاف يظهر فقط في وجهات النظر الدينية.
حصر موضوع المشكلة في الجانب الديني، هذه هي الخطوة الأولى في تحديد المشكلة، ثم وضعها في نطاق أضيق، حصرها في نطاق الإجابة عن تساؤل محدد: تهنئة المسيحيين حلال ولا حرام؟
ثانيًا نقوم بجمع الآراء والحجج المختلفة
في حالتنا لدينا رأيين مختلفين:
الأول: تطرحه دار الإفتاء المصرية ( وهو مؤيد)، والفتوى للدكتور نصر فريد واصل
والثاني: (معارض) يطرحه موقع الإسلام سؤال وجواب وهو كما يُعرّف نفسه “موقع دعوي، علمي، تربوي، يهدف إلى تقديم الاستشارات والإجابات العلمية المؤصلة بشكل واف وميسر، ويقوم بالإشراف على هذه الإجابات الشيخ محمد صالح المنجد”.
ثالثًا نقوم بتحليل وتقييم المعلومات (بمعنى هل مصدر المعلومات موثوق)؟
الرأي المؤيد (دار الإفتاء المصرية) هي جهة رسمية مختصة وموثوقة تمامًا، وصاحب الفتوى الدكتور نصر فريد واصل، يحمل شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن، وعمل مفتي للديار المصرية من 1996-2002.
الرأي المعارض (موقع الإسلام سؤال وجواب) هو موقع شخصي تابع للشيخ السوري محمد صالح المنجد، والمقيم في السعودية، يحمل شهادة بكالوريوس إدارة صناعية، إمام وخطيب مسجد، من تلاميذ الشيخ عبدالعزيز بن باز، والفتوى غير منسوبة لشيخ معين، بل مُعدّه بالاعتماد على فتاوى أخرى في ذات السياق.
هنا عليك اختيار بمن تثق، بمصدر المعلومات، دار الافتاء المصرية وفتوى من شخص يحمل دكتوراة في الفقه، أم موقع شخصي لفتوى من شخص يحمل بكالوريوس إدارة صناعية؟
رابعًا من الممكن أن نسأل: هل اعتمد مصدر المعلومات على معلومات كافية وحجج واضحة؟
دار الإفتاء المصرية: اعتمدت على نص قرآني في تبرير الاباحة، وتضمن أيضًا ردًا على عدم دقة استدلال الرأي المعارض.
موقع الإسلام سؤال وجواب: اعتمد على فتوى لابن تيمية في تبرير التحريم، وعلى تفسيرات السلف لنص قرآني.
خامسًا البحث عن التحيزات الخاصة بنا واختبارها
إن قناعتنا الخاصة هي أن التهنئة لفظ للتعبير عن المحبة والسعادة في يوم العيد، والتعبير عن المحبة لا يُلقي أحدًا في النار، بل يُطفئ الحرائق التي تشعلها الكراهية والتعصب، ويرسم مظهراً من مظاهر التسامح والتعايش في المجتمع.
علينا أن نختبر هذه التحيزات، وأن نبحث عنها في جوجل باستخدام كلمات بحث مختلفة، وعند البحث مراعاة مايلي:
- الحرص على عدم توجيه البحث في اتجاه قناعاتنا الخاصة، والحرص على إجراء البحث باستخدام عبارات محايدة.
- غالبا ما يشكك الإنسان فقط في المعلومات التي لا يريد الإيمان بها، ولكي نضمن الوصول إلى حكم نزيه، يجب أن نشكك أكثر في الآراء التي توافق أفكارنا، أو التي نريد أن نؤمن بها. “المعلومات المضللة تبقى مضللة حتى عندما تجعلنا سعداء”.
- الناس لا يتغيرون عندما نخبرهم أن قناعاتهم خاطئة! المعلومات وحدها لا تستطيع تغيير المواقف، لذا يجب أن نحدد ضوابط واضحة للصحة وللخطأ كي نحدد بوضوح متى يحدث تحول في قناعاتنا: موثوقية المصدر، وتماسك ومنطق الحجة.
سادسًا تحديد الأهمية
دعونا نتعرّف على الفتوى الأكثر الأهمية، ونفهم ضروفها، ودوافعها.
رأي دار الإفتاء المصرية
- جهة اعتبارية متخصصة، والدكتور نصر فريد شخص متخصص
- الفتوى كانت عبارة عن رأي حاسم، أكثر من كونها حجة واضحة، الفتوى لم تاخذ حساسية الموضوع كما يجب، وطبيعة وعي الناس المتفاوت، كانت مقتضبة وسريعة بحيث يصعب الإمساك بشكل واضح بالحجج والدلالات، والاطمئنان لها.
- المجتمع المصري مجتمع متنوع دينيا (مسلمين ومسيحيين) وبالتالي رأي دار الافتاء رأي ينطلق من حاجة اجتماعية ولغاية عامة (التعايش السلمي)، وهو أمر يلفت انتباهنا إلى أن الدين كائن حي قادر على التطور واشباع حاجات المجتمع المختلفة والمتجددة، لكن هذا الامر قد يشتت انتباه آخرين، من خلال النظر للفتوى “كإملاء سياسي” أكثر من كونها فهم حقيقي لجوهر الدين.
رأي موقع الإسلام سؤال وجواب
- الفتوى من إعداد طاقم العمل على الموقع كإجابة على سؤال ورد إليهم، مبنية على التشابه مع فتاوى رسمية لمشايخ معروفين في ذات السياق، لكنها لم تراعي الفروق بين سياق فتاوى المشايخ المشار إليها في نهاية الفتوى، وسياق الفتوى التي اصدروها، ولم تكن متمثلة في أذهانهم خطورة ما يكتبونه حيث يعتبر الكثير من المسلمين أن أي نص فتوى هو أكثر من مجرد استنتاج يحتمل الخطأ والصواب، بل حقيقة مطلقة! وهو أمر كان يستدعي الاجابة من خلال متخصص وليس بناء إجابة متسرعة تعتمد على القياس والتشابه، وليس على الفهم العميق والواعي للسؤال
- ابن تيمية عالم اسلامي مهم، لكنه عاش في فترة تاريخية شهدت حروب وصراع ومؤامرات بين المسلمين والمسيحيين من جهة، والمسلمين والتتار من جهة أخرى، كما أن لابن تيمية حادثة شهيرة تذكرها كتب التاريخ باسم حادثة عساف النصراني، وهي مؤشر لفهم شخصية ابن تيمية الحادة.
طبيعة ذلك العصر فضلا عن شخصية ابن تيمية الصارمة، تجعلنا نفهم أن اراءة المتشددة، هي تعبير عن شخصية ابن تيمية، وطبيعة عصره، اكثر من كونها تعبير عن شخصية وطبيعة الإسلام.
سابعًا الاستنتاج:
الإسلام لا يتغير، لكن الزمان والمكان يتغيران، ومعهما تتغير احتياجات ومتطلبات الإنسان
من هنا نستطيع فهم تشدد وتطرّف الآراء في عصور الصراع، ونستطيع فهم لماذا يختلف -حول نفس القضية- رأي عالم دين في السعودية، عن رأي عالم دين في مصر.. إنها طبيعة واحتياجات المجتمع، السعودية مجتمع منغلق ومنعزل (حين إصدار الفتوى، وليس الآن)، لا يتواجد فيها المسيحي الا كوافد وليس كمواطن، بالتالي من الطبيعي ان تكون اراء علماء الدين هناك لامبالية، وبهذا الشكل الدفاعي المتطرّف.
بعكس المجتمع المصري الذي يتشكل من المسلمين والمسيحيين، ومن الطبيعي أن لا يُستخدم الدين في إشعال الفتنة والصراع بين أبناء الوطن الواحد.
الإسلام لا يتغير لكنه يتطور
في عصرنا الحالي، عصر القرية الكونية، والعالم المتداخل والمتشابك، والمجتمعات متعددة الأديان والأعراق، الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للإخاء الإنساني، والسلام والتعايش، وليس للكراهية والحرب.
ختامًا.. استمع لهذا البودكاست
مواضيع ذات صلة
التعاطف لفهم شرعية الترحم على غير المسلم
المصادر
Break the Fake: Critical thinking vs. disinformation